مجلس شورى حركة «النّهضة» في دورته السّادسة عشرة المنعقد بتاريخ السّبت 14 أكتوبر الجاري انتهى وبأغلبيّة مريحة من الأصوات الى قرار يقضي بعدم تقديم مرشّح نهضاوي للمنافسة على المقعد النّيابي عن دائرة ألمانيا في الانتخابات البرلمانيّة الجزئيّة الّتي ستنتظم بتاريخ 15 و16 و17 ديسمبر القادم.. ماذا يعني سياسيّا هذا القرار.. وما هي دواعيه الموضوعيّة المعلن منها والخفيّ ؟ قبل محاولة الاجابة عن هذا السّؤال دعونا نبدأ «الحكاية» من أوّلها. مقعد «ندائي» من بين الحجج الّتي استند اليها الفريق الأغلبي من أعضاء مجلس شورى حركة النّهضة في اجتماع يوم السّبت الماضي من أولئك الّذين انتصروا للرّأي القائل بعدم تقديم مرشّح للحركة في انتخابات دائرة ألمانيا وبالتّالي فسح المجال واسعا للمرشّح «النّدائي» كائنا من كان حتّى تتوفّر له كامل الحظوظ للفوز أنّ «كتلة حركة النّهضة هي اليوم الكتلة الأكبر عدديّا في البرلمان.. وأنّها ليست بحاجة لمقعد اضافي» و»أنّ الأولويّة هي لتعزيز قواعد وآليّات التّنسيق مع «الشّريك» الأوّل في الحكم (حزب نداء تونس) من أجل المضيّ قدما بمسار التّوافق السّياسي لمجابهة مختلف التّحدّيات الاقتصاديّة والاجتماعيّة وغيرها..» هذا فضلا والكلام دائما لهم عن أنّ المقعد النّيابي الشّاغر الّذي سيتمّ التّنافس عليه في دائرة ألمانيا هو في الأصل مقعد «ندائي» يجب أن يعود لأصحابه الأصليّين على اعتبار أنّ الّذي كان يشغله قبل حدوث الشّغور هو النّائب حاتم الفرجاني من كتلة «نداء تونس» وذلك قبل أن يتمّ تعيينه كاتبا للدّولة في حكومة يوسف الشّاهد الثّانية..». للحكاية وجه آخر ! هذا الرّأي هو «ظاهر» الحكاية في الواقع على اعتبار أنّ «باطنها» هو أمر آخر «أجلّ» و»أخطر» سياسيّا كما يعتقد بعض المتابعين.. فالمقعد البرلماني الشّاغر في دائرة ألمانيا الّذي ستجرى بخصوصه انتخابات تشريعيّة جزئيّة بتاريخ 15 و16 و17 ديسمبر القادم سيكون حسب هؤلاء بمثابة «المدخل» للمدير التّنفيذي لحزب «نداء تونس» حافظ قائد السّبسي للوصول الى عضويّة البرلمان في مرحلة أولى ثمّ الى منصب رئاسة مجلس نوّاب الشّعب في مرحلة لاحقة ومن ثمّ «الصّعود» دستوريّا الى منصب رئيس الدّولة بمجرّد حصول شغور طارئ في منصب رئيس الجمهوريّة.. فيكون من ثمّ «التّوريث» الّذي حذّرت منه ولا تزال بعض الأطراف السّياسيّة وتقول أنّ هناك «نيّة» لدى بعض «الدّوائر» لتكريسه (التّوريث) ولو بشكل من الأشكال يترشّح.. لن يترشّح.. رئيس كتلة «النّداء» في مجلس نوّاب الشّعب سفيان طوبال نفى أمس الثّلاثاء من خلال تصريح لإحدى الاذاعات الخاصّة أن يكون السيّد حافظ قائد السّبسي ينوي التّرشّح لعضويّة البرلمان عن دائرة ألمانيا في الانتخابات التّشريعيّة الجزئيّة الّتي ستجري بتاريخ 15 و16 و17 ديسمبر القادم وبالتّالي فانّ كلّ ما يروّج حول «سيناريو» التّوريث المزعوم هو مجرّد هراء ولا أساس له من الصحّة.. فيما لا تزال بعض «الأطراف» المعارضة تصرّ على أنّ «المشروع» أو «هاجس» التّوريث قائم وحقيقي وأنّ قرار مجلس شورى حركة النّهضة بعدم تقديم مرشّح نهضاوي لانتخابات دائرة ألمانيا ما هو الاّ «مقدّمة» و»توطئة» و»تواطؤ» من أجل تكريس هكذا «مشروع» سياسي فضائحي بكلّ المقاييس.. «النّهضة غير معنيّة» ولكن هل يمكن أن تقبل «النّهضة» بهكذا «مشروع»؟ وبهكذا «صفقة» سياسيّة تبدو وبكلّ المقاييس فضائحيّة؟ الأرجح أنّ مجلس شورى حركة النّهضة وهو يعلن في البيان الصّادر في ختام اجتماعه بتاريخ السّبت 15 أكتوبر الجاري أنّ «الحركة غير معنيّة بالمنافسة على مقعد دائرة ألمانيا» انّما انطلق في ذلك من «اعتبارات» و»حسابات» أخرى لا يمكن في اعتقادنا أن ترتقي في خطورتها الى مستوى القبول بصفقة هي بمثابة جريمة وعبث سياسي أحمق بالمنجز الدّيمقراطي.. «صفقة» جوهرها «التّمكين» ولو بشكل من الأشكال لحملة هاجس التّوريث بأن «ينجزوا» مشروعهم.. الاعتبارات الّتي يمكن أن تكون «النّهضة» قد أسّست عليها موقفها المعلن والقاضي بفسح المجال للشّريك «النّدائي» لكي يفوز بمقعد دائرة ألمانيا في الانتخابات الجزئيّة النّيابيّة الّتي ستجري بتاريخ 15 و16 و17 ديسمبر القادم بعيدا عن أيّ منافسة جديّة نقدّر أنّ بعضها (الاعتبارات) هاجسه وطني عامّ وبعضها الآخر هاجسه حزبي مصلحي.. أمّا ما هو وطني عامّ فمردّه حرص الحركة المعلن على المضيّ قدما بمسار التّوافق السّياسي مع الشّريك «النّدائي» لما فيه مصلحة بناء الدّولة التّونسيّة الجديدة النّامية والآمنة والدّيمقراطيّة بعيدا عن أيّة اهتزازات أو أزمات سياسيّة. أمّا ما هو مصلحة حزبيّة «نهضويّة» فمردّه منطق «حسابات الرّبح والخسارة» اذ ومن خلال هكذا قرا ر فانّ حركة النّهضة لن تكون في الواقع قد «خسرت» شيئا يذكر اذا ما استثنينا ربّما غضب بعض قواعدها الّذين هم خزّانها الانتخابي.. في حين أنّها وبقرار امتناعها عن منافسة شريكها السّياسي الكبير وبطلب منه (حزب نداء تونس) في الانتخابات التّشريعيّة الجزئيّة بدائرة ألمانيا تكون قد عمّقت ثقته فيها وفي الشّراكة السّياسيّة معها بمقابل يكاد يكون زهيدا يتمثّل في «تنازلها» طوعا عن مقعد برلماني لا تبدو في حاجة أكيدة له.. فقط من خلال حركة رمزيّة هي أقرب ما تكون الى عمليّة بيع لجلد الدّب قبل صيده ليس الاّ .