لا يختلف اثنان في أن تونس تحتاج إلى إصلاحات جريئة لتفادي حزمة الأزمات التي تمر بها، وهذه الإصلاحات ينبغي أن تنبع من إرادة ورغبة حقيقية في تقويم ما اعوج على مدى عقود، وعندما نتحدث عن الإصلاح فلا نعني به مطلقا رُزم الوعود التي اعتدنا سماعها مع كل إطلالة لمسؤول أو في أعقاب كل هزة اجتماعية. منذ مدة والأصوات تنادي بوجوب الإصلاح الذي غدا مطلبا داخليا واستحقاقا ملحا نابعا من رغبة الناس في تغيير حقيقي يؤدي إلى زوال الفساد السياسي والإداري والمالي وكل ما يعيق توزيع الثروة بشكل عادل بين أبناء الوطن ولا يسقط الحق من موازين العدل. إن عملية الإصلاح لا تكون بيّنة إلا متى انقلبت إلى واقع تراه العيون وتشهد عليه الأبصار وهذا يقودنا إلى القول بأن من أهم دعائم الرغبة في الإصلاح الشفافية والمصارحة وتشريك المواطن في القرارات التي تهم حياته وترتبط بحاضره ومستقبله ومتى انتفت هذه الدعامة ينتفي معها الحديث عن الديمقراطية والعدالة. إن الشفافية ليست ترديدا ببغائيا لشعارات ولا هي حالة سياسية بقدر ما هي قيمة وثقافة يجب أن تلامس جميع جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والإدارية فكما الإجراءات والقرارات مطلوبة فان الوضوح مطلوب أيضا حتى لا ننزلق في متاهة التخوين ونستمع إلى معزوفة المحاباة والموالاة والمحاصصة وانعدام الثقة ولعل الاحتجاجات التي شهدتها مؤخرا منطقة الحوض المنجمي عقب الصدور» الليلي» لنتائج مناظرة فسفاط قفصة وسواها من المناظرات والتعيينات و»تحويل وجهة» مشاريع من جهات إلى جهات أخرى اكبر مثال على ذلك. ولا يمكن الحديث عن الشفافية دون الخوض في مسألة الفساد والحفاظ على المال العام وأيضا الأمن العام فليس مهما أن تقود حربا على المفسدين في الوطن وان توسّع في رقعة الإيقافات دون أن يعلم المواطن مدى نوع وحجم الفساد الذي اقترفوه في حق البلاد والعباد. إن الرغبة في الإصلاح والنجاح لا تعكسها عدد الوزراء ولا عدد المديرين ولا المسؤولين بقدر ما هو معقود بناصية من يعمل لمصلحة الوطن والمواطن في إطار من الوضوح وتحمّل المسؤولية كاملة في مصارحة المواطن بوصفه شريكا في الوطن ذلك انه في النظم الديمقراطية لا بد أن تتوفر الشفافية بين المواطن والدولة... بين مطالبة المواطن بحقوقه في إطار سلمي ومنظم وقدرة الدولة على تأمين متطلباته وأيضا بين تأدية المواطن لواجبه على مستوى الإنتاج وتحفيز الدولة له بإيفائه حقه كاملا وعدم تحميله مسؤولية سقطات لا ناقة ولا جمل له فيها. وحتى نجنّب بلادنا مزيدا من تأزيم المؤزم علينا أن نعتبر مما يدرّس في مناهجنا التعليمية حول الأوساط... ولنتذكّر أن زيادة «سُمك» الصمت يحوّل الوسط من شفاف إلى شاف فعاتم.