بعد أن بلغت أسعار برميل النفط في السوق العالمية أعلى مستوى لها في عامين ونصف العام خلال ديسمبر الماضي، فان سعر النفط سنة 2018 سيتراوح بين 40 و60 دولارا للبرميل الواحد حسب وكالة «موديز إنفستورز سيرفيس» مع إمكانية التقلب بفعل مزيج من زيادة الإنتاج الصخري الأمريكي وانخفاض الإمدادات العالمية وعدم الامتثال المحتمل بتخفيضات الإنتاج المتفق عليها. ومن المتوقع أن تبقى أسعار الخام بالقرب من 60 دولارا للبرميل في 2018 إذا ما نجحت جهود منظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبك» وروسيا لتقليص إمدادات النفط والتوقعات بنمو قوي للطلب العالمي. وضع سوق النفط العالمي، ستكون له بالتأكيد تأثيرات كبيرة على تونس وخاصة على ميزانية 2018 التي اعتمدت سعر برميل النفط في حدود 54 دولارا، وهو ما يعني أن كل حسابات الموازنة ستسقط في الماء في الأيام القادمة أي منذ بداية السنة المالية ومنذ بداية العمل بقانون المالية الجديد باعتبار أن كل زيادة بدولار واحد في سعر برميل النفط عالميا تنعكس مباشرة وبنحو 100 مليون دينار تونسي إضافية على خزينة الدولة. وما الزيادة الأخيرة في أسعار المحروقات في تونس والتي من المؤكد أن تعقبها زيادات أخرى هذا العام إلا محاولة للحد من تأثيرات الزيادة في أسعار برميل النفط في الأسواق العالمية على ميزانية الدولة والحد من الدعم المباشر من الحكومة لأسعار المحروقات والذي بلغ سنة 2007 ما يزيد عن 1500 مليون دينار من بين 3500 مليون دينار ميزانية الدعم ككل. ارتفاع سعر برميل النفط في السوق العالمية، سيكون له تأثير مباشر على التوازنات المالية وعلى المسار التنموي باعتبار أنّ تونس تورّد جزءا هامّا من المواد البترولية لتسديد حاجياتها. فقد بلغ معدل الإنتاج التونسي من النفط خلال سنة 2017 نحو 44.3 ألف برميل في اليوم بعد أن كان هذا الرقم في حدود 120 ألف برميل في ثمانينات القرن الماضي ليمرّ إلى 75 ألف برميل في التسعينات. رقم 44.3 ألف برميل في اليوم حاليا مع تراجع الإنتاج المحلي إلى 23 ألف برميل زمن أزمة الكامور مقابل طلب محلّي يفوق 94 ألف برميل يوميا، يعني عجزا طاقيا هاما يفوق الضعف. وإذا تواصل هذا التباين بين الموارد الطّاقية والاستهلاك الّذي ينمو بمعدّل 4 % سنويّا فإنّ عجز ميزان الطّاقة قد تكون له نتائج كارثية في السنوات القادمة. وبالعودة إلى تداعيات ارتفاع الأسعار العالمية للمحروقات التقليدية والغاز في السوق العالمية، فان تجاوزها لن يكون إلا عبر استعادة نسق الإنتاج السابق، وذلك في حدود 50 ألف برميل يوميا على الأقل وهذا لن يتحقق إلا باستعادة الشركات البترولية لنشاطها العادي وتمكين شركات جديدة من رخص تنقيب واستكشاف وخاصة انطلاق مشروع نوارة للغاز بالجنوب الذي ساهم تأخره في خسارة خزينة الدولة موارد بقيمة 472 مليون دينار.