يسيطر القلق والخوف والاحساس بالظلم بشكل كبير على بعض الطلبة من الأفارقة الذين يدرسون ببلادنا والذين يعانون وعلى حد توصيفهم "ميزا عنصريا" في ظل "الانتهاكات" والاستفزازات التي يتعرّضون إليها والتي بلغت حد التحرش الجنسي. ولكن ورغم وجود مشروع قانون معروض على أنظار لجنة الحقوق والحريات من شانه وعلى حد تاكيد المختصين أن يحمي ويجرّم الميز العنصري، يتساءل كثيرون ممن تطالهم هذه الانتهاكات (سواء الطلبة الافارقة المقيمين ببلادنا أو ممن كانت بشرتهم سوداء): هل سيساهم هذا القانون فعلا في الحد من بعض السلوكيات وتحديدا في تغيير العقليات؟ تزامنا مع اليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري اشرف الأربعاء الماضي وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان المهدي بن غربية على الندوة الحوارية التي نظمتها الجمعية التونسية لمساندة الأقليات حول مشروع القانون الأساسي المتعلّق بمناهضة التمييز العنصري تحت شعار "قانون بين الانتظارات والتحديات"، وأكدت خلال هذا اللقاء طالبة افريقية أنها تعرضت مؤخرا للتحرّش الجنسي مشيرة الى ان الحادثة جدت في وضح النهار وأمام مقر إقامتها عندما كانت بصدد انتظار سيارة أجرة تُقلها الى الجامعة ومع ذلك لم يتفاعل معها جميع ممن شاهد الحادثة على حد تاكيدها. وأضافت الطالبة الإفريقية في تصريح ل(وات) عقب نقاش حول مشروع قانون مناهضة التمييز العنصري، "الجالية الافريقية تتعرض يوميا الى انتهاكات عنصرية ونحن نشعر دائما بالخوف والظلم والاحباط"، متسائلة، كيف لهذا القانون أن يمكن من حماية حقوقهم وتغيير عقليات التونسيين؟ وتفاعلا مع هذا السؤال أورد الوزير المكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني مهدي بن غربية "أن مشروع قانون مناهضة التمييز العنصري المعروض حاليا على أنظار لجنة الحقوق والحريات بمجلس نواب الشعب أتاح أخيرا تجريم كافة الأفعال العنصرية موضحا أن تونس لم تكن يوما بلدا عنصريا في قوانينه". وأضاف "تونس أول بلد افريقي ألغى الرق ولم تضع البتة أية قوانين تمييز"، معتبرا أن التمييز العنصري في تونس يبقى مسألة "عقليات" التي يجب مقاومتها بالتربية الأسرية والمدرسية. وبدورها رأت النائبة بمجلس نواب الشعب جميلة كسيكسي خلال هذا اللقاء أن هذا القانون جاء قصد ملء الفراغ التشريعي في مناهضة الميز العنصري معتبرة أنه سيمكن الضحايا من الانتصار في معركتهم.. فبمقتضى نص هذا القانون سيتم إحداث لجنة وطنية لمناهضة التمييز العنصري مهمتها اقتراح السياسات والخطط وبرامج العمل من أجل القضاء على هذه الظاهرة مشيرة في السياق ذاته إلى أن هذا القانون يعتبر متكاملا بما أنه يتضمن الجوانب التالية: التوقي والحماية والزجر. ولكن ورغم أهمية القانون السالف الذكر فان المسألة تبقى من وجهة نظر البعض رهينة مدى دور الهياكل المعنية ولاسيما المجتمع المدني على تغيير العقليات بما أن ظاهرة العنصرية في تونس ترتبط اساسا بعقليات البعض. في تفاعلها مع المسالة، أوردت يمينة ثابت رئيسة الجمعية التونسية لمساندة الأقليات في تصريح ل "الصباح" أن هذا القانون تمت المطالبة به منذ سنة 2011 وهو مشروع قانون من شانه أن يكون ضامنا حقيقيّا لحرية الأشخاص بما انه يجرّم مثل هذه الاعتداءات حيث يتضمن فعليا عديد العقوبات التي تصل حد السجن موضحة في السياق ذاته أن مشروع القانون الأساسي المتعلّق بمناهضة التمييز العنصري هو في حد ذاته يمثل حماية للأشخاص بما اننا في السابق كنا نقف على فراغات تشريعية عندما يتعلق الأمر بحالات اعتداء لفظية بما أن العنصرية لم تكن تمثل جريمة سابقا. واعتبرت ثابت ان المرحلة الثانية بعد هذا القانون هو مدى القدرة على العمل على احترامه وتطبيقه والاهم العمل على تغيير العقليات. من جهة أخرى وفي تفاعله مع المسالة يؤيد الباحث في علم الاجتماع ممدوح عز الدين في تصريح ل "الصباح" أن المسالة تتجاوز التشريعات والقوانين المنصوص عليها بما أن الإشكال الجوهري يتعلق اساسا بالعقليات ومدى القدرة على تغييرها. وفسر المتحدث أن المجتمعات باستطاعتها تغيير القوانين وتطوير التكنولوجيات لكن ليس باستطاعتها اقرار تطوير على مستوى العقليات ومستوى الوعي الجمعي للمجتمعات موضحا ان التطور التكنولوجي على سبيل المثال لا يعكس بالضرورة تطورا موازيا على مستوى العقليات قائلا:"هذا ما يعبر عنه في علم الاجتماع بظاهرة العود الثقافي:أي نعيش عصر الثقافة بعقلية عصر ما قبل الحداثة". وفي معرض تفسيره استشهد عز الدين بالقوانين والتشريعات المنصوص عليها في مجال حماية حقوق المراة غير أن هذا لم يمنع من تواصل هيمنة العقلية الذكورية فالمرأة ليست ممثلة وبالدرجة المطلوبة على مستوى مراكز القرار على حد قوله. تجدر الإشارة إلى أن مشروع قانون مناهضة الميز العنصري الذي صادق عليه مجلس الوزراء في 17 جانفي الماضي يتضمن وفقا لما تناقلته مصادر اعلامية 11فصلا، وتلتزم الدولة بمقتضى نص هذا القانون بوضع السياسات العامة والخطط الوطنية ومناهضة كل أشكال التمييز العنصري في كل القطاعات وتقترح برامج توعية وتكوين كما تضمن كل تكفل نفسي واجتماعي للضحايا. منال حرزي