مرت سنتان على ملحمة بن قردان التي أشرت لانهيار تنظيم»داعش» الإرهابي في أكثر من منطقة عربية بهزمه وضرب معنوياته وإفشال آخر محاولة له للسيطرة على مدينة عربية بطريقة مباغتة مثلما كان الشأن مع مدن عراقية وسورية وليبية، وكان كل ذلك بفضل الوقفة الحازمة لأهالي بن قردان وبسالة رجال المؤسستين الأمنية والعسكرية دفاعا عن حرمة الأرض التونسية. ولئن يرى الكثيرون في الملحمة درسا متعدد الأبعاد وحافزا على تجسيد مفهوم حب الوطن والذود عنه، فإن ما حصل في بن قردان كان بمثابة أول البنود في ما يفترض أن يكون خارطة طريق من أجل أن تظل تونس متماسكة ومتضامنة في مواجهة جملة التحديات والصعوبات والأزمات. ومن سوء الحظ أن الأوضاع في البلاد ظلت على حالها بما لا يتماشى مع التضحيات، فأين نحن مما قدمه الشهداء، وأين نحن من الشهيدة سارة الموثق التي ترفرف صورتها في ذاكرتنا ونتقاعس في العمل من أجل أن تقف البلاد، حقا، على أقدامها كل حسب مقدرته وحدود جهوده وإمكانياته؟ ولعل البداية بالوضع التنموي في بن قردان خير دليل على أننا، إجمالا، لم نحقق ما نطمح إليه قبل الخوض في الوضع الاقتصادي والاجتماعي بالبلاد حيث المنحى السلبي في تصاعد مستمر بالنسبة لجميع المؤشرات ذات العلاقة بالمسائل المالية والاقتصادية والتنمية وغلاء المعيشة. ورغم أهمية موقع بن قردان وحساسيته مازالت الجهة تنتظر تنمية حقيقية تحفظ كرامة المواطنين وتضمن الاستقرار وتدخلها في النسيج الاقتصادي حماية للاقتصاد نفسه وللوضع المالي وبالتالي فإن الاكتفاء بالإشادة بالملحمة وبوطنية وشجاعة أبناء بن قردان يبقى مجرد اعتراف بالجميل لكن يتعين تجسيد هذا الاعتراف على الميدان. نخشى أن تمر السنوات ونحن نحيي ذكرى ملحمة بن قردان والأوضاع على حالها بدل استفاقة جميع القوى الحية، أو ما تبقى منها، من أجل الانكباب الجدي على العمل والإنتاج والإصلاح الجذري والنهوض بالإنسان التونسي. رحم الله شهداء الملحمة، رحم الله الشهيدة الأيقونة سارة الموثق في وقت ينتحر فيه أطفال يأسا أو إهمالا أو يجرهم آباؤهم إلى»الحرقان».. لا بد أن يخجل العابثون بمقدرات البلاد والمتلاعبون بمصير الشعب من سارة الموثق ومن بقية شهداء تونس!