الحكم بالسجن مدة سنة في حق برهان بسيّس ومراد الزغيدي    مجلس الوزراء يصادق على مشروع قانون يتعلق بتنقيح أحكام الفصل 411 من المجلة التجارية    وزارة الشؤون الاجتماعية: خلاص 382,8 مليون دينار لفائدة كافة منظوري "الكنام" من مضمونين اجتماعيين ومسدي الخدمات في القطاعين العمومي والخاص    قفصة: تقديرات أولية بإنتاج 153 ألف قنطار من القمح الصلب هذا الموسم    اتحاد الفلاحة: الفلاحون يبيعون قرابة 150 الف اضحية فقط وفق الوزن في ظل سوق اكتسحه السماسرة    الشركة التونسية للملاحة تفتتح خطا بحريا جديدا باتجاه وجهتين ايطاليتين جديدتين انطلاقا من ميناء حلق الوادي.    إيرلندا وإسبانيا والنرويج تعترف بدولة فلسطين.. وإسرائيل تستدعي سفراءها وتتوعد    منجي الباوندي .. قصة عالم كمياء تونسي حاز جائزة نوبل سمته الخجل تتحول الى مصدر الهام المئات من الطلبة    بطولة العالم لالعاب القوى لذوي الاعاقة: برونزية لمحمد نضال الخليفي في سباق 100 متر كراسي (فئة تي 53)    اياب نهائي كاس رابطة ابطال افريقيا : وفد الترجي الرياضي يشد الرحال الى العاصمة المصرية القاهرة    مجموعة تفادي النزول : صراع البقاء يزداد تعقيدا بعد فوز مستقبل سليمان على مستقبل المرسى واتحاد تطاوين على اتحاد بنقردان    انطلاق أولى رحلة للحجيج التونسيين نحو المدينة المنورة لموسم الحج 1045 ه-2024 م    الكرم الغربي: براكاج دموي لتاكسيست باسلحة بيضاء    تفكيك شبكة للتنقيب والإتجار في الآثار بمنطقة الزهروني وحجز 240 قطعة نقدية أثرية (بلاغ)    بشخصية نرجسية ومشهد اغتصاب مروع.. فيلم عن سيرة ترامب يثير غضبا    مهرجان كان : الجناح التونسي يحتضن مجموعة من الأنشطة الترويجية للسينما التونسية ولمواقع التصوير ببلادنا    الفيلم الفرنسي "Goliath" يفتتح الدورة السابعة لمهرجان الفيلم البيئي بتونس    وزارة الصحة: جلسة عمل حول تركيز مختبر للجينوم البشري لتعزيز جهود الوقاية والعلاج من الأمراض الوراثية والسرطانية    المؤتمر الوطني العاشر لجراحة التجميل ينعقد بالعاصمة يومي 24 و25 ماي الجاري    سنة 2025: إدراج التلقيح ضد سرطان عنق الرحم برزنامة التلاقيح (جمعية طب النساء والتوليد)    "ليكيب" تكشف كواليس لقاء بين ماكرون ورئيس ريال مدريد    تضاعف المخزون الاستراتيجي للحليب مقارنة بالعام الماضي    الرئاسة الإيرانية تكشف ..تفاصيل اللحظات الأخيرة في رحلة رئيسي ورفاقه    تسجيل فائض بقيمة 1،3 مليار دينار على مستوى الميزانية    «دربي» الشغب في كرة اليد الترجي يفوز على الافريقي في ذهاب نهائي البطولة ويقترب من اللقب    خامنئي لهنية.. مخبر سيتبع نهج رئيسي وسيتحقق وعد فلسطين من البحر للنهر    المنستير: الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي المعزز في قطاع الصحة أبرز محاور الأيام الوطنية الثالثة للابتكار البيداغوجي    قبلي: حجز أقراص مخدرة والإحتفاظ بشخصين أحدهما أجنبي    غار الدماء .. حريق يأتي على هكتارين من حقول القمح    وزارة الاقتصاد.. لا نيّة لخوصصة شبكة الكهرباء أو التفويت في الستاغ    روسيا تنفي وجود مقاتلتين لها في جزيرة جربة    وفاة منصف درغوث الطبيب المختص في جراحة العظام    صفاقس : إحباط عملية تحضير لإجتياز الحدود البحرية خلسة    عاجل/ هذا ما تقرّر في حق سعدية مصباح    اتحاد الفلاحين يؤكد أهمّية احداث مجلس أعلى للسيادة الغذائية    تصريح صادم لبلينكن: لسنا حزينين لوفاة رئيسي والشعب الإيراني أصبح بوضع أفضل    بمسرح الهواء الطلق بقرمبالية ..عرض انيستي عزة" للممثلة كوثر بالحاج    وزيرة الصناعة: "لا زيادة في اسعار المحروقات حتى آخر السنة"    تونس : المخزون الاستراتيجي من الحليب المعلّب يقدر ب 20 مليون لتر    اجراء قرعة التناوب بالمجالس الجهوية بداية من 1 جوان    المرسى: منحرف خطير في قبضة الأمن    عضو بمجلس إدارة البنك المركزي : تعيين لمياء جعيدان مزيغ عوضا عن ليلى البغدادي    التونسي هيكل الشيخاوي يحرز رابع أهدافه في البطولة الاماراتية    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الاربعاء 22 ماي 2024    مسرحية "السيدة المنوبية" تفتتح الدورة الرابعة لأسبوع المسرح البلدي بتونس    عاجل : الترجي يقدم هذه التوصيات لأحبائه الذين سيحضرون مباراته مع الأهلي    غوارديولا يفوز بجائزة أفضل مدرب في البطولة الإتقليزية الممتازة لهذا العام    قفصة: حادث مرور يسفر عن وفاة شاب    عاجل/ النرويج تعلن استعدادها لاعتقال "نتنياهو"..    اليوم ..مراد الزغيدي و برهان بسيس أمام الدائرة الجناحية الثامنة بابتدائية تونس    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    انتصرت لها تونس خيمة لسينما غزّة في «قلب كان»... رغم رفض «المهرجان »    سعاد الشهيبي تستعد لإصدار "امرأة الألوان"    هل فينا من يجزم بكيف سيكون الغد ...؟؟... عبد الكريم قطاطة    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شتان ما بين الثرى والثريا، ما بين القمم والحفر
نشر في الصباح يوم 05 - 10 - 2018

مقال الأستاذة حياة السايب الصادر بجريدة «الصباح» يوم الأحد 30 سبتمبر 2018 تحت عنوان «جملة اعتراضية: مشهد سياسي مبتذل وثقافي لا يقل ابتذالا» قد شفى غليلي وعلى ما أظن غليل الكثير من أمثالي لتردّي مستوى الإعلام ببلادنا يوما بعد يوم، فأبينا إلا أن نتفاعل معها بتحبير هذه الأسطر.
حين ولدنا نحن جيل الخمسينات من القرن الماضي وبلغنا سن الطفولة وجدنا في كل بيوتنا تقريبا جهازا تغنى به الشاعر قديما فأنشد قائلا:
«شاد ترنم لا طير ولا بشر
يا صاحب اللحن أين العود والوتر
***
إني سمعت لسانا قدّ من خشب
فهل بعد هذا ينطق الحجر»
من هذا الجهاز العجيب الذي كان يتحلق حوله كلّ أفراد العائلة كانت تبث لنا برامج تشدّنا إليها شدّا حتى أصبحت العلاقة بيننا وطيدة و صرنا لا نستطيع الاستغناء عنه أكثر من ساعة أو ساعتين في النهار. هذه البرامج استمعنا فيها إلى حلو الكلام و تشرّبنا منها الحكم التي كانت تنزل علينا بردا وسلاما وتبعث في نفوسنا الغبطة والانشراح لتميّز مذيعيها ومذيعاتها من ذلك الزمان وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر المذيع البارع صاحب الصوت السحري الأستاذ عادل يوسف والمرحومة المرأة العظيمة نجوى من خلال برنامج «صباح الخير» وصوتها الملائكي الذي تذكرنا فيه كل ليلة بإشارتها المعسولة «العاشرة احترام الجار» وغيرهما من أعلام الإعلام الذين خدموه منذ السنوات الأولى لما بعد 1956 حيث أذكر أننا تشبعنا بمقاطع من النثر وبأبيات لا تحصى من الشعر في برنامج «هواة الأدب» وحفظنا الكثير عبر ما يقدّم إلينا من معلومات طريفة تجمع بين الإفادة والمتعة في التاريخ والجغرافيا.
ومن منا لا يعرف الأستاذ المنجي الشملي وإطلالته الأسبوعية في «عالم الأدب والشعر» الذي يأخذ بيد الأدباء الناشئين؟ ومن منا نسي أو ينسى من جيل الستينات والسبعينات المنشط المقتدر محمد علي بلحولة في برنامج «أستوديو 2 في الشارع» وبرنامج «رجل كأيها الناس»؟ هذا فضلا عن المسلسلات والمنوعات التي كان على رأسها سمر السيد عبد العزيز العروي الذي تحبس خلال بثه الأنفاس داخل البيت ليستمع إليه الكبار والصغار من العائلة.
وبين هذا وذاك وفي كل أسبوع لنا موعد مع النقل الرياضي المباشر مع عبد المجيد المسلاتي وإبراهيم المحواشي وما تميز به ذوقهما الفني حيث كانا يبثان لنا مقاطع من أغاني موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وخاصة منها عندما يأتي المساء أما اللحن المميز لبرنامجيهما فقد كان أغنية «جول» للمطربة مها صبري: «قنطر يلاو خذلك مطرح... فيها جول فيها جول... سجل خلي الجمهور يفرح...» كانت برامج رياضية ولكنها لا تخلو من الذوق السليم، كانت فعلا صدى كبيرا لكرة القدم في الملاعب تخاطب النفس والوجدان.
ولازلت أذكر كيف كانت السيدة علياء ببّو تلقي التحية فتقول» صباح الخير لولاد» فيجيبها الأطفال «صباح الخير سيدة علياء» ثم تنطلق في بث حصة إذاعية فيها كثير من المرح والانبساط للأطفال الصغار وفي الوقت ذاته الكثير من التربية على الانضباط والسلوك القويم واحترام الكبير وضبط اللسان قبل أن يصدر منه الكلام.
كما لا يفوتني أن أذكر أيضا السادة محمد المحرزي وعبد العزيز المحرزي وصولا إلى البشير رجب والمرحومين صالح جغام ونجيب الخطاب الذين ارتقوا بأذواقنا وبرصيدنا الثقافي خاصة.
أما اليوم، فبرامجنا الإذاعية وخاصة التلفزية لا تحرك فينا التطلع إلى عالم القيم، عالم التحليق في دنيا الفنون من شعر وأدب يزخر بها تراثنا العربي الإسلامي فهي خواء في خواء لا أدب ولا فنون، فقط كثير من «البلادة والركاكة والأرواح الثقيلة» التي تخال أنها في موقع التسلية والتي تستظرف المستمعات والمستمعين فحوارات المذيعين اليوم فارغة لا حصيلة ترجى منها ولا أدب فيها ولا حياء، مستوى ذهني وفكري في الحضيض، منشطون «يبيعون الريح للمراكب» يتكلمون الدارجة، الفرنسية المعوجة، ضحكات وقهقهات في غير محلها بلا سبب ولا مناسبة، يستضيفون الأمييّن أو من مستواهم لا يتعدى معرفة الحروف الأبجدية، والغريب أنهم يطلبون آراءهم ومواقفهم في المواضيع المهمة وحول الشخصيات الكبرى في السياسة والأدب والفنون عامة. فترى أولئك العظماء من أبناء بلادي أو غيرها ممّن يزالون على قيد الحياة يندبون حظهم ولسان حال كل واحد منهم يقول «ما كنت أحسبني أحيى لزمن يسيء لي فيه الجهلة وكل من هب ودب من الهجاج والرعاع.»
بالطبع وحتى لا نعمم حالة الرداءة التي تغلب على المشهد الإعلامي السمعي البصري، فإننا نجد من الإعلاميين الكفء والذين يحاولون أن يعطوا الإفادة للمستمعين والمشاهدين وتراهم يسعون كذلك من خلال اطلاعهم على آخر ما نشر وظهر في عالم الأدب والتاريخ والفنون والعلوم الصحيحة والتكنولوجية والإنسانية بالتحديد.
بصراحة، إنها صيحة فزع نطلقها أمام ما نعيشه من رداءة ما بعدها رداءة في الإذاعات والقنوات التلفزية العمومية والخاصة بسبب إعلاميين يقدمون برامج تعيد نفسها وتسقط ذوق المتابعين لها إلى القاع إلى القاع إلى القاع!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.