قول مأثور كتب بماء الذهب وحكمة بالغة تشربناها ووطدنا العزم معها لتكون دأبنا وديدننا في حياتنا: «خذ الحق من بغيض بعيد ودع الباطل من حبيب قريب». لا نخشى في الحق لومة لائم ولا نبتغي من وراء ذلك جزاء ولا شكورا من أحد. لقد كنا شاهدي عيان مساء الاثنين 28 جانفي 2019 على الاعتصام الذي نظمته الجامعة العامة للتعليم الثانوي بمقر وزارة التربية بتونس العاصمة. حين دقت ساعة بدء التفاوض بين وزارة التربية وأعضاء الجامعة العامة للتعليم الثانوي، التحق الأساتذة المعتصمون ببهو الوزارة وبحديقتها وكان عددهم يقدّر بالمئات وانبروا يرفعون شعارات تمحورت حول المطالبة بإصلاح المنظومة التربوية والتخفيض في سن التقاعد والتمتع بالمنحة الخصوصية. وما هي إلا خمس وعشرين دقيقة تقريبا حتى خرج علينا أعضاء مكتب النقابة العامة للتعليم الثانوي وقد بدت على وجوههم علامات تنبئ بخيبة عدم التوصل إلى حل ينهي الأزمة القائمة بينهم وبين وزارة التربية وتبدّد أمل الإسراع بعودة التلاميذ لمواصلة سنتهم الدراسية وتأمين كل الامتحانات وتدارك كل ما فاتهم على جميع المستويات. ثم ألقى الأسعد اليعقوبي الكاتب العام للجامعة العامة للتعليم الثانوي كلمة أعلم من خلالها جمهور المربيات والمربين بفشل جلسة التفاوض مؤكدا على أن الأزمة مازالت تراوح مكانها وفي الأثناء واصل الأساتذة رفع الشعارات. هكذا كان الأمر دون زيادة ولا نقصان ونحن مسؤولون على هذا التوصيف بحذافيره والله شاهد على ذلك. إلا أننا بهتنا لما جاء في تصريح وزير التربية من أنه وقع اقتحام مكتبه و محاولة الاعتداء عليه جسديا، تصريح استغرب منه معشر الأساتذة الحاضرين أيما استغراب لأنه لا يعدو أن يكون إدعاء عاريا من الصحة « معيز ولو طاروا «. وسرعان ما تناقلت وسائل الإعلام الخبر وأصبحت بعضها تروج لمحاولة الاعتداء على وزير التربية واقتحام مكتبه من قبل ثلة من المربين. هذا التصريح لا يمكننا أن نعلق عليه ولكنّه يذكرنا بحق بما حصل في أحداث 26 جانفي 1978، إحدى وأربعون سنة بالتمام والكمال من تطويق البوليس لمقر الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس والضرب على مناضلي الاتحاد الجهوري للشغل وقواعده النقابية حصارا واعتقالات وهجوما وحشيا بشعا. إلا أن القمع لم يقف عند هذا الحد بل سولت نفس المسؤول الأول عن الإذاعة الجهوية بصفاقس آنذاك أن يقوم بحركة فيها كثير من الافتراء والاعتداء على النقابيين إذ قام بوضع إصبعه في برميل موجود فوق سطح دار الاتحاد مدّعيا أن النقابيين قد ملؤوه بماء الفرق(*). وأضحت هذه الحركة إلى يوم الناس هذا محل تندر من قبل أهالي صفاقس وغيرها «كثر الهم يضحك» فكيف بإمكان أي شخص أن يلقي بيديه في برميل مليء بماء الفرق؟ فكانت الكذبة سافرة والمسرحية سيئة الإخراج بامتياز. واليوم فإن التاريخ يعيد نفسه في شكل مهزلة: اصبع في برميل مليء بماء الفرق واقتحام لمكتب الوزير! (*) ماء الفرق: ماء النار، حمض الكبريت