تونس الصباح: ربما بدا حجم حضور القضية الفلسطينية ومأساة الشعب الفلسطيني التي انطلقت منذ أكثر من نصف قرن باعلان قيام دولة اسرائيل على أرض فلسطين التاريخية ثم بتوالي حروب التوسع الاسرائيلية وتشريد الشعب الفلسطيني وتحويله الى مجموعات من اللاجئين في الشتات.. ربما بدا حجم هذا الحضور ضئيلا في السينما التونسية قياسا او مقارنة بما انتجته السينما العربية (المشرقية تحديدا) في نفس الموضوع. ولكن اللافت هنا ان هذا الحضور الضئيل للقضية الفلسطينية في السينما يبدو بالمقابل محترما كميا على الاقل اذا ما قارنّاه بحجم حضورها (القضية الفلسطينية) في السينما المغاربية عموما (الجزائرية والمغربية).. ذلك أن في مقابل الانتاجات السينمائية المشرقية (مصرية ولبنانية وفلسطينية وسورية) الكثيرة التي تناولت مأساة الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين وفضحت مجازره التاريخية البشعة التي ارتكبها ولا يزال في حق الشعب الفلسطيني لا على ارض فلسطين فحسب بل وايضا في مخيمات اللاجئين في بعض دول الشتات العربية لم تكن هناك أشرطة سينمائية جزائرية ومغربية على علمنا حاولت ان تتعاطى مع موضوع القضية الفلسطينية كمحور رئيسي وكبير.. ربما تكون بعض الافلام الجزائرية والمغربية قد تضمنت بعض الاشارات لموضوع القضية الفلسطينية ولكن كأفلام قائمة بذاتها على محور فلسطين والاحتلال الاسرائيلي لفلسطين فان السينما المغربية والجزائرية تبدو شبه منعدمة او مفقودة في هذا المجال.. لذلك، فان الجمهور العربي لم يجد ضالته الا في افلام بعض المخرجين السينمائية الفلسطينيين مثل المخرج رشيد مشهراوي او اللبنانيين او المصريين او السوريين الذين اشتغلوا في بعض افلامهم على موضوع الصراع العربي الاسرائيلي لفلسطين (مجزرة دير ياسين وصبرا وشاتيلا وغيرها..) خاصة.. رضا الباهي يكسّر القاعدة! والواقع ان السينما المغاربية انتظرت طويلا حتى يظهر من بين سينمائييها من يكسّر قاعدة «احتكار» السينمائيين المشارقة لموضوع القضية الفلسطينية في السينما العربية.. انتظرت تحديدا الى غاية ظهور شريط «الخطاف يموت في القدس» للمخرج السينمائي التونسي رضا الباهي الذي يعد ربما الشريط السينمائي المغاربي الطويل الاول الذي قارب من منظور سينمائي قضية الصراع العربي الاسرائيلي.. طبعا، واعتبارا لظهور هذا الشريط السينمائي التونسي في مرحلة ما بعد اتفاق أوسلو (تسعينات القرن المنقضي) اي مرحلة الترويج لمقولات السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين فان شريط «الخطّاف لا يموت في القدس» جاء بين الاسرائيليين والفلسطينيين.. وبصرف النظر عن الموقف السياسي من الطروحات الفكرية والايديولوجية التي تضمنها هذا الشريط فان ميزته الاساسية تبقى أنه مثل الشريط التونسي وربما المغاربي الاول في تاريخ السينما المغاربية الذي تناول القضية الفلسطينية.. اشارات.. اشارات غير ان هذا الكلام لا يعني طبعا ان شريط المخرج رضا الباهي «الخطّاف لا يموت في القدس» كان أول شريط سينمائي تونسي «يُعْنى» بالقضية الفلسطينية فقد وردت بعض الاشارات و«التلميحات» السياسية التي تخص اما قضية الصراع العربي الاسرائيلي عامة او الموقف من الجالية اليهودية في تونس.. ولعل أشهر وأهم هذه الاشارات و«التلميحات» هي تلك التي تضمّنها شريط «صيف حلق الوادي» للمخرج فريد بوغدير وهو الشريط الذي تضمّن مشهدا سينمائي كأنه يوحي بأن اهتمام التونسيين في ضاحية حلق الوادي بزيارة الممثلة الايطالية كلوديا كاردينال للضاحية في صائفة سنة 1967 كان أكثر من اهتمام بالحرب العربية الاسرائيلية التي اندلعت في نفس التاريخ (جوان 1967)! في انتظار «مملكة النمل» ومهما يكن من أمر، فان حضور القضية الفلسطينية في السينما التونسية والذي لا يتجاوز حجمه الان حجم «شريط ونصف!» على أقصى تقدير يبدو انه سيتعزز لا فقط كميا ولكن نوعيا ايضا بشروع المخرج التونسي المقيم بسوريا شوقي الماجري في تصوير شريطه «مملكة النمل» قريبا وهو الشريط الذي سيخصصه لمقاربة مأساة فلسطين التاريخية من منظور سينمائي وابداعي.. وما من شك أننا عندما نقول ان حجم حضور القضية الفلسطينية في السينما التونسية سيتعزز كميا ونوعيا بظهور شريط «مملكة النمل» لشوقي الماجري فذلك اعتبارا لا فقط لنبوغ وحرفيه هذا المخرج التونسي الكبير وانما اعتبارا ايضا للقيمة الفنية لمسلسل «الاجتياح» التلفزيوني الذي اخرجه شوقي الماجري والذي تناول فيه بشاعة الجريمة التي ارتكبتها الآلة العسكرية الاسرائيلية عند اجتياحها لمخيم جنين الفلسطيني.. والذي نال عنه مؤخرا جائزة «ايمي» العالمية..