قبل يومين فقط عندما وقفت سيدة امريكا الاولى في العاصمة الأفغانية كابول مطالبة المجتمع الدولي بدعم الرئيس الأفغاني قرضاي وقد ارتسمت على وجهها ابتسامة عريضة وتستعرض ما تحقق لهذا البلد من انجازات.. بدا وكأن الامر لا يتعلق بأفغانستان حيث الحياة اشبه ما تكون بالعصور البدائية الا ان ما حدث بالامس جاء ليعيد الوعي المفقود الى اذهان الكثيرين ويعيد تذكير العالم بان الانتصار الذي يتحدث عنه بعض المتفائلين في أفغانستان ابعد ما يكون عن الواقع.. وان الخوف والرعب وغياب الامن والاستقرار يبقى الخبز اليومي للسواد الاعظم من ابناء هذا الشعب الذي يجهل العالم الكثير عنه... ماحدث بالامس في احد اكبر سجون قندهار جنوبأفغانستان جاء ليزيل ورقة التوت الاخيرة عن مهمة قوات الحلف الاطلسي الذي يبدو انه تحول بدوره الى رهينة تتخبط في المستنقع الأفغاني امام فشله المستمر في تغيير المشهد الأفغاني.. بما يمكن ان يمنح بعضا من امل مفقود لشعب لم يعرف طوال عقود غير الحروب وما تحمله في طياتها من قتل ودمار وخراب وتهجير.. وقد بات واضحا ان قوات الاطلسي تعيش وضعا لاتحسد عليه ووضعها هناك اشد واعقد من وضع القوات الامريكية في العراق لعدة اعتبارات استراتيجية وامنية وغيرها.. فلا هي قادرة على المغادرة ولا هي قادرة على البقاء لمواجهة وضع استعصى من قبل على البريطانيين ثم السوفيات ولم تفلح معه كل انواع السلاح والدمار وكل تقنيات الرصد والتجسس المسخرة لتعقب القاعدة هناك.. فالهجوم الانتحاري الذي استهدف في وضح النهار سجن قندهار ومكن من اطلاق سراح مئات المعتقلين من «طالبان» او غيرهم يعني شيئا واحدا وهو ان الشارع الأفغاني والمواطن الأفغاني سيكون على موعد مع مزيد العمليات الانتقامية والتفجيرات والمزيد من الضحايا والدماء و الخسائر.. وقد جاءت عملية الامس لتؤكد ان «طالبان» لم تخسر مواقعها كما يروج لذلك مسؤولو البنتاغون في واشنطن ومعهم مسؤولو الحلف الاطلسي في بروكسيل.. وبهذا الاختراق فان «طالبان» تكون قد وجهت لسلطات كابول المتحصنة في مواقعها رسالة واضحة بأن يدها قادرة على الوصول الى ما يعتقد انها اكثر الاماكن حراسة في أفغانستان.. ولا شك ان في اختيار توقيت وموقع العملية ما يؤكد حرص المخططين والمنفذين على توجيه صفعة حادة لم يكن الرئيس الامريكي الغارق في تفاؤله يتوقعها في مثل هذه المرحلة.. لا سيما بعد تلك الجولة التبشيرية التي تولت زوجته لورا بوش القيام بها نيابة عنه خلال زيارتها المفاجئة الى كابول للمطالبة بدعم الرئيس الأفغاني قرضاي قبل ان تطير معه الى باريس لحضور اشغال مؤتمر اعادة اعمار أفغانستان... بعد سبع سنوات على الحرب المعلنة على الارهاب ومثلها على سقوط حركة «طالبان» لا يبدو المشهد الأفغاني يتجه نحو الانفراج والامر لا يتوقف عند حدود الهجمات المتكررة للمسلحين الذين وجدوا في الجبال والمغاور الأفغانية ملجأ لهم ووجدوا في الحدود الأفغانية الباكستانية المستعصية على قوات الاطلسي منفذا لتعزيز امكاناتهم وقدراتهم العسكرية.. بل الامر يمتد الى دور قوات الاطلسي وهي المتكونة في اغلبها من قوات امريكية منتشرة في مواقع محددة من أفغانستان تعيش في بناءات خاصة بعيدا كل البعد عن نمط الحياة البدائية لاغلب الأفغان الغارقين في براثن الفقر والخصاصة والحاجة.. باستثناء تلك الفئة من امراء الحرب الذين حولوا مزارع البلاد الى حقول للافيون يتمعشون منها ويقتسمون ثرواتها تحت اعين قوات الحلف الاطلسي والقوات الأفغانية التي غالبا ما توفر لهم الغطاء لحماية مزارع السموم التي حرمت الأفغان من فرصة الاستفادة من خيرات اراضيهم ومنعت آلاف اللاجئين من العودة الى بيوتهم.. ولعل ما يمكن ان يعكس الفشل المسجل في أفغانستان ما بلغته درجة الفساد الحكومي الذي حرم الأفغان من الاستفادة من المساعدات الدولية التي غالبا ما تعود الى الحسابات الخاصة لكبار المسؤولين والمشرفين على برامج الاممالمتحدة للبناء والاعمار.. دون اعتبار لتلك التي تذهب لفائدة المسؤولين الاجانب الذين ياخذون بشمالهم ما يقدمونه بيمينهم بسبب العقود التي يحصلون عليها والمنح الخاصة التي تسند لهم لقاء قبول العمل في أفغانستان.. اخيرا وليس آخرا فلعل في تكرار الاخطاء المرتكبة من جانب القوات الامريكية وهي بالتاكيد تفقد صفة الخطا عندما تتكرر فان في استهداف المدنيين وقصفهم مرة بعد مرة بدعوى مطارة الارهابيين ما يضفي المزيد من الاسباب عن فشل المهمة المعلنة في أفغانستان...