عاجل : اجتماع ثنائي تونسي ليبي برأس الجدير    اجتماع تونسي ليبي لبحث إعادة فتح معبر رأس الجدير    وزيرة التربية تؤكد تلقي عديد الملفات المتعلقة بشبهات فساد مالي وأخلاقي    عاجل : العثور على جثة مذيع فقد في جزيرة يونانية    نحو انتداب 2290 سباحا منقذا لصائفة 2024    جربة : نجدة وإنقاذ شخصين على متن مركب صيد ترفيهي    بنعروس : الكشف عن شبكة مختصة في ترويج المخدرات    إيران تعلن إقرار 6 مرشحين للرئاسة واستبعاد أحمدي نجاد مجددا    هل يخفّض البنك المركزي نسبة الفائدة المديرية في الوقت الراهن ؟    هل يخفّض البنك المركزي نسبة الفائدة المديرية في الوقت الراهن: محلّل مالي يوضّح..    مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الضحايا..#خبر_عاجل    الحماية المدنية: 5 حالات وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    المنستير: الإحتفاظ بمنظمي عمليات إجتياز للحدود البحرية خلسة    تطور جديد.. تحرك قضائي من عمرو دياب ضد "شاب الصفعة"    معرض صفاقس الدولي الدورة 58 من 21 جوان الى 7 جويلية    كوريا الشمالية تستأنف رمي جارتها الجنوبية ببالونات "القمامة"    مباراة تونس و ناميبيا اليوم الاحد : الساعة و القنوات الناقلة    أكثر من 60 دولة وألف مشارك في الدورة السابعة للمنتدى الدولي لتمويل الاستثمار والتجارة بإفريقيا    بعد موسم استثنائي ...شبيبة العمران في «الناسيونال»    قرمبالية: أهالي جبل طريف يطالبون بالماء الصالح للشراب    مرياح على باب الرحيل ...الطالبي تحت «رادار» الترجي وبن عبدة في البال    أخبار النجم الساحلي .. الجمل يواصل والجلاصي تحت الضغط    طقس الاحد ...كيف سيكون؟    أشهر عالم آثار مصري يرد على بلاغ مقدم ضده    السعودية تبعد 300 ألف شخص من مكة لعدم حملهم تصاريح الحج    بوسالم.. حريق يأتي على 13 هكتارا من صابة الحبوب    بتهم فساد مالي واداري.. بطاقة إيداع ضد الرئيسة السابقة لبلدية حلق الوادي    الشركة التونسية للبنك STB ...مؤشرات مرضية وآفاق واعدة    الفنان وليد الصالحي يعلن عن تنزيل اغنية جديدة    الصحة العالمية تدعو للاستعداد لاحتمال تفشي وباء جديد    على متنها 261 حاجا: الوفد الرسمي للحجيج التونسيين يغادر في اتجاه البقاع المقدسة    درجات الحرارة هذه الليلة..    غدا ناميبيا تونس: المنتخب الوطني يختتم التحضيرات واللقاء دون حضور الجمهور    وزارة الداخلية توفّر الحماية لمربي الماشية    يوم 10 جوان.. انطلاق موسم الحصاد بمعتمديتي بلطة بوعوان و فرنانة    وفاة حاج تونسي اصيل ولاية مدنين    نقطة بيع الأضاحي بالميزان في وادي الليل و هذه التفاصيل    سعيّد والدبيبة يتباحثان إعادة فتح معبر رأس جدير    قيس سعيد : يجب احترام كل أحكام العملية الانتخابية    رئيس الجمهورية يثير مجددا ملف الشيك دون رصيد    موعد جديد لنزال تايسون و'اليوتوبر' جيك بول    الفلبين: تحظر واردات الدواجن من أستراليا لهذه الأسباب    جندوبة تحتفل باليوم العالمي لسلامة الأغذية تحت شعار "تأهّب لغير المتوقع "    محمد كوكة أفضل ممثل في مسرحية كاليغولا بالمسرح البلدي بالعاصمة    علي مرابط يشيد بدور الخبرات والكفاءات التونسية في مجال أمراض القلب والشرايين    مريم بن مامي: ''المهزلة الّي صارت في دبي اتكشفت''    قبلي: انطلاق فعاليات المنتدى الاقليمي حول فقر الدم الوراثي بمناطق الجنوب التونسي    تشيلسي يتعاقد مع مدافع فولهام أدارابيويو    الإعلان عن موعد عيد الاضحى.. هذه الدول التي خالفت السعودية    مناسك الحج بالترتيب...من الإحرام حتى طواف الوداع    موعد صيام يوم عرفة...وفضله    تطاوين : بدء الاستعدادات لتنظيم الدورة السابعة للمهرجان الدولي للمونودراما وإسبانيا ضيف شرف    تصفيات مونديال 2026 : فوز مصر والسودان .. وخسارة الجزائر    اكتشاف السبب الرئيسي لمرض مزمن يصيب الملايين حول العالم    هند صبري تلفت الأنظار في النسخة العربية لمسلسل عالمي    مُفتي الجمهورية : عيد الإضحى يوم الأحد 16 جوان    عاجل/ قرار قضائي بمنع حفل "تذكّر ذكرى" المبرمج الليلة    اليوم رصد هلال شهر ذي الحجة 1445    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محنة تونس..بين الوثنيات الإيديولوجية والعصبيات الحزبية والطائفيات المهنية (4/12): الانخراط اللامشروط في الحداثة: تذيّل للغرب وتنصّل من ماضينا وتنكّر لذاتنا
نشر في الصباح يوم 26 - 06 - 2018

يشكّل الانخراط في الحداثة والسعي إليها عبر سياسات التحديث منذ عقود قاسما جامعا بين مختلف الأطراف والتيارات المنادية بالتنمية والتقدّم الاجتماعي وتجسيد حقوق وواجبات المواطنة واحترام الحريات بدءا بالتكتل الدستوري ومن يعتبرون أنفسهم امتدادا له، مرورا بالأطراف الديموقراطية والاجتماعية الوسطية وانتهاءا باليسار الماركسي. بيد أن هذا المعجم المشترك والذي شارك فيه إسلاميو النهضة منذ منعطف الثمانينات بل أصبحوا يعتبرونه جزءا من مشروعهم المجتمعي إنما يخفي وجود خط تباين رفيع أو سميك حسب المواضع، بين رؤيتين: الأولى تتبنى منظومة القيم وأنماط الحياة التي أفرزها الغرب الحديث دون قيد ولا شرط كما تجعل من الحرية الفردية أقدس الأقداس وفوق أي اعتبار، ولنسمّها حداثوية بسبب إسرافها، أما الثانية فهي حداثية بدورها أو مؤمنة بالضرورة الحيوية للانخراط في الحداثة ولكن بمنظور نقدي واحترازات حول تأويل وتجسيم عدد من المبادئ الغربية المأتى.
وتعود صعوبة التمييز بين الرؤيتين والموقفين وبالتالي الكتلتين الحاملتين لهما إلى سياقات تاريخية مرت بها تونس بدءا من الاستقطاب الإيديولوجي الحاد الذي دفع إليه نظام بن علي بين الإسلاميين والعلمانيين واستطاع أن يجرّ إليه الأغلبية الساحقة من مكوّنات المعارضة باستثناء قلّة في مقدمتها الحزب الديموقراطي التقدمي. وفي لحظة ثانية أدّت تجاذبات فترة حكم الترويكا إلى عودة الاستقطاب والى الخلط بين الخلاف السياسي والتموقع الثقافي والإيديولوجي حتى أن هذا الأخير غطى على الخلافات في صفوف كل من الإسلاميين والحداثيين. وقد شهدنا قبيل الانتخابات البلدية محاولات جديدة للعب على نفس الوتر من طرف بعض قياديي نداء تونس، إلى جانب مناورة ضخمة تعدّ لها الدائرة المحيطة برئيس الجمهورية في نفس الاتجاه وضمن تكتيك يستهدف تكرار سيناريو الحملة الرئاسية لسنة 2014.
وعليه فعندما نتحدث عن نخبة أو كتلة اجتماعية مؤدلجة، تجعل من الحداثة وثنا، سواء لعبادته أو للتلاعب به، فإننا نشير إلى وسط فكري وسياسي يتوزع اليوم من حيث انتماؤه أو ولاؤه أو صداقاته الحزبية بين ورثة التجمع الدستوري من حزب النداء وحزب مشروع تونس وأحزاب اليسار التي سبق أن تحالفت موضوعيا أو ذاتيا مع نظام بن علي لغاية محاربة ما سمّي بالظلامية ومازالت العديد من معاركها مابعد الثورة تدور في نفس الحلقة العقيمة، هذا إلى جانب عديد الجمعيات المسيّسة والتي تتبنى نفس النهج وتخلط بين مفاهيم الإسلام والحركة الإسلامية وحركة الاخوان المسلمين والحركات السلفية بل وحتى بينها وبين الإرهاب، كما تخلط بين التوجهات السياسية لحركة النهضة أو بالأحرى قيادتها المتنفذة وبين فكرها السياسي الذي ترفض إقرار بما عرفه من تطوّر وتجديد.
لا يعدم هذا التكتل الإيديولوجي والثقافي اختلافات في الانحياز الاجتماعي أو الطبقي ولكنه يشترك في رؤية لمشروع تونس الحديثة تتمثل مرجعيتها في القيم المحورية للمجتمعات الغربية، كما يستنسخ أحدث الاتجاهات والنماذج الإيديولوجية الغربية، بل يزيد ويزايد عليها كما سنرى، مقابل نزع كل قيمة عن الموروث الثقافي العربي والإسلامي ووصمه بالتخلف والرجعية وحتى اللاإنسانية ومحاكمته بناءا على آخر ما وصل إليه فكر التقدم وحقوق الإنسان. وهذه ليست اتهامات نطلقها جزافا بل مواقف قد تكون صريحة وقد تأتي في شكل استعارات أو إيحاءات أو في قالب تحاليل «علمية» صدرت في السنين الأخيرة عن قياديي أحزاب وجمعيات وعن جامعيين مشهورين، وعن إعلاميين يتصدرون البلاتوهات التلفزية أو الإذاعات، وعن شعراء وروائيين أيضا، يستخلص من خطاباتهم أن الأربعة عشر قرنا التي مضت منذ ظهور الإسلام وقدومه إلى هذه الديار هي مرحلة كالحة، مرحلة نكوص أو تراجع حضاري وثقافي ومنطلق لإقامة نظام اجتماعي يقوم على اضطهاد النساء واسترقاق البشر وتحويل أهل الديانات الأخرى إلى ذميين يعيشون المهانة. صورة مؤدلجة تضخم حقائق جزئية فعلية عرفها تاريخنا لتجعل منها الحقيقة الوحيدة أو الرئيسية، مستعيدة بذلك الصورة النمطية التي شكّلها الغرب عن العرب والإسلام في سياق النزاعات التي دارت بينهما، والتي غطت بدورها على كل ما كان بينهما من معاملات مفيدة وتلاقح ثقافي وتبادل إنساني.
هذه الكتلة الثقافية/الإيديولوجية بالذات هي التي تقوم اليوم، بعضها عن حسن نية وبعضها قصدا، بمبادرات من شأنها توتير المناخ الفكري والثقافي وربما السياسي. ولكن ما يهمّنا في المقام الأول هو الطرف الذي يعد لأجندة سياسية بدأت تتضح معالمها وذلك باستغلال كل من يجد من أحداث، بل بخلق الأحداث واستفزاز قسم كبير من الرأي العام، وآخر ظهورات هذا الطرف إعداده لمبادرة تشريعية جديدة حول تنظيم العلاقات بين الرجال والنساء محورها التسوية في الميراث، مبادرة تذهب إلى أبعد حدّ في تجسيد الموقف الحداثوي واستعجال تغييرات لا يوجد عليها طلب اجتماعي ذو بال، بل لا يبدو المجتمع في أغلبه متحمّسا ولا مهيأ لها كما سنحاول التدليل عليه أسفله.
هل يتعلق الأمر بالإعداد لقانون يندرج فعلا في نطاق العدالة الاجتماعية بين الجنسين ويساهم في مزيد النهوض بوضع المرأة التونسية خاصة المرأة الشعبية ؟ أم بتحقيق حلم أقلية ثقافية وإيديولوجية «طلائعية» ولو كان الثمن توترات اجتماعية وسياسية ؟ أم بإضافة صورة جديدة مغرية لتونس حديثة جدا جدا، مهما كان الثمن ؟ أم بخدمة أجندة سياسية انتخابية؟ هل هو تلميع جديد للواجهة أم تحضير للمواجهة ؟
من أجل قراءة موضوعية ومسؤولة للّحظة الراهنة يكون من المفيد موضعتها ضمن المسار التحديثي الذي انخرطت فيه النخب العصرية التونسية منذ تأسيس الدولة الوطنية، مع إبراز خصوصية كل مرحلة. وفي هذا الإطار نذكر باللحظتين السابقتين من صراع ممثلي الحداثة مع خصومها المفترضين.
*أستاذ باحث في علم الاجتماع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.