لا شك أن الحملات الانتخابية تعد شكلا راقيا لممارسة الديمقراطية وان كل مترشح للانتخابات يستثمر ذاته وتاريخه وانجازاته ومقترحاته وحلوله لتحقيق أكثر ما يمكن من المكاسب للوطن أولا وللمواطنين ثانيا. اليوم، ونحن نعيش على وقع حملات هنا وهناك علينا أن نعترف أن مهمة جميع المترشحين جدّ صعبة وأن عملية إقناع الناخبين بالبرامج والتصوّرات تبدو أكثر من عسيرة في ظل ما يعيشه المواطنون على ارض الواقع من تضييق على مستويات عدّة الأمر الذي جعلهم ينفضون أياديهم ليس من السياسة فحسب وإنما من الأفراد أيضا. مخطئ من يعتقد ان العملية الانتخابية هي عملية سياسية بامتياز بل هي عملية يختلط فيها السياسي بالاجتماعي وبالثقافي وبالنفسي وهو ما يحيلنا إلى السؤال: كيف يمكن لمترشح أن يؤثر في ناخب - مهزوز النفسية، فارغ الجيب، لا يقتات جيدا ولا يُعالج جيدا ولا يترفّه بما يكفي ولا يحظى بمسكن لائق يحميه من القر والقيظ - وان يوهمه بأن تلك الصورة القاتمة ستنجلي اذا ما حظي بصوته وهو – أي الناخب- يتحسس ما تعيشه البلاد من أزمات متلاحقة ويرى بأم عينيه ما آلت إليه حال طرقاتنا ومستشفياتنا ومؤسساتنا التعليمية وما جناه عليه التهاب الأسعار وانعدام فرص الشغل وسائر المشاكل التي جعلت حياته ضنكا؟ أية برامج وأية وعود يمكن أن تقنع المعذبين في الأرض من سكان المناطق الحدودية المفقّرة بان الحياة ستنقلب إلى وردية بعد الانتخابات وان على تلك الأرض لن يموت فيهم احد جوعا وعطشا وبردا ومرضا؟ من المؤكد أن جل المترشحين للانتخابات البلدية الذين بدؤوا في الطواف حول المقاهي والأسواق مدججين بسمفونية الوعود وعازفين على وتر الفاقة يدركون في قرارة أنفسهم أن مهمتهم في إقناع الناخبين تبدو مستعصية وأن طُعم الوعود الذي علق به الضعفاء والمهمشون في مناسبات سابقة أصبح معلوما بل هم يعلمون علم اليقين أن الرغبة في الإصلاح وفي تحسين أوضاع الوطن وأوضاع من يعيشون فيه ليست مرتبطة بالاستحقاقات الانتخابية بل هو حس إرادي وبطولة يصنعها الذائبون في تراب أوطانهم في صمت دون أن يراهم احد وان الهدف من العمل في صمت هو استقرار ورفاه البلد وتغليب المصلحة العامة على المصالح الحزبية الضيّقة أو الذاتية. أيها الراكضون خلف أصوات الناخبين لا تتصوروا أن حملاتكم واحتفالاتكم وكرنفالاتكم و»فولكلوركم» وبرامجكم وعلكة وعودكم هي التي ستحمل التونسيين على التوجه إلى مراكز الاقتراع بل هو درس لكم لتتعلموا معنى الواجب تجاه الوطن. فالتونسيون رغم ما يحاصرهم من مشاكل وأزمات ورغم إيمانهم الراسخ بان وعود المرشحين وسباقاتهم المحمومة لن تصنع المدينة الفاضلة.. سيذهبون للانتخابات لأنهم مؤمنون بأنه رغم ذلك القيد الثقيل من الجوع والفقر والعطش والتشرد.. «على هذه الأرض ما يستحق الحياة».