اثارت بعض التصاريح الصحفية في الايام الفارطة حول تمويل الحكومة للأجور من خلال طبع الاوراق المالية الكثير من الجدل، وقد دفع هذا الجدل البنك المركزي والسيد وزير المالية الى التدخل في وسائل الاعلام لتفنيد هذه الاخبار. وقد أردت الرجوع الى هذه المسألة لاهميتها وكذلك لتفسيرها من الناحية البيداغوجية كي نفهمها على احسن وجه، ويعتقد البعض لحد الان والعديد استوقفوني في الشارع لسؤالي عن هذه المسألة لاعتقادهم الراسخ ان للبنك المركزي آلات لطباعة الاوراق النقدية يقع تشغيلها كلما رأت الحكومة حاجة لذلك. فقط نريد الاشارة الى عملية خلق المال او la création monétaire لا تتم بالطريقة التقليدية من خلال طباعة الاوراق النقدية كما كان الحال في العقود الغابرة، فعملية خلق النقود يقوم بها البنك المركزي بطريقة افتراضية لتمر مباشرة الى حسابات المؤسسات او الدولة، اذن عملية خلق المال (création monétaire) هي عملية عادية وطبيعية تقوم بها كل البنوك المركزية في العالم، وتتم هذه العملية في مقابل سندات او تطورات يعرفها القطاع المالي والاقتصادي ومن ضمنها القروض للاقتصاد ودخول العملة الصعبة وكذلك القروض للدولة مقابل شراء رقاع الخزينة. والذي نريد الاشارة اليه او الوقوف عنده اليوم هو ان جزءا من عملية خلق النقود او création monétaire في اطار دعم المالية العمومية تتم بطريقة منظمة في اطار ما يسمى بالاقتراض الداخلي، ومستوى الاقتراض الداخلي لا تحدده الحكومة او البنك المركزي لوحده بل يتطلب موافقة نواب الشعب كما هو الشأن بالنسبة للتداين الخارجي واثر هذه الموافقة تقوم وزارة المالية الى السوق الداخلية لبيع سندات الدولة بطريقة دورية في مستوى لا يتجاوز الرقم الذي حدده مجلس النواب. ولكن الاشكال في بلادنا يكمن في كون البنك المركزي لا يمكن له شراء سندات بطريقة مباشرة لسندات في فهم في رأي مبالغ فيه لمسألة الاستقلالية على خلاف اغلب البنوك المركزية في العالم وخاصة الهامة منها كالفدرالي الامريكي والبنك المركزي الاوروبي. وهذا الاجراء ليس بالجديد في بلادنا وتم تأكيده في القانون الاساسي الجديد للبنك المركزي. وهذه الوضعية تدفع الدولة الى بيع سنداتها الى البنوك والمؤسسات والتي تعيد تمويلها من طرف البنك المركزي بنسب فائدة اقل من نسب الفائدة التي تطبقها الدولة مما يمكن البنوك من تحقيق نسب ربح عالية جدا وكانت محل الكثير من النقد. اذن عملية تمويل الاقتصاد وخلق النقود هو عمل عادي يدخل في اطار الانشطة التقليدية للبنوك والبنوك المركزية. لكن الجدل الذي حصل في الايام الفارطة جلب الاهتمام الى مسألة هامة وهي وضعية المالية العمومية والتي انخرمت نتيجة انفلات عجز الميزانية، وهذه المسألة تتطلب الخروج من الانتظارية المفرطة وضبط التصورات الكفيلة على المدى المتوسط من ارجاع عافية المالية العمومية.