مازالت كلمات وزير التربية السابق ناجي جلول ترن في اذن التونسيين حول المخطط الاستراتيجي التربوي (2016 – 2020) الذي يشتمل وفق تصريحاته على مجموعة من الاجراءات الاصلاحية (قيل انها تبلغ 350 اجراء تستهدف التلاميذ والمشرفين على الاطار التربوي) اتفق عليها خلال الحوار الوطني لإصلاح المنظومة التربوية المنعقد في افريل 2015. من بين تلك الاجراءات ما يتعلق بالزمن المدرسي الذي قطع مع نظام الثلاثي المعتمد منذ الاستقلال ليحل محله نظام السداسي وهو نظام اربك التلاميذ وجعلهم غير قادرين على ملاحقة الكم الهائل من الدروس حفظا وتحصيلا. ولعل التململ الذي لمسناه لدى بعض الأولياء وتلاميذ الابتدائي خاصة منذ ايام لدليل على ان النهج المتبع قد يفاقم من تدني مستوى وجودة التعليم في بلد يرنو –نظريا– الى اصلاح المنظومة التربوية لكن – تطبيقيا – نراه يجرّنا الى الخلف من ذلك ان برمجة عطلة بأسبوعين قبل اجراء امتحانات السداسي الاول راى فيه الكثير من الأولياء ظلما لأبنائهم الذين لم يستمتعوا بالعطلة كما في السابق بل اضطروا الى امضاء معظمها في المراجعة والحال ان العطلة لها تأثير كبير ومهم على الصحة النفسية والعقلية والجسدية للتلميذ وهي مناسبة لشحن طاقته من جديد.. غير اننا بهذا النظام حرمنا التلميذ من حقه في الترفيه وحملناه –مكرها – على تمضية عطلته بين الكتب والكراسات. نحن مع كل اصلاح ينفع انباءنا ويساهم في تعزيز قدرتهم على التحصيل العلمي ولكننا ضد اجراءات مسقطة تجعل من المنظومة التربوية حقلا للتجارب ومن التلاميذ فئران تجارب. نحن مع كل اصلاح ينبع من واقعنا وضد كل تجارب مستعارة وحلول جاهزة تُرفض ولا تنجح بل تزيد من تراجع مستوى التلاميذ الآخذ في التدهور سنة بعد أخرى نظرا لتراكم المواد الدراسية وعدم قدرة التلميذ على ايجاد الوقت الكافي لاستذكار ومراجعه كل مادة. بالعودة الى بحث اجراه جمع من علماء النفس لدراسة مدى قدرة ذاكرة التلميذ على الاحتفاظ بما درسه (البحث متعلق بمادة واحدة فقط) وردت النتائج كالآتي: 1- بعد القراءة مباشره يتذكر الطالب 55% مما قرأه. 2- بعد مرور يوم يتذكر الطالب 30% مما قرأه. 3- بعد مرور أسبوع يتذكر الطالب 20%مما قرأه. 4 - بعد مرور أسبوعين يتذكر الطالب 15% مما قرأه. 5- بعد مرور 30 يوما يتذكر الطالب 10%مما قرأه. فإذا كان التلميذ يدرس أكثر من مادة فكيف يمكن لذاكرته أن تخزّن الكم الهائل من المعلومات وأن ينجح في توظيفها خلال الامتحانات على النحو الذي يمكنه من الحصول على علامات جيّدة. ان الاصلاح التربوي لا يرتبط فقط بتغيير الزمن المدرسي او بتطوير الأبنية او بالحديث عن الرفع من نسبة التمدرس ومحاصرة التسرّب انما هو تخطيط محكم وفلسفة تربوية تهدف الى اصلاح ما قوّضته السنوات السابقة التي جرّدت الفعل التربوي من محتواه وجعلت من التلاميذ ضحايا لعبة سياسية عادت بالوبال على السواد الأعظم منهم.