دعوة إلى تكثيف الرقابة على الأساتذة المخالفين وأخرى لوضع رقم هاتفي أخضر للإبلاغ عن التجاوزات تونس الصباح: رغم الإجراءات التي اتخذتها وزارة التربية والتكوين لتطويق ظاهرة الدروس الخصوصية فإن عيون الرقابة لم تطل كل المربين الناشطين في هذه السوق الموازية التي شهدت خلال الفترة الأخيرة نشاطا ملحوظا نظرا لأن امتحانات نهاية السنة الدراسة أضحت على الأبواب خاصة امتحان الباكالوريا وامتحان شهادة ختم التعليم الأساسي ومناظرة الالتحاق بالمدارس الإعدادية النموذجية.. وفي هذا الصدد اتصل بنا أحد الأولياء ليبدي تذمره من تصرفات بعض المربين الذين يبتزّون على حد قوله العائلات التونسية دون وجه حق ويستغلون نقطة ضعفها الوحيدة وهي رغبتها في نجاح أبنائها وتفوقهم حتى وإن كان ذلك على حساب ميزانية العائلة. ويقول: "أكثر من ثلاثة أرباع مرتبي الشهري تؤول إلى جيوب الأساتذة.. ولكن ليس لدي من خيار آخر.. ولا أستطيع أن أمنع إبني وإبنتي من متابعة تلك الدروس في الرياضيات والعلوم الطبيعية والعلوم الفيزيائية واللغات الأجنبية لأن جل زملائهما بالفصل يفعلون".. ووجه الولي دعوة ملحة إلى مديري المؤسسات التربوية والإدارات الجهوية للتعليم لتكثيف الرقابة على هؤلاء المدرسين الذين يستغلون ظرف الامتحانات للاستثراء وخاصة أساتذة المواد العلمية.. وبين أنه يعرف أولياء اضطروا إلى الاقتراض من البنوك ومن الصناديق الاجتماعية لتوفير مصاريف الدروس الخصوصية. ولما سألناه عن هويته قال إنه يدعى عبد المجيد وهو يقطن بالعمران بالعاصمة.. وبين أنه لا يستطيع الكشف عن لقبه خشية أن يتفطن أحد الأساتذة إلى الأمر وهو يخاف أن يؤثر ذلك سلبيا على نتائج ابنته التي تدرس في قسم الباكالوريا رياضيات وابنه الذي يستعد لاجتياز امتحان شهادة التعليم الأساسي.. ولكن أي حل لهذه المعضلة وما العمل وكل الأولياء يدفعون المال وكلهم يشعرون بالحنق والغبن ويتذمرون ولكنهم لا يشتكون إلى الإدارة ولا يواجهون الأساتذة بل تجدهم في كثير من الأحيان يتوددون إليهم لكي يوافقون على قبول أبنائهم في تلك الدروس الخصوصية؟؟ عن هذا السؤال أجاب مخاطبنا إن وزارة التربية والتكوين هي المسؤولة عن المراقبة ويمكنها معرفة هؤلاء الأساتذة بسهولة وباستطاعتها مثلا أن تضع رقما أخضر ليبلغها الأولياء عن تجاوزات المربين وسيسهل عليها ذلك مهمة المراقبة ورفع المخالفات. ولكن هل يكفي الرقم الأخضر لوضع حد لمشكلة الدروس الخصوصية خاصة ونحن على أبواب الامتحانات؟ وهل تعد الدروس الخصوصية حاجة ضرورية وأكيدة لتأمين نجاح الأبناء؟؟ عن هذا السؤال يجيب الأخصائي في علم الاجتماع التربوي الأستاذ طارق بن الحاج محمد في دراسة جديدة عنوانها "كيف نعيش تجربة الامتحان".. وبين فيها أن الامتحان هو موضوع يهم كل الشرائح الاجتماعية والعمرية وهو حدث إذا دخل على عائلة أربكها وغير أولوياتها وأرهقها ماديا ومعنويا وغير تنظيمها للزمن والوقت وحتى عاداتها الغذائية وفيه عناء للكبير ومحنة للصغير. ولكن هل يستحق الامتحان كل هذا العناء والاستنفار؟ ولماذا يحوّل الحياة في المنزل إلى حالة من الحصار.. غلق التلفاز.. منع اللعب والترفيه.. التقليل من الزيارات العائلية والسهر إلى وقت متأخر من الليل؟؟ ويقول الباحث إن الزمن الدراسي في هذه الفترة قد يمتد أكثر من عشر ساعات في اليوم وهي تتوزع بين الدراسة في المؤسسات التربوية صباحا ومساء ودروس الدعم والدروس الخصوصية عند الزوال وبعد المساء وأحيانا في الليل.. وبهذا الشكل يتحول الامتحان الدراسي على حد قوله إلى امتحان اجتماعي ويتحول التلميذ إلى أداة من أدوات التنافس الاجتماعي بين الأولياء حيث لم نعد نسأل التلميذ النجاح وإنما التفوق والشهادات والمراتب.. وبين أن الامتحان يمثل موقفا ضاغطا ترافقه حالات نفسية وانفعالية وجسدية غير معتادة منها الأرق وقلة النوم وفقدان الشهية أثناء فترة الامتحان وحتى قبلها والصداع وآلام البطن وهو أمر عادي لأن المرء وحينما يشعر أنه موضع تقييم يرتبك ويقلق. الراحة النفسية قبل كل شيء للحد من هذه التوترات دعا الباحث العائلات التونسية لأن تتفهم المسألة وأن تدرك أن دورها الأساسي هو ليس في تقديم الدعم المادي (السخاء في العطاء المالي والدروس الخصوصية ولا في توفير موائد ملكية بل في توفير جو عائلي يتسم بالاستقرار والشعور بالطمأنينة على مدار السنة الدراسية لاستقبال فترة الامتحان بشكل طبيعي. وفي بحث آخر يقول الأخصائي في علم الاجتماع التربوي إن السنوات النهائية تكتسب أهمية بالغة سواء بالنسبة للأولياء أو التلاميذ أو إطارات الإشراف التربوي والبيداغوجي.. وتبرز هذه الأهمية من خلال بعض الظواهر والممارسات والسلوكيات التي تقترن بهذه السنوات دون سواها.. وإن ما يجعل السنة الدراسية النهائية تطبع بطابع يميزها عن غيرها هو أنها تشتغل وفق أربعة فضاءات وتصورات تتعلق بالأولياء والتلاميذ والإدارة والمدرسين. فبالنسبة للأولياء فإنهم يرون أن السنة النهائية هي مفتاح الدخول إلى التعليم الجامعي الذي يتيح لأبنائهم مكانة اجتماعية متميزة وعمل مرموق فتراهم لا يترددون في التضحية بالغالي والنفيس من أجل ضمان تفوق أبنائهم.. كما تعتبر العائلة أن نجاح أبنائها في السنوات النهائية هو مصدر فخر وتباه أمام الناس ويعكس نجاح العائلة مدى تربيتها لأبنائها وتأطيرهم. وفي هذا الإطار نجد تفسيرا لتهافت الأسر على تقديم الدعم المادي لأبنائها لاجتياز هذا الامتحان الاجتماعي بنجاح.. ويظهر ذلك في التجاء الأسر التونسية للدروس الخصوصية وكأنها المفتاح السحري للنجاح. وفيما يتعلق بالتلاميذ فإنهم يصبحون أكثر اهتماما بالدراسة ويحرصون أكثر على المواظبة وامتلاك تقنيات البحث ووسائله بالتزود بالمراجع المختلفة ومدونات التلاميذ الذين سبقوهم في اجتياز امتحان الباكالوريا وكللوا سنتهم بالنجاح.. أما الإدارة فتعتبر السنة النهائية حاسمة وتقوم باختيار أساتذة أكفاء ممن قدموا مردودية عالية.. وتوفر الوسائل والأدوات والفضاءات التعليمية الملائمة وتوزع الحصص الدراسية توزيعا جيدا وتغض النظر عن بعض الممارسات التلمذية مثل التأخير والغيابات.. ولعل هذا الاهتمام مأتاه اعتقاد الإدارة بأن شهرة المعهد وسمعته ترتبطان بنسبة الناجحين في السنوات النهائية. وبالنسبة للمدرسين فإن بعضهم يعتقد أن تكليفهم بتدريس تلاميذ السنوات النهائية مدعاة للشرف والتميز ومسؤولية تثقل كاهلهم نظرا لأنها تتطلب مزيدا من التضحية بالوقت في سبيل إعداد التلاميذ للامتحان النهائي.. وتراهم يسرعون في تقديم الدروس لإتمام البرنامج الدراسي ويقدمون حصصا إضافية ويكدسون المعلومات بكيفية تجعل التلميذ لا يستطيع التمييز بين الأساسي منها والجزئيات والتفاصيل وتظهر له أن كل المعطيات مهمة. وحينما يصطدم بعض المربين بتراجع أو ضعف مستوى تلاميذهم وخاصة في المواد الأساسية فإن ردود فعلهم تكون مختلفة وهناك منهم من يجدها فرصة ليشكك التلميذ في أداء المدرسة وفرصة مناسبة لدعوة التلاميذ لمتابعة الدروس الخصوصية خاصة وأن الأولياء يقبلون هذه الدروس ويطالبون بها أحيانا. فنجد أنفسنا أمام مدارس موازية للمدرسة الرسمية.