إذكاء روح التضامن من أجل دعم التنمية المشتركة والاستقرار الكيباك (وات) توجه الرئيس زين العابدين بن علي الى قمة ملوك ورؤساء دول وحكومات البلدان المستعملة للغة الفرنسية المنعقدة بالكيباك من 17 الى 19 أكتوبر الجاري بخطاب تولى القاءه السيد محمد الغنوشي الوزير الاول. وفي ما يلي النص الكامل لهذا الخطاب: «السيدة الحاكمة العامة اصحاب الفخامة والمعالي السادة رؤساء الدول والحكومات السيد الامين العام للمنظمة الدولية للفرنكفونية السيدات والسادة اسمحوا لي في البداية ان اشكر السلطات الكندية وسلطات الكيباك الصديقة على الاستقبال الحار الذي حظي به الوفد التونسي وكذلك على الجهود التي تم بذلها من اجل تأمين السير الحسن لاجتماعاتنا التي نتمنى لها النجاح التام. كما يطيب لي ان اعبر عن مشاعر الامتنان لفخامة السيد تريان باسيسكو رئيس جمهورية رومانيا لمساهمته القيمة طيلة مدة رئاسته للقمة الحادية عشرة في تعزيز اشعاع منظمتنا في العالم والتعريف بقيمنا المشتركة. ويسعدني ايضا ان اشيد بالسيد عبدو ضيوف الامين العام للمنظمة الدولية للفرنكفونية للجهود التي ما فتىء يبذلها قصد دعم دور منظمتنا وتعزيز مكانتها على الساحة الدولية. ان ندوتنا تكتسي اهمية بالغة لانها تعقد في وقت تواجه فيه المجموعة الدولية عديد المشاكل الشائكة. وعليه فان الفرصة بالنسبة الينا سانحة للتشاور حول افضل السبل لمجابهة التحديات المتعددة المطروحة بحدة على بلداننا وهي تحديات نحن مدعوون الى معالجتها بروح من الحوار والتضامن.. تلك الروح التي ميزت على الدوام الفضاء الفرنكفوني الذي يعد مهد ثقافات خصبة بتنوعها ويمثل مصدر اثراء معرفيا وعلميا ودعامة للتقدم. اصحاب الفخامة والمعالي حضرات السيدات والسادة في عالم تنحو فيه ظاهرة العولمة باتجاه التضحية بالتنوع الثقافي واللغوي باسم الفعالية والنجاعة فان منظمتنا مدعوة الى أن تبرهن عبر النهوض بشراكة مثمرة بين مختلف مكوناتها الثقافية عن قدرتها على التاقلم مع هذا المعطى الجديد على الساحة الدولية ومع التقدم العلمي والتكنولوجي الذي يطبع عصرنا. وقد أتت المواضيع المدرجة في جدول اعمال هذه القمة مستجيبة لهذا المشغل المشترك اذ تغطي عديد المجالات ذات الاولوية التي يتعين علينا ان نوليها اهتماما خاصا قصد تأمين اسباب استقرار مجتمعاتنا وازدهار شعوبنا فضلا عن ضمان ديمومة تراثنا المشترك القائم على روح الحوار وقيم التسامح والانفتاح والتضامن تلك القيم التي نتشبث بها جميعا. وعلى هذا الصعيد يشكل دعم التعاون في ميدان التربية صلب الفضاء الفرنكفوني رهانا جسيما بالنسبة لبلداننا التي تحظى في هذا المجال باستخدام اللغة الفرنسية كاداة للتبادل وتقاسم المعلومات والمعارف. ومن البديهي ان تمكين الجميع من الحصول على تعليم جيد يمثل حقا اساسيا من حقوق الفرد وبالتالي شرطا جوهريا لتحقيق التنمية المستديمة والتقدم في مجتمعاتنا. ولقد اصبح تلاؤم هذا القطاع الاستراتيجي مع متطلبات الجودة والتطورات البيداغوجية والتجديد التكنولوجي ضرورة ملحة لضمان تكوين رفيع المستوى لاجيالنا المقبلة. وفي هذا الاطار بالذات تتنزل مبادرتنا بتنظيم ملتقى دولي بتونس في جوان الماضي حول «تكنلوجيات الاعلام والاتصال في خدمة التربية» والتي لاقت الصدى الايجابي في قمة بوخارست. ومع شكري الجزيل لكل الذين ساندوا هذه المبادرة فاني اتوجه بتحية خاصة الى معالي السيد الامين العام عبدو ضيوف الذي لم يدخر جهدا كي يحقق هذا الملتقى نجاحا باهرا. فقد تمكن المشاركون ومنهم عديد الوزراء المسؤولين على قطاعات التربية وتكنولوجيات الاتصال في الفضاء الفرنكفوني من اطلاق عملية تفكير معمقة حول هذه المسالة التي تنصهر في اطار الديناميكية المنبثقة عن القمة العالمية حول مجتمع المعلومات التي كان لتونس شرف احتضانها في نوفمبر 2005. وقد مكنت اشغال هذا الملتقى التي تميزت بالثراء والكثافة والتي شاركت فيها وفود من خمسين دولة عضو في منظمتنا من تقييم حصيلة الجهود الفرنكفونية في هذا المجال وفتح افاق جديدة للتعاون في الميدان. وعلى هذا الاساس فاننا مدعوون الى العمل من اجل المصادقة على هذه النتائج وادراجها ضمن البرامج المسقبلية لمنظمتنا بما من شانه ان يتيح للفضاء الفرنكفوني تحقيق الاهداف الكبرى ذات الصلة بانبثاق مجتمع المعرفة الذي تشكل فيه التربية والتكوين وتنمية الموارد البشرية دعائم اساسية. أصحاب الفخامة والمعالي حضرات السيدات والسادة ان تونس التي تدعو الى مقاربة شاملة ومندمجة لحقوق الانسان تعرب عن ارتياحها للاهتمام المتنامي الذي توليه المنظمة الدولية للفرنكفونية لهذه المقاربة.. ونعتقد على هذا الصعيد ان الافق الذي يتعين ان يندرج فيه عملنا المشترك لا يجب أن يغفل أن المقومات الاساسية للذات البشرية تشكل كلا لا يتجزأ.. فكرامة الانسان لا تتحقق فعليا دون النهوض بحقوقه في تداخلها وتكاملها. وبالفعل.. أي مصير للحقوق السياسية في غياب قاعدة اقتصادية واجتماعية وثقافية متينة هل يكون التمتع بهذه الحقوق كاملا وكليا في مجتمع يعاني من البطالة ومن الفقر والامية ان الجواب على هذه الاسئلة قد حدا بنا على مدار العشريتين الماضيتين الى ارساء مسار متواصل من الاصلاحات من اجل النهوض بحقوق الانسان في شموليتها وتكريس الحقوق السياسية والمدنية مع العمل بتصميم على ايلاء الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الاهمية الكبيرة التي تستحق. كما عملنا على مضافرة الشروط الملائمة لتوسيع مجال ممارسة حرية التعبير عبر تكثيف التشجيعات لفائدة المبدعين والصحفيين والاتصاليين واحاطتهم بكل الضمانات الكفيلة بمساعدتهم على اداء مهمتهم على أكمل الوجوه. وقد تسنى في سياق هذا التمشي فتح المشهد الاعلامي التونسي وهو أحد دعائم البناء الديمقراطي على المبادرة الخاصة التي تعزز حضورها بشكل كبير خلال السنوات الاخيرة. وفي الاطار نفسه أيضا ومن منطق الحرص على ضمان انخراط كل شرائح المجتمع التونسي في مشروع مجتمعي يجمع بين الاصالة والحداثة تندرج مختلف القوانين الرامية الى تحقيق مساواة اكبر بين الرجل والمراة من خلال فتح افاق واسعة للنهوض الاجتماعي امام المراة التونسية وعبر تمكينها من تعزيز مشاركتها في الحياة السياسية للبلاد ومن الاضطلاع بالدور الموكول اليها في شتى قطاعات النشاط. وكذلك الشان بالنسبة الى الاحاطة بالفئات الاجتماعية ذات الاحتياجات الخصوصية على غرار الطفولة والمسنين والمعوقين وهو خيار يحتل مكانة مميزة ضمن برامج عملنا. ونعرب في هذا الصدد عن ارتياحنا للاهتمام الذي يوليه مؤتمرنا لدعم جهودنا الهادفة الى تكريس حقوق الطفل ومقومات رفاهه في الفضاء الفرنكوفوني ان هذه المقاربة في مجال حقوق الانسان تتيح التقدم في ارساء بناء ديمقراطي لا رجعة فيه يكفل تجنب مظاهر رفض واحتجاج او انزلاقات تكون مصدرا للازمات والنزاعات وضمن هذا الافق يكتسي دور منظمتنا اهمية اساسية بالنظر الى ان نشر الثقافة الديمقراطية في سائر بلداننا يمر عبر تعزيز الشراكات الفرنكفونية المتعددة ولا سيما في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ولا يسعنا في هذا المضمار الا التعبير عن ارتياحنا لكون المجموعة الدولية قد أدركت اليوم التلازم الوثيق بين السلم والاستقرار والتنمية والحاجة الملحة للعمل المشترك من أجل القضاء على الاسباب العميقة للارهاب والعنف في العالم وهي الفقر والحيف والاقصاء وعليه فانه يبدو لنا من الاهمية بمكان التحرك من اجل أن يتم اتخاذ الاجراءات الضرورية لانطلاق عمل الصندوق العالمي للتضامن الذي صادقت عليه منظمة الاممالمتحدة بالاجماع وكان لتونس شرف اقتراح احداثه. اصحاب الفخامة والمعالي حضرات السيدات والسادة ما من شك انه من بين التحديات الكبرى المطروحة علينا اليوم تلك المرتبطة بالبيئة والتقلبات المناخية سيما ان هذه التغيرات ذات الانعكاسات الوخيمة يمكن ان تسبب خسائر في النمو وتعطيل مجهود التنمية وهو أمر يلحق الضرر بالجميع. بل أكثر من ذلك فان تلك التغيرات من شأنها ان تؤدي الى ظواهر هجرة جماعية وقد تصبح بذلك عاملا محتملا لعدم الاستقرار السياسي عبر العالم. ووعيا منا بان هذه المشاكل مطروحة بحدة على البلدان السائرة في طريق النمو سيما البلدان الافريقية فاننا ما فتئنا نكثف النداءات من اجل ان يتركز اهتمام المجموعة الدولية واهتمام شركائنا في الشمال على هذه التحديات التي تمثل بالنسبة الينا حافزا على اذكاء روح التضامن بيننا والتزامنا المشترك من اجل دعم التنمية المشتركة والاستقرار صلب الفضاء الفرنكفوني. وفي هذا الاطار تندرج مبادرتنا بتنظيم "الندوة حول استراتيجيات مجابهة التغيرات المناخية في افريقيا والمتوسط" بتونس في نوفمبر 2007 وتترجم هذه الندوة التي توجت بالمصادقة على خطة عمل للتضامن الدولي ازاء التقلبات المناخية بافريقيا والمتوسط الوعي بضرورة توحيد الجهود وتعبئة كل الطاقات من اجل مجابهة هذا التحدي الكبير. وبالامكان الاستفادة من التوصيات والتوجهات التي تمت المصادقة عليها خلال هذه الندوة في اعداد برامجنا المستقبلية في هذا المجال. السيدة الحاكمة العامة اصحاب الفخامة والمعالي السادة رؤساء الدول والحكومات السيد الامين العام للمنظمة الدولية للفرنكفونية حضرات السيدات والسادة اود في الختام أن أعرب مجددا عن خالص الشكر للحكومة والشعب الكنديين وكذلك لحكومة الكيباك وعن احر التهاني لهم على التنظيم الممتاز لقمتنا التي يبرهن نجاحها على ما يحدونا من عزم مشترك على مزيد دعم جهود منظمة الفرنكفونية خدمة لتقدم بلداننا وتوطيدا للسلم والوفاق في العالم. واؤكد لكم ان تونس لن تدخر اي جهد شانها في ذلك شان مجموعة شركائها الفرنكفونيين من اجل ان تظل منظمتنا العتيدة وفية للرسالة المنوطة بعهدتها كفضاء للتضامن والتشاور واداة لتعاون مثمر من اجل رفاه شعوبنا.