فصل دموي جديد يعيشه الشعب الفلسطيني ينضاف إلى معاناة الاحتلال والحصار الاقتصادي والاغتيالات والاعتقالات...إذ لا يكفي ما يقترفه الجنود الإسرائيليون من انتهاكات خطيرة في حق شعب يناضل من أجل الكرامة والحرّية بل أصبح الفلسطيني يقوم مقام قوات الاحتلال ويمارس أبشع أشكال التنكيل والتعذيب ضدّ شقيقه الفلسطيني بالوكالة عن المحتل. وبناء على تقارير هيئات رئيسية لحقوق الإنسان فإنّ العشرات من الفلسطينيين المحتجزين لدى «فتح» و«حماس» الفصيلين الرئيسيين في الضفة الغربية وقطاع غزّة يتعرّضون للتعذيب وسوء المعاملة مما أدّى إلى حالات وفاة عديدة. وفي تشخيص لمصادرة الحريات وإلغاء حق الاختلاف ذكرت منظمة حقوقية فلسطينية مستقلة وهيئة دولية للدفاع عن حقوق الإنسان في أحدث تقارير لهما أن استخدام التعذيب بين أنصار الفصيلين في مقرّات الحجز التابعة لهما في غزّة والضفّة في تصاعد مستمر وأن إساءة المعاملة تتزايد قسوة ضدّ المحتجزين، وأبدت كلاهما استغرابها لعدم اهتمام الحكومات العربية والغربية بالقدر الكافي بالمعاملة السيئة المنظمة والممنهجة التي تمارسها ضد بعضها البعض عناصر «فتح» و«حماس». لقد برزت هذه التقارير الحقوقية للعيان بالتوازي مع التصعيد الأمني الخطير الذي يعيشه الشعب الفلسطيني هذه الأيام والموجة الجديدة من الاعتقالات والاعتقالات المضادة التي اكتسحت أغلب المدن الفلسطينية. إنّ هذه الصدامات بين أهالي القرية الواحدة والمدينة الواحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة على أيدي الأشقاء أمر يلغي ولو مرحليا كل امكانيات التقارب وتجدد الحوار الفلسطيني الفلسطيني الذي انفصم منذ سنة إثر استيلاء «حماس» على مقرّات السلطة الفلسطينية في غزّة وتكريس قطيعة مع القيادة مما أفضى إلى أزمة سياسية خطيرة غذّتها أطراف إقليمية وعمّقتها التجاذبات بين مناصر ومندّد عربيا وإقليميا ودوليا. وفي ضوء هذه الحقائق الميدانية المؤسفة فإنّ كلّ ما يريح قوات الاحتلال الإسرائيلي بل ويسعدها هو أن يتولى هذا أنصار هذا الفصيل أو ذاك «إعفاءها» من مهام التعذيب والمداهمات والاغتيالات لتتكفل بها أطراف فلسطينية طالما رفعت السلاح في وجه جنود الإحتلال وكثيرا ما اعتقلت قياداتها ورموزها وزجّ بها في غياهب السجون الإسرائيلية وذاقت من أشكال التعذيب والتنكيل ألوانا على أيدي زبانية المحتل.