بنزرت: رفع حوالي 1000 طنّ من الفضلات خلال أيام عيد الأضحى    صحيفة: الشرطة الفرنسية تستعد لاضطرابات بسبب الانتخابات البرلمانية    سليانة: عرض إستراتيجية الديوان الوطني للأعلاف    حركية كبيرة بمعبر ذهيبة وازن الحدودي    الدورة ال55 لمهرجان الساف بالهوارية ايام 21 و22و23 جوان 2024 (فيديو)    وزارة الخارجية تعلن وفاة 35 حاجّا تونسيا في البقاع المقدّسة    تطبيقة ء-هوية "E-Houwiya" الجديدة متاحة على "AppStore"    وزير الشّؤون الدّينية يرافق الحجيج في رمي الجمرات    خبراء المناخ يتوقعون صيفا ساخنا وتسجيل معدلات حرارة قياسية    قفصة: تقديرات بإنتاج 2000 طن من الفستق خلال الموسم الحالي    بنزرت: وفاة فتاتين غرقا بشاطئ الميناء بغار الملح    عاجل/ كهل يضرم النار في جسده وسط مقبرة بهذه الجهة..    صفاقس تعرّض سيدة إلى حروق درجة ثانية إثر محاولتها إخماد حريق بقارورة غاز منزلي    قابس: رفع كل الفواضل المنزلية المتراكمة يومي عيد الاضحى والمقدرة بحوالي 739 طنا    الفيلم التونسي"المابين" يفوز بالجائزة الكبرى لمهرجان جنيف الدولي للأفلام الشرقية    المنستير: تقدّم تنظيف شواطئ الجهة بنسبة 33 بالمئة    وزير الشؤون الدينية يرافق الحجّاج في رمي جمرات أيّام التّشريق    تزيد العطش.. مشروبات عليك تجنّبها في الطقس الحار    وزارة الخارجية تنعى سفير تونس الأسبق بأندونسيا    مصدر بقنصلية تونس بجدة : وفاة 23 حاجا تونسيا بالبقاع المقدسة    البنك المركزي: تراجع طفيف في سعر صرف الدينار التونسي مقابل الدولار والأورو    وفاة الإعلامي والناقد السينمائي خميّس الخياطي    الحجاج يختتمون الفريضة برمي الجمرات وطواف الوداع    نائب بالبرلمان : سنسائل بصفة عاجلة كل المعنيين حول فقدان الحجيج    عاجل/ "الفيفا" يوقف هذا اللاعب عن النشاط لمدة ستة أشهر..    إنطلاق الموسم الرياضي الجديد وموعد سوق الإنتقالات    مواطنون يشتكون من '' الوضعية المزرية '' لقطار تونس بنزرت    لجنة مكافحة الإرهاب تعلن عن إطلاق حملة للتعريف باستراتيجية مكافحة التطرف العنيف    الرابطة الأولى: رهان المقاعد الإفريقية يلقي بظلاله على الجولة الختامية لمرحلة التتويج    راضي الجعايدي يغادر فريقه سيركل بروج البلجيكي    دعما للنمو: ضخ 330 مليون دينار لدعم تدويل المؤسسات في الفضاء المغاربي    إصلاح الأعطاب و إرجاع التيار الكهربائي إلى هذه المنطقة    خطير/ 3 حرائق في يوم واحد بهذه الولاية..    الرابطة الأولى: ملعبا الشاذلي زويتن وأولمبي سوسة يحتضنان ملحقي تفادي النزول والصعود    مانشستر سيتي يبدأ دفاعه عن لقب البطولة الإنقليزية في ملعب تشيلسي    حوادث: 6 حالات وفاة خلال 24 ساعة..    رئيس البعثة الصحية يؤكد التعهد بالمرضى وحالات الضياع لكل الحجيج التونسيين حتى من خارج المنظومة    زلزال بقوة 5.5 درجات يضرب هذه المنطقة..    إصدار أغنية جديدة : ريمكس عربي لأغنية Attraction ل Ramy Sabry و ETOLUBOV    عاجل/ تفاصيل جديدة عن وفاة "الأنستغراموز" فرح بالقاضي..    9 ضحايا في حريق الع في مستشفى بإيران    مستقبل سليمان: المطالبة باعتماد تقنية الفار .. وتعيين مباراة الباراج خارج اقليم تونس وولاية نابل    %60 نسبة سداد الدين الخارجي.. تونس توفي بالتزاماتها تجاه الدائنين    تفاديا للكثافة المروريّة بالمدخل الجنوبي للعاصمة.. وزارة الداخلية توضح    تصريح أثار جدلاً.. بسام كوسا يسخر من فيديو فاضح لممثلة سورية    وزارة الصحة: بوابة إيفاكس ستشمل كل التلاقيح وستُمكّن المواطنين من الحصول على دفاتر علاج رقمية    توصيات وزارة الصحة لمجابهة ارتفاع درجات الحرارة    الاتحاد الفرنسي: مبابي يعاني من كسر في أنفه وسيرتدي قناعا    مقتل 10 مهاجرين بعد غرق قارب في البحر المتوسط    شهداء ومصابون إثر قصف الاحتلال الصهيوني لمخيم "النصيرات" وسط قطاع غزة..#خبر_عاجل    طقس الثلاثاء: درجات الحرارة تتراوح بين 34 و45 درجة مع ظهور الشهيلي    عدنان الشواشي : المنوّعات صنعت في وقت قياسيّ وغفلة ذوقيّة فيالق من أشباه "النّجوم" و"النّجيمات"    مدخرات تونس من العملة الصعبة تقدر ب107 ايام توريد منتصف جوان 2024    المرصد الوطني للفلاحة: نسبة امتلاء السدود لم تتجاوز 31،5 بالمائة الى غاية يوم 14 جوان 2024    وفاة الأنستغراموز فرح القاضي    نصائح وتوصيات وزارة الصحة لمجابهة موجة الحرارة    إستخدام الأواني المصنوعة من مادة البلاستيك يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة    حجاج بيت الله الحرام يستقبلون أول أيام التشريق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القاضي في خضم الجدل العمومي حول التحرش
نشر في الصباح يوم 24 - 10 - 2017

أتابع هذه الأيام الجدل الدائر حول قضية الأستاذ الجامعي الذي اتهم من قبل عدد من الطالبات بممارسات التحرش الجنسي الذي تحوّل إلى حملتين متضادتين. حملة مناصرة للأستاذ على اعتبار أن المسألة تتعلق بمؤامرة حيكت ضده بسبب آرائه من موضوع المساواة في الإرث وقضية زواج المسلمة بغير المسلم. وحملة تشهير به وإدانة له ومساندة للطالبات لتشجيعهن على كسر جدار الصمت لكشف ممارسات التحرش والتصدي لها كممارسات بشعة صعبة الاثبات وذات كلفة باهظة في المجتمع بالنسبة لمن تثرنها من النساء خاصة ان لم تنته بكشف للحقيقة وإدانة لمرتكبيها كل ذلك في خضم حملة دولية أوسع ضد جرائم التحرّش الجنسي.
الأكيد أن جريمة التحرش الجنسي هي من أفظع الجرائم المنتهكة لجسد المرأة وكرامتها. وهي من أكثر الجرائم تعقيدا وصعوبة في الاثبات لأن أكثر مرتكبيها هم من أصحاب السلطة المادية او المعنوية او القانونية على المعتدى عليهن وممن يتبوؤون أعلى المسؤوليات والذين يتحصّنون بحكم مواقعهم بالسلطة والنفوذ والعلاقات عبر الأجهزة والمؤسسات للإفلات من العقاب. ويمكن أن نتذكّر هنا معا قضية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون والمتربصة في مكتبه مونيكا لونسكي والذي لم تعصمه رفعة منصبه من التحرش رغم انكاره الحقيقة أولا وعدم اعترافه بها ثم اقراره واعتذاره حين ضاقت به السبل أمام اللجنة التحقيق الشهيرة التي تشكلت بالكنغرس لكشف الحقيقة لخطورة التعتيم على هذه الأفعال على نزاهة المؤسسات والثقة العامة فيها في دولة القانون . وقضية المدير العام السابق لصندوق النقد الدولي دومنيك ستروس-كان مع خادمة الفندق وقضايا المخرج الشهير رامان بولنسكي المتهم في قضايا تحرش واغتصاب.. كما أتذكر هنا قضايا إسناد اللقب للأطفال الذين يولدون خارج العلاقة الزوجية التي باشرت شخصيا العديد منها في نطاق قضاء الأسرة والتي يكون الطفل فيها في عديد الحالات نتيجة علاقة تحرش وفرض علاقات جنسية من مسؤولين كبار في الإدارة ومؤسسات الدولة أو الشركات على العاملات ذوات الأوضاع الهشة والصعبة وهؤلاء يتحصّنون بمواقعهم حتى لا يخضعوا للتحليل الجيني المثبت للأبوة البيولوجية للتفصي من مسؤولية الطفل والأم في حين يخضع لذلك التحليل القاطع في الاثبات الأب العامل البسيط أو العاطل عن العمل.
ما دفعني لكتابة هذه الأسطر هو محاولة ملامسة التفكير حول تناولنا نحن القضاة في نطاق حقنا في التعبير وإبداء الرأي وواجب الحياد المحمول علينا لشتى القضايا المجتمعية والتي تقترن أو قد تقترن بتتبعات تتعهّد بها المحاكم.
إن حياد القاضي هو ضمانة للمتقاضي سواء كان شاكيا أو مشتكى به في محاكمة عادلة في نطاق المساواة أمام القاضي الذي سيباشر الدعوى بالتتبع أو التحقيق أو الحكم والذي يمكن أن يكون نظريا أي واحد من بيننا نحن القضاة أو أن يكون قاضيا من قضاة المحكمة التي ستتعهّد بالشكايات المترتبة على إثارة هذه القضية فلا يجب بهذا المعنى أن يتدخل بأي شكل من الأشكال المباشرة أو غير المباشرة )عبر الانخراط في حملات الفايسبوك مثلا( للتأثير والضغط على زملائه المتعهّدين. فمبدأ المساواة أمام العدالة لا يتحقق كما لا تحقق المحاكمة العادلة إذا سبق للقاضي أن أظهر رأيا متحيّزا لأحد أطراف الدعوى أو ضده . فضمانة الحياد الذاتي للقاضي في نظر الدعوى طبق المواثيق الدولية ذات الصلة تقتضي أن يكون على مسافة من كل الأطراف من دون أي فكرة أو نظرة مسبقة أو انحياز الى أحد من أطراف النزاع. فمن واجب القاضي بالتالي طبق نفس المعايير الدولية أن يكون منزّها عن التعصب الفكري أو الديني أو العرقي أو السياسي أو القطاعي أو الجهوي أو أي نوع من أنواع التعصب والميل. كما أنه في تعليق القاضي في نطاق ممارسة حقه في التعبير من المتعيّن أن تقوده أيضا هذه المبادئ الأساسية ذات التأثير المباشر على حياد السلطة القضائية واستقلالها ونزهاتها.
ومن هذا المنطلق فإنه من حقّنا نحن القضاة المشاركة في النقاش العام حول موضوع التحرش الجنسي وسبل التصدّي له كظاهرة سلوكية وإجرامية وذلك في جوانبها القانونية والقضائية والاجتماعية والسياسية وفي مساسها بالثقة العامة في المؤسسات وإضرارها بمصائر الضحايا وما قد تطرحه من توظيفات.
ولكنه من غير الملائم لنا كقضاة الانخراط في حملات التنزيه المسبق واللامشروط لمن نسب اليه ارتكاب التحرّش لمجرد الصفة أو الموقع العلمي أو المهني أو الاجتماعي أو لصلات سابقة في نطاق علاقة الطالب بالأستاذ أو للاتفاق الفكري معه في مسألة المساواة في الإرث وزواج المسلمة بغير المسلم كما أنه من غير المناسب لنا تبنّي حملات التشهير والإدانة القبلية الجازمة دون أي تحقيقات في الغرض. فلتأخذ العدالة مجراها في الموضوع ولتظهر الحقيقة كل الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة حول هذه الاتهامات الخطيرة ولتحمّل المسؤوليات إن ثبتت بالتحقيقات والأحكام. ولتكن العدالة ناجزة بأحكام قاطعة في الآجال المعقولة بتجرّد وحياد سواء اتفق من سينظر الدعوى مع الأستاذ في آرائه السياسية والفقهية أو اختلف معه فيها. وليأخذ الملف سيرا عاديا ولا يرقد في الرفوف فتتنكر بذلك العدالة لوظيفتها وتغيب الحقيقة فتجد المحاكمات الإعلامية لطرفي هذه القضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام مبررات قوية لها.
هذه وجهة نظر أردت بسطها من خلال هذه الورقة لأن الموضوع يستحق التفكير حول دورنا وموقعنا كقضاة في مجتمع منفتح نمارس فيه حقّنا الدستوري في حرية التعبير دون الاخلال بواجب حيادنا بتجنّب إظهار الانحياز مع أو ضد أية جهة كانت و بأية خلفية كانت.
(*) رئيسة جمعية القضاة التونسيين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.