هل سينجح خبراء لجنة وثيقة قرطاج 2 في انتزاع فتيل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وإنقاذ البلاد من وضعية تأزّم سياسي وشيكة قد تعصف بمنجزات مرحلة هامة في مسار التحوّل الديمقراطي؟.. قد يبدو من الصعب التكهّن بإجابة عن هذا السؤال بالنظر إلى السياقات الراهنة والتي هي بالأساس سياقات أزمة متعدّدة الأبعاد والأوجه تغذّيها مواقف متصلّبة من مختلف الأطراف المؤثّرة ومن الفاعلين السياسيين بالأساس، خاصّة وأن ما حصلت عليه «الصباح» من تسريبات في علاقة باجتماع لجنة الخبراء بالأمس تؤكّد أن النقاشات كانت عسيرة ومرهقة لكل الأطراف، في علاقة بتباين المواقف الذي بلغ ذروته في بعض الملفات وكذلك في علاقة بالشأن الحكومي بما يؤشّر ربّما لأزمة سياسية جديدة إذ لم تغلب الأطراف الموقعة على وثيقة قرطاج المصلحة العليا للبلاد وتبتعد عن المواقف المتعنّتة والمتصلّبة. وان اتجهت نيّة الموقعين على اتفاق قرطاج من أحزاب ومنظمات وطنية من خلال بعث لجنة خبراء مهمّتها إعداد وثيقة قرطاج 2 لتكون خارطة طريق سياسية واقتصادية واجتماعية للمرحلة القادمة عبر تشخيص مواطن الخلل والإخفاق والخروج بتوافقات حول الحلول والآليات لتجاوز العقبات والصعوبات الموجودة والمتوقّعة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية حيث بات من المؤكّد أن حكومة يوسف الشاهد المنبثقة عن إرادة الموقّعين على وثيقة قرطاج 1 لم تعد تحظى بالثقة والدعم اللازمين لأي حكومة لأداء المهام المنوطة بعهدتها وتنفيذ رزمة الإصلاحات المستوجبة في ظرف دقيق تواجه فيه البلاد احتقانا اجتماعيا داخليا وضغوطات دولية معلنة. ويتفق الجميع اليوم أن الوضع العام بات في حاجة ملحّة إلى «رجّة ايجابية» أو الى ضخّ دماء جديدة كما دعا إلى ذلك في وقت سابق الأمين العام لاتحاد الشغل، لتجديد الثقة في «شرعية» منظومة الحكم الحالية التي أصابها الوهن وأنهكتها الأزمات المتتالية، ولكن من المؤكّد أن هذا «التجديد» لن يكون بتلك السهولة التي يتصوّرها البعض في ظلّ حسابات حزبية وسياسية تقدّم المصلحة الذاتية على المصلحة العامّة. رهان الإنقاذ وواقع الأزمة انتهت لجنة خبراء وثيقة قرطاج 2 بمشاركة أغلب الأطراف الموقّعة على اتفاق قرطاج في إطار ما يسمّى بالوحدة الوطنية في اجتماعها الأسبوع الماضي من ضبط بعض الأولويات المتعلّقة بالاقتصاد الموازي والإصلاح الجبائي وصندوق الدعم والمؤسسات والمنشآت العمومية مع ترحيل ملف الصناديق الاجتماعية إلى اللجنة الفرعية للعقد الاجتماعي وترحيل ملف الوظيفة العمومية إلى اللجنة المشتركة بين الحكومة والإتحاد العام التونسي للشغل. هذه اللجنة التي انكبت منذ انبعاثها على تشخيص مواطن الأزمة في بعديها الاقتصادي والمالي بالإضافة إلى البحث عن الآليات الممكنة لدفع الاستثمار وخلق فرص عمل ودفع النمو ودعم الاستثمارات والتصدير لتحقيق التوازنات المالية للدولة، اتخذ اجتماعها ليوم أمس طابعا سياسيا بعد أن طرحت للنقاش والتشاور بين مختلف الأطراف مسألة نجاعة العمل الحكومي خاصّة وأن عددا من الأحزاب والمنظّمات الموقعة على وثيقة قرطاج تدفع نحو مراجعة هيكلة الحكومة ومن بين المقترحات التي طُرحت للنقاش تصغير الحكومة بدمج بعض الوزارات. وترى بعض الأطراف الموقعة على وثيقة قرطاج ضرورة «ضخّ دماء جديدة « في العمل الحكومي حيث أكّد الأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، منذ أيام أن «الإتحاد ملتزم بالحوار الوطني وملتزم بإعداد ما يسمى بوثيقة قرطاج 2، من أجل تحديد الأولويات، ليتم على ضوء ذلك النظر في تشكيلة الحكومة للفترة المتبقية من الحكم».. وهو الموقف الذي تمسّك به الاتحاد الأمس في اجتماع لجنة الخبراء وفق بعض المعطيات التي تسنّى لنا الحصول عليها.. موقفه يشاطره فيه اتحاد الفلاحين الذي تم أعرب عن رفضه لإقصائه من اجتماع 7 أفريل الجاري والذي جمع الرئاسات الثلاث بالأمين العام لاتحاد الشغل ورئيس منظمة الأعراف، من خلال اقتراحه بصفة رسمية أن يكون «هناك تحوير وزاري شاملا». الاّ أن هذا الموقف لا يبدو موحّدا بين الموقعين على وثيقة قرطاج حيث ارتأت بعض الأحزاب التأنّي في علاقة بالتحوير الوزاري وخاصّة في علاقة برئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي بدت المواقف وفق ما تسنّى لنا من معطيات، متباينة حول بقائه من عدمه، وتباين هذا المواقف غذّى الإشاعات حول «خليفة» يوسف الشاهد على رأس الحكومة الجديدة، حيث بدأت بعض الكواليس تتحدّث عن وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي ك»خليفة» محتمل ليوسف الشاهد، باعتباره يحظى بدعم رئيس الجمهورية ويحظى أيضا بثقة أغلب الأحزاب الموقّعة على وثيقة قرطاج، كما يحظى بثقة قوى دولية وإقليمية في فترة تحوّلات كبرى يشهد العالم محليا ودوليا. وتشير كل المعطيات التي تسنّى لنا الحصول عليها أن الاجتماعات الأخيرة للجنة الخبراء وخاصّة اجتماع الأمس، كانت النقاشات بها محتدمة بالنظر إلى التباين الكبير في وجهات النظر بين الموقعين على وثيقة قرطاج في علاقة بالأزمات الراهنة وكذلك في علاقة بحكومة يوسف الشاهد.. وفي الوقت التي شارفت لجنة الخبراء على الانتهاء من أشغالها لم تسر النقاشات بالسلاسة المتوقّعة في وقت أزمة تمرّ بها البلاد بل تحدّث البعض على كون مجريات الاجتماع الذي تم بالأمس ينبئ ب»الانفجار» وبنسف اتفاق قرطاج وبنسف مسار الوحدة الوطنية في ظلّ وحدة وطنية ما زالت بعد أكثر من سنة تبحث عن توازنها.