مع الشروق .. قمّة بكين ... وبداية تشكّل نظام دولي جديد    انطلاقا من غرة جوان: 43 د السعر الأقصى للكلغ الواحد من لحم الضأن    رئيس الحكومة يستقبل المدير العام للمجمع السعودي "أكوا باور"    توقيع مذكرة تفاهم تونسية سعودية لتطوير مشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر في تونس    شهداء وجرحى في قصف لقوات الاحتلال على مدينة غزة..    بطاقتا إيداع بالسجن ضد أجنبيين تورّطا في تنظيم عمليات دخول أفارقة لتونس بطرق غير نظامية    بداية من اليوم: خدمة جديدة للمنخرطين بال'كنام' والحاصلين على الهوية الرقمية    صفاقس: إيقاف 21 افريقيا وصاحب منزل أثر معركة بالاسلحة البيضاء    جنيف: وزير الصحة يؤكد أهمية تعزيز قدرات الدول الإفريقية في مجال تصنيع اللّقاحات    عاجل/ هذا ما قرّرته 'الفيفا' بشأن المكتب الجامعي الحالي    وزارة الصناعة: توقيع اتفاقية تعاون بين أعضاء شبكة المؤسسات الأوروبية "EEN Tunisie"    مفقودة منذ سنتين: الصيادلة يدعون لتوفير أدوية الإقلاع عن التدخين    كلاسيكو شوط بشوط وهدف قاتل    أول تعليق من نيللي كريم بعد الانفصال عن هشام عاشور    بالفيديو: بطل عالم تونسي ''يحرق'' من اليونان الى إيطاليا    مراسم استقبال رسمية على شرف رئيس الجمهورية وحرمه بمناسبة زيارة الدولة التي يؤديها إلى الصين (فيديو)    عاجل/ فرنسا: إحباط مخطّط لمهاجمة فعاليات كرة قدم خلال الأولمبياد    وزارة المرأة تحذّر مؤسسات الطفولة من استغلال الأطفال في 'الشعوذة الثقافية'    بن عروس: حجز أجهزة اتصالات الكترونيّة تستعمل في الغشّ في الامتحانات    بطاقة إيداع بالسجن ضدّ منذر الونيسي    مجلس نواب الشعب: جلسة استماع حول مقترح قانون الفنان والمهن الفنية    رئيس لجنة الفلاحة يؤكد إمكانية زراعة 100 ألف هكتار في الجنوب التونسي    المنتخب الوطني يشرع اليوم في التحضيرات إستعدادا لتصفيات كأس العالم 2026    النادي الصفاقسي في ضيافة الاتحاد الرياضي المنستيري    الرئيس الصيني يقيم استقبالا خاصا للرئيس قيس سعيّد    قبلي : تنظيم اجتماع تشاوري حول مستجدات القطاع الثقافي وآفاق المرحلة القادمة    وزير التعليم العالي: نحو التقليص من الشعب ذات الآفاق التشغيلية المحدودة    عاجل/ حريق ثاني في حقل قمح بجندوبة    مستشفى الحبيب ثامر: لجنة مكافحة التدخين تنجح في مساعدة 70% من الوافدين عليها على الإقلاع عن التدخين    منظمة الصحة العالمية تمنح وزير التعليم العالي التونسي ميدالية جائزة مكافحة التدخين لسنة 2024    صفاقس: وفاة امرأتين وإصابة 11 راكبا في اصطدام حافلة ليبية بشاحنة    تطاوين: البنك التونسي للتضامن يقرّ جملة من التمويلات الخصوصية لفائدة فلاحي الجهة    بمشاركة اكثر من 300 مؤسسة:تونس وتركيا تنظمان بإسطنبول أول منتدى للتعاون.    رولان غاروس: إسكندر المنصوري يتأهل الى الدور الثاني لمسابقة الزوجي    الشايبي يُشرف على افتتاح موسم الأنشطة الدّينية بمقام سيدي بالحسن الشّاذلي    الدخول إلى المتاحف والمواقع الأثرية والتاريخية مجانا يوم الأحد 2 جوان    آخر مستجدات قضية عمر العبيدي..    الانتقال الطاقي: مشروع للضخ بقدرة 400 ميغاواط    انتخاب التونسي صالح الهمامي عضوا بلجنة المعايير الصحية لحيوانات اليابسة بالمنظمة العالمية للصحة الحيوانية    رولان غاروس: أنس جابر تواجه اليوم المصنفة 34 عالميا    حادث مروع بين حافلة ليبية وشاحنة في صفاقس..وهذه حصيلة الضحايا..#خبر_عاجل    بعد الظهر: أمطار ستشمل هذه المناطق    جبنيانة: الإطاحة بعصابة تساعد الأجانب على الإقامة غير الشرعية    الرابطة المحترفة الأولى: مرحلة تفادي النزول – الجولة 13: مباراة مصيرية لنجم المتلوي ومستقبل سليمان    الأوروغوياني كافاني يعلن اعتزاله اللعب دوليا    عاجل/بعد سوسة: رجة أرضية ثانية بهذه المنطقة..    إلغاء بقية برنامج زيارة الصحفي وائل الدحدوح إلى تونس    تونس والجزائر توقعان اتفاقية للتهيئة السياحية في ظلّ مشاركة تونسية هامّة في صالون السياحة والأسفار بالجزائر    بنزرت: الرواية الحقيقية لوفاة طبيب على يدي ابنه    الإعلان عن تنظيم الدورة 25 لأيام قرطاج المسرحية من 23 إلى 30 نوفمبر 2024    منبر الجمعة .. لا يدخل الجنة قاطع صلة الرحم !    مواطن التيسير في أداء مناسك الحج    من أبرز سمات المجتمع المسلم .. التكافل الاجتماعي في الأعياد والمناسبات    شقيقة كيم: "بالونات القمامة" هدايا صادقة للكوريين الجنوبيين    محكمة موسكو تصدر قرارا بشأن المتهمين بهجوم "كروكوس" الإرهابي    مدينة الثقافة.. بيت الرواية يحتفي ب "أحبها بلا ذاكرة"    الدورة السابعة للمهرجان الدولي لفن السيرك وفنون الشارع .. فنانون من 11 بلدا يجوبون 10 ولايات    عندك فكرة ...علاش سمي ''عيد الأضحى'' بهذا الاسم ؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التلفزيون التونسي.. ذلك الرجل المريض
نشر في الصباح يوم 25 - 11 - 2018

صرنا اليوم نتعرض لساعات من البث كلها ثرثرة ودعاية ومواقف ملغومة بالكاد تخفي مطامع أصحابها...
تونس- الصباح
يفسر أغلب الملاحظين تردي مستوى غالبية البرامج التلفزيونية التي تدخل في خانة "التولك شو" أو ضمن نوعية تلفزيون الواقع والتي نشاهدها بالأساس على القنوات الخاصة التجارية، بالتنافس المحموم من أجل الفوز بأكثر ما يمكن من نسب المشاهدة التي تتيح بدورها صيدا وافرا للعقود الإشهارية.
لكن إن كان هذا السبب مقنعا فإنه لا يمكن أن يفسر لوحده الوضع. فهناك أسباب أخرى قد لا تقل أهمية وجب على أهل الاختصاص الوقوف عندها وفضحها إن لزم الأمر لأننا على أبواب مواعيد انتخابية حاسمة ( انتخابات 2019 التشريعية والرئاسية) والتلفزيون هو من وسائل الاتصال الجماهيرية التي مازالت تقوم بدور كبير في مستوى حشد الرأي العام ضد أو مع قضية من القضايا أو طرف من الأطراف.
وإذ نقول أنه وجب الوقوف عند الأسباب الحقيقية التي أدت بنا إلى هذا المشهد المتردي، فلأن أي ملاحظ لا يمكن له أن يقتنع بأن المنافسة على نسب المشاهدة يمكن أن تكون هي لوحدها هي الدافع وراء هذا الكم من الرداءة وإنما لا بد أن يكون هناك هدف آخر وهو مثلا إشاعة مناخ عام من الفقر الثقافي وتسطيح العقول تمهيدا لتنفيذ أجندات سياسية ولتحقيق مصالح خاصة لا علاقة لها بالمصلحة العامة وبمصلحة الوطن.
فقد لاحظنا حرصا واصرارا (غير مجانييّن على ما نعتقد) على تقديم برمجة رديئة على الرغم من ارتفاع الاصوات المنددة بذلك سواء في فضاءات التواصل الإجتماعي على الواب أو عبر المواقع الإعلامية أو حتى في الفضاءات العامة، بل صارت المطالبة بشيء من الجدية مصدر تندر ويستغل اصحاب هذه البرمجة في عديد المرات الكاميرا للاستهزاء بما يعتبرونه محاولة إلى إعادتهم إلى الجادة.
لاحظنا أيضا وجود تنافس وتسابق وتلاحق بين من يمعن أكثر في الاسفاف وفي افساد الذوق العام وضرب القيم الأخلاقية والاستهتار بكل الحرمات وتبرير ما لا يبرر وإيجاد تفسيرات لكل ما هو غريب وشاذ بل ومدح الغريب من الأشياء والتسويق لها حتى صارت قلة الحياء والوقاحة قيمة عالية والجهل مرحب به بل تقع دعوة الجمهور إلى التصفيق على كل ما هو قول رديء واسفاف وعلى كل اعتراف بالجهل والغرور والتباهي بعدم المعرفة دون أن ننسى المواقف التي يقع تمريرها في غفلة من الناس وهي مواقف عادة ما تكون ملغومة وخطيرة ومدروسة جيدا..
كل ذلك بات يقدم باعتماد أسلوب يقوم على التهريج حيث تتحول استوديوهات البث في أغلب الأحيان إلى عبارة عن حلبة يكثر فيها الضجيج والصراخ والإيحاءات المبتذلة والتفكه غير الظريف، أو من خلال التركيز على قضايا جانبية وتناولها في أغلب الأحيان بأسلوب سطحي وركيك بالاعتماد على "محللين ومناقشين ومجادلين"يقع انتقاؤهم بكل دقة لإنجاح سياسة البرنامج.
وهم إن اختلفوا في بعض السمات فإنهم يشتركون تقريبا في قبول قانون اللعبة الذي بدوره لا يشترط الكفاءة والثقافة الموسوعية بقدر ما يشترط مقدرة على السفسطة والمجادلة وتوجيه النقاش نحو كل ما من شأنه أن يثير الحماسة والإثارة مع تجنب المواضيع الدسمة أو النقاشات الجدية وكل ذلك بناء على قناعة مفادها أن المواضيع الجدية وجدية الطرح تثقل على المشاهد وتنفره من البرنامج. فيكفي أن تقدم موقفا كوميديا واحدا في التلفزيون حتى تصير وجها اعلاميا قارا في هذه البرامج ويكفي أن تثير الانتباه عبر احدى الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي بموقف غريب أو بمظهر اكثر غرابة حتى تصبح من نجوم برامج "التولك شو" ويكفي أن تفشل في أي مهنة أخرى غير الصحافة والإعلام والاتصال، حتى تجد ضالتك في مثل هذه البرامج..
وإننا وإذ كنا ندعو أهل الاختصاص من خبراء ودراسين إلى تناول القضية تناولا عمليا دقيقا لعله يساعد على اقناع الراي العام بأن التعرض لكم هائل من البرامج التافهة والموجهة توجيها مقصودا ضد الذوق العام والملغومة بالرسائل المبطنة، له مخاطر كبيرة على الذوق وعلى مستوى التفكير، ولعل مخاطرها لا تقل عن مخاطر التعرض للإشعاعات الضارة، فإن ذلك لا يحول دون الإشارة إلى أن التلفزيون في تونس اليوم هو ذلك الرجل المريض وتحول إلى سلاح يستعمله أهل السياسة والمال واصحاب المواقع في الساحة العامة لتمرير اجندات خاصة. فما أبعدنا عن مشهد متوازن يكون فيه التلفزيون أحد قنوات التوعية وأداة لتحصين المواطن ضد ما يحاك ضده خفية وعلنا.
والمتأمل للمشهد التلفزيوني يمكنه أن يلاحظ أن القنوات التلفزيونية هي اليوم مصطفة حول هذا الطرف السياسي أو ذاك وأن هناك قنوات صارت تمارس الدعاية السياسية بشكل مباشر وصريح وأن بعض القنوات تحولت إلى طرف مباشر في الصراعات السياسية وحروب التموقع في السلطة.
فلم نعد اليوم والوضع على ما هو عليه، نطمع في خدمات اعلامية محكومة بقانون المهنة وباخلاقياتها وإنما صرنا بالأحرى نتعرض لساعات من البث كلها ثرثرة ودعاية ورسائل مبطنة ومواقف بالكاد تخفي مطامع أصحابها ونحن بالتالي إزاء منزلقات خطيرة تهدد المجتمع لأن التلفزيون وإن ظهرت وسائل اتصال جماهيرية جديدة مهمة ومنافسة له، فإنه مازال في بلد في تونس له قدرة هائلة على الحشد وعلى التأثير في توجهت الرأي العام.
وإن كنا نعتقد أن المتفرج يساهم بقدر كبير في اختيارات أصحاب البرمجة بإقباله على برامج هابطة وتافهة، وهو اقبال تؤكده أغلبية نتائج عمليات قيس نسب المشاهدة، إذ عادة ما تفوز البرامج الخفيفة والمنوعاتية وما يسمى بتلفزيون الواقع التي تركز على قضايا مثيرة بأعلى نسب المشاهدة، لكن ذلك لا يعفي صناع القرار من مسؤولياتهم ولا يعفي بالخصوص الدولة من مسؤولياتها. فهناك اليوم فراغ تشريعي كبير في مجال المراقبة، فراغ جعل دور "الهايكا" ( الهيئة العليا للإتصال السمعي والبصري) وهي ما هي عليه اليوم والتي يحتاج عملها إلى مراجعة وتحيين (تشمل القانوني والكفاءات البشرية والإمكانيات اللوجستية) دون فائدة تقريبا.
فهل من المتاح لنا أن نطمع في أن يحدث تدخل سريع في هذا الباب لا سيما وأننا كما سبق وذكرنا على أبواب مواعيد انتخابية حاسمة؟ ذلك هو السؤال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.