الملاحظ لأخبار البلد وما وصل اليه حال البلد ينتهي الى مسلمات بأننا بتنا نعيش اليوم مع اطراف ماضية في انتهاج مذهب ليّ الذراع والاستقواء على مسؤولي الدولة والعبث بتقاليد الدولة وقوانين الدولة وهيبة الدولة. ومن المؤكد ان سياسة الاستقواء ما كانت لتنجح لولا سياسة المسؤولين الذين يتبنون الصمت حيال بعض القضايا ويتراخون في حل بعض الاشكاليات ويضعفون امام بعض»الهزات» فيسحبون قراراتهم بعد اعلانها فاسحين المجال امام فئة من اللاهثين خلف المطالب للتصعيد ولاملاء شروطهم على مسؤولي دولة يفترض ان يكونوا حازمين في اتخاذ القرارات وفي تطبيق القوانين التي من المفترض ان تكون فوق الجميع والا فما نفعها وما جدواها. ولعل اكبر قضية تشغل الراي العام هذه الايام هي»الحرب» بين نقابة التعليم الثانوي ووزارة التربية ووقودها تلاميذ حرموا من تقييم مجهودهم واولياء يتملكهم الخوف على مصير ابنائهم ومصير مئات الدنانير التي انفقوها مع بداية السنة الدراسية من اجل توفير مستلزمات التعلّم لهم، وبين هذا وذاك اساتذة ممزقون بين ما يطالبون به من حقوق وبين ما يقتضيه الواجب والرسالة التربوية المناطة بعهدتهم. ان هذه القضية الشائكة التي تملأ الدنيا وتشغل الناس لا يمكن ان تحلّ بالتصريحات والتصريحات المضادة ولا بالتهديد والوعيد، لذا المطلوب من رئاسة الحكومة ان لا تقف موقف المتفرج وان تتدخل للحسم نهائيا في هذه المعركة التي – ان تواصلت- ستكون الضربة التي ستقصم ظهر تعليم يرزح منذ سنوات تحت وطأة تدني المستوى وتغلغل الآفات الاجتماعية بجميع صنوفها من عنف ومخدرات واجرام. ان هذا البلد الذي راهن منذ الاستقلال على العلم والتعليم يتوجب على جميع مسؤوليه ان يعملوا على اخراج المؤسسات التربوية من قبضة السياسة وان لا يكونوا شركاء في معركة يصبح فيها قاصد المدرسة للتزود بالعلم والمعرفة رهينة لتجاذبات لا دخل له فيها يحرم على اثرها من حقه في الحصول على أعداده. مثل هذه القضايا المصيرية التي تهم حاضر ومستقبل البلاد لا يمكن ان تحل الا بالحوار والنقاش الهادئ البعيد عن منطق التهديد سواء من الجانب النقابي او من الجانب الرسمي. على الطرف النقابي ان يعلم ان المطالبة بالحقوق ليست مدخلا لتصفية الحسابات او لضرب هيبة الدولة في مقتل... وانه باسم العمل النقابي - الذي نجلّه ونحترمه ونعترف بمزاياه في الدفاع عن حقوق الكادحين - يحق للبعض تخطي الخطوط الحمراء والتلاعب بمصير الآلاف من ابناء هذا الشعب. وعلى الحكومة أن تتعلّم -أولا - فن الانصات لحل النزاعات وأن تعي – ثانيا- ان تونس التي كانت في وقت ما مضرب الأمثال في جودة تعليمها اصبحت اليوم خارج التصنيف العالمي وأن في بعض البلدان يتوقف تشكيل الحكومات لأشهر بسبب التدقيق في الشخصية المناسبة لتحمل عبء حقيبة التربية والتعليم.