يؤكد الانطباع السائد حول المخاض العسير لولادة وثيقة قرطاج 2 وتحديد أكثر من موعد للحسم في صيغتها النهائية وفي مصير الشاهد وحكومته ثم التأجيل من جديد أن النية وكأنها مبيتة للمماطلة وإضاعة الوقت رغم أن البلاد في حاجة عاجلة وملحة إلى توضيح الرؤية. والمزيد من الغموض والضبابية مع وجود مؤشرات وتسريبات حول صراعات الأجنحة والمصالح الحزبية الضيقة والعائلية أحيانا، لن تزيد الأوضاع إلا تعقيدا ولن تزيد المواطن إلا حيرة وتوجسا من المستقبل القريب. إن المتأمل في مسار وثيقة قرطاج 2 وما رافقها إلى حد الآن من شد وجذب يستشف منه للاسف أن بوصلة الأحزاب لا سيما المؤثرة منها في المشهد السياسي معدلة فقط باتجاه انتخابات 2019 وتعمل جاهدة على بلوغها بأخف الأضرار وأوفر الحظوظ. في الأثناء لا يبدو مهما لديها كل تلك التداعيات الجانبية والسلبية على المناخ العام في البلاد وعلى مآل ملفات حارقة اقتصادية واجتماعية واستحقاقات دستورية لم تعد تحتمل التأجيل والمماطلة. فعلى سبيل الذكر لا الحصر ترواح أزمة المحكمة الدستورية مكانها في ظل تناحر حزبي لوضع اليد عليها ووضع بقية الهيئات الدستورية ليست بأفضل حال هي الأخرى. كما يكتنف الغموض مسار ومصير العدالة الانتقالية مع اقتراب انتهاء الآجال قانونيا أواخر الشهر الجاري ولا أحد يعرف ما مستقبل هيئة الحقيقة والكرامة وما مصير رئيستها؟ ملفات أخرى لا تقل خطورة باتت تنذر بالأسوإ تلك المتعلقة بتفاقم مظاهر العنف والاحتقان في الملاعب وفي صفوف الشباب ولا أدل على ذلك ما شهدناه في الأونة الأخيرة في مباراة نهائي الكأس وفي المباراة التى جمعت القوافل وبن قردان لتتحول تلك المشاهد مؤخرا إلى موجة اعتداءات متزامنة ومتواترة على محطات النقل والمترو.. صور ومظاهر تؤكد أن المنزلقات الامنية والاجتماعية خطيرة وتنذر بالأسوإ في الأثناء تبدو الأحزاب الممسكة بالسلطة بعيدة كل البعد عن هذا الواقع ومنشغلة بحسابات المواعيد الانتخابية القادمة. وتبدو كذلك الحكومة ووزرائها منشغلون بمصيرهم المترنح بين البقاء أو الرحيل فكيف لهم أن ينكبوا على ملفاتهم وعلى معالجة الأزمات المتراكمة على أكثر من صعيد. لقد نفد صبر المواطن أو كاد وهو يتابع نقاشات السياسيين وصراعاتهم حول الأشخاص وسط سيطرة منطق الحسابات الحزبية والانتخابية على منطق الإصلاحات ومحاولة انقاذ الأوضاع والمزيد من إضاعة الوقت لن يكون في مصلحة أحد.