باجة: تسجيل 7 حرائق بين 1 و27 ماي الجاري والحماية المدنية تنطلق فى تنفيذ خطة لحماية صابة الحبوب    انطلاق تداول القسط الثاني من القرض الرقاعي الوطني 2024 ببورصة تونس اليوم الأربعاء    تقرير: 26 يومًا إضافية من الحر خلال 12 شهرًا مضت    قنابل يدوية على سطح منزل..ماالقصة ؟    قضية فقدان 4 مجتازين تونسيين بسواحل صفاقس: القبض على منظم العملية    عاجل/ تونس تعلن عن موعد أول أيام عيد الاضحى..    إختيار نجم ريال مدريد أفضل لاعب في الليغا هذا الموسم    حادث مرور قاتل بسيدي بوزيد..    مدرب جيرونا يحصد جائزة أفضل مدرب في الليغا    مدينة العلوم بتونس تُعلن عن موعد عيد الإضحى حسابيّا    اللقاحات والصحة الرقمية محور جلسة عمل بين وزير الصحة بممثلي منظمة الصحة العالمية    الملحق التأهيلي لأولمبياد باريس 2024: إسلام الفرشيشي تنهزم امام الاوكرانية "كوفالشوك"    الصناعة الذكية رهان جديد لتنمية الصّادرات    تونس وسويسرا في تعاون في مجال حماية المناخ.. التفاصيل    تفاصيل غرق طفلين بقنال بحيرة تونس    مؤلف المسلسل الرمضاني ''الحشاشين'' يحصد جائزة الدولة للتفوق    جيش الإحتلال يعلن مقتل 3 عسكريين خلال معارك في قطاع غزة    40 بالمئة نسبة حجوزات الجزائريين في تونس خلال صائفة 2024    يوميّا: 20 مهندسا تونسيّا يُغادر الوطن    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الاربعاء 29 ماي    تونس وسويسرا تطلقان التعاون في مجال حماية المناخ وآفاق واعدة للشراكة الجديدة في المجال    البطولة الاسبانية: إشبيلية يعلن رحيل لاعبه إيريك لاميلا بنهاية الموسم الجاري    الحماية المدنية: تسجيل 6 وفيات و411 إصابة في حوادث مختلفة    لأول مرة في العالم: شفاء مريض سكري باستخدام العلاج بالخلايا    اتصالات تونس تختار المشغل الايطالي "سباركل" من اجل طريق جديدة للعبور الدولي لبروتوكول الانترنات IP نحو اوروبا    عاجل : صدمة بعالم كرة القدم    الفيفا تصدر بيانا فيما يخص قضية يوسف البلايلي ..التفاصيل    تونس: كراء سيارة يصل الى 150 دينارا لليوم الواحد    الحماية المدنية: 6 حالات وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    بداية من 1 جوان: تنظيم الدورة السابعة للمهرجان الدولي لفن السيرك وفنون الشارع بتونس    يهم التونسيين : الأسعار الحالية للأضحية تتراوح من 700 إلى 1500 دينار    تفكيك شبكة مختصة في التنقيب على الأثار مالقصة ؟    مفزع/ حجز 188 كغ من الزطلة منذ بداية السنة إلى غاية الأسبوع الحالي..    يوم مفتوح بعدد من الولايات للتحسيس بمضار التدخين    وزارة التربية تكشف حقيقة عقد اتفاقية شراكة مع مؤسسة "سمارتيرا"..#خبر_عاجل    الجزائر تتقدم بمشروع قرار لمجلس الأمن الدولي "لوقف العدوان في رفح"..    طقس الاربعاء: الحرارة تصل الى 39 درجة بهذه المناطق    عاجل/ إخلاء مستشفى القدس الميداني في رفح بسبب تهديدات الاحتلال..    بطولة رولان غاروس : برنامج النقل التلفزي لمواجهة أنس جابر و الكولومبية كاميليا أوزوريو    اليوم: مجلس النواب يعقد جلسة عامة    نمت بأكثر من 3 %... الفلاحة تتحدى الصعاب    بورصة تونس ..مؤشر «توننداكس» يبدأ الأسبوع على ارتفاع    تحطم طائرة عسكرية من نوع "إف 35" في ولاية نيومكسيكو الأمريكية (فيديو)    الاحتلال يترقب قرارا من غوتيريش يصنفها "قاتلة أطفال"    280 مؤسسة توفر 100 ألف موطن شغل تونس الثانية إفريقيا في تصدير مكونات السيارات    افتتاح الدورة السادسة للمهرجان الدولي للموسيقيين والمبدعين من ذوي وذوات الإعاقة بعد أكثر من 4 سنوات من الغياب    تعظيم سلام يا ابن أرض الرباط ... وائل الدحدوح ضيفا على البلاد    قبل جولته الأدبية في تونس العاصمة وعدة جهات، الكاتب جلال برجس يصرح ل"وات" : "الفعل الثقافي ليس فقط في المركز"    وزير الصحة يشارك في مراسم الاعلان عن مجموعة أصدقاء اكاديمية منظمة الصحة العالمية    وزارة الصحة تنظم يوما مفتوحا بعدد من الولايات للتحسيس بمضار التدخين في اليوم العالمي للامتناع عن التدخين    الليلة أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 18 و28 درجة    فتح باب الترشح للدورة 36 لمهرجان المحرس الدولي للفنون التشكيلية    27 ألف مشجّع للنادي الافريقي في دربي العاصمة    عاجل :عطلة بيومين في انتظار التونسيين    في الملتقى الوطني للتوعية والتحسين البيئي... ياسين الرقيق يحرز الجائزة الأولى وطنيا    في إطار تظاهرة الايام الوطنية للمطالعة بعين دراهم ...«الروبوتيك» بين حسن التوظيف والمخاطر !    أولا وأخيرا «عظمة بلا فص»    معهد الفلك المصري يكشف عن موعد أول أيام عيد الأضحى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مائوية شاعر الحرّية والخلود
نشر في الصباح يوم 24 - 02 - 2009


وثيقة أولى
حفلة تأبين الشاعر أبو القاسم الشابي الملتئمة بتونس يوم الأحد
21 أكتوبر 1934 تشرع الاسرة الثقافية الموسّعة بتونس انطلاقا من اليوم الثلاثاء 24 فيفري الجاري في الاحتفال بمائوية ميلاد الشاعر الكبير
الخالد أبي القاسم الشابي. ومساهمة منّي في هذا الحدث الثقافي الهام الذي أذن بتنظيمه سيادة الرئيس زين العابدين بن علي إيمانا منه بمساهمة المثقّف التونسي الفعّالة منذ عهدي الاستعمار والحماية في بناء الدولة الحديثة وتحريرها وتقدّمها وإشعاعها، ارتأيت إفادة السادة قرّاء جريدة " الصباح " الغرّاء وإتحافهم بمقتطفات هامّة من وثيقة تاريخية نادرة كنت قد أشرت إليها في دراستيّ المتعلّقتين بالشاعر أبي القاسم الشابي وهما "البؤس والالم في قصيد الاشواق التائهة" و"ظاهرة الموت عند الشابي" وذلك في كتابي "قراءات نفسجدية لنصوص إبداعية" الصادر في شهر مارس من سنة 2005. ويتعلّق الامر بكتيّب صغير هو أشبه ما يكون بالنشرية يحمل عنوان "ذكرى الشابي" وهو عبارة عن "صورة مصغّرة من حفلة تأبين فقيد الادب التونسي المرحوم أبو القاسم الشابي التي أقامتها الشبيبة المدرسية يوم الاحد 21 أكتوبر 1934" (أي بعد قرابة أسبوعين من وفاته) كما أشار إلى ذلك وفي وجه الكتيّب ناشره الطيب العنابي وهو "خريج جامع الزيتونة الاعظم ومدرسة ابن خلدون وكاتب الشبيبة المدرسية" وقد كان صدور هذه الوثيقة سنة 1934 حيث طبعت بمطبعة الاتحاد بتونس.
أمّا عن محتوى هذا الكتيّب أو النشرية فقد بدأ بتمهيد للناشر الطيب العنابي حيث يشير فيه إلى أسباب نشره لهذه الوثيقة التي أصبحت جدّ هامّة اليوم قائلا: "لقد رأيت أن أطبع هذه النشرة كمشاركة صغيرة في تخليد ذكرى المرحوم أبي القاسم الشابي وهي تحتوي على صورة مصغّرة من حفلة التأبين التي أقامتها جمعية الشبيبة المدرسية التونسية فرع قدماء الصادقية للفقيد العزيز يوم الاحد 21 أكتوبر 1934".
أمّا عن بقية محتوى الكتيّب فقد وردت المداخلات أو جزء منها أو ملخّصا لبعضها بالوثيقة المذكورة مرتّبة حسب تداول المتدخلين في حفلة التأبين وقد كان الامر كالاتي:
- الاستاذ الصادق المقدّم رئيس الشبيبة المدرسية (آن ذاك).
- الصحفي الاستاذ الطيب بن عيسى صاحب جريدة "الوزير".
- الصادق حمادة التلميذ بالمدرسة الصادقية.
- الاديب مصطفى خريّف.
- الاديب الشيخ التيجاني بن سالم صاحب كتاب "تونس الحديثة".
- مصطفى المؤدّب المتطوّع بجامع الزيتونة.
- مصطفى النملاغي.
- الطاهر بسيّس.
- عبد المجيد الشابي.
- عبد العزيز الشابي (ابن عمّ الشاعر أبي القاسم الشابي).
وإثر ذلك نجد ما ألقاه بالنيابة الاستاذ الصادق المقدّم من رسائل ونصوص وردت من جمعيات وشخصيات أدبية تعذّر عليها الحضور وهي:
- كلمة شاعر الشباب محمود بورقيبة.
- رسالة واردة من نادي الشباب المدرسي بصفاقس تحمل توقيع مصطفى الجد الكاتب العام للنادي.
- رسالة أحمد سالم بلغيث أمين مال الشباب المدرسي بصفاقس.
- نصّ وارد من الجزائر بإمضاء كلّ من محمّد العيد ومفدي زكريا.
- مكتوب وقصيد واردان من الشاعر مفدي زكريا.
ونظرا لاهمية هذه الوثيقة التاريخية التي تعود إلى أكثر من 74 سنة خلت، يسعدني وعبر جريدة " الصباح " التي تتطلّع دوما للتفرّد والتميّز موافاة قرّاءها الكرام في تونس العزيزة وخارجها بمقتطفات من كتيّب " ذكرى الشابي " المشار إليه أعلاه - وكما وردت حرفيا وبكلّ أمانة (رغم وجود بعض الاخطاء التي قد تكون مطبعية بالاساس) بكلمة السيد الصادق حمادة وكلمة الاديب الشيخ التيجاني بن سالم ومكتوب وقصيد الشاعر الجزائري مفدي زكريا آملا أن أكون قد ساهمت ولو بقسط في إحياء أثر قد يكون لفه الغبار وتناسته أقلام الباحثين وذلك لانّ أبا القاسم الشابي قد ولد شاعرا مكتنزا بآلامه وغادر الحياة مثقلا بأحلامه وترك للاجيال اللاحقة صرخة الوطن والحرية والكرامة وعزّة النفس وكبرياء العظماء. لذلك بقي وسيبقى شاعر تونس الاوّل والاكبر رغم ما يستشفّ هذه الايام من محاولات التصغير التي شرع بعضهم في رسمها على جدران الخيبة وبدأ آخرون في دقّ مسامير عجزهم على نعش الهزيمة والاستسلام والهروب من مرارة الحقيقة التي يرفضون الاعتراف بها، ولا أجد في النهاية أروع من ردّ مقنع على موقف هؤلاء غير إجابة الشاعر أبي القاسم الشابي نفسه في قصيده " نشيد الجبّار " الذي نظمه يوم 15 ديسمبر من سنة 1933 حيث يقول:
وأقول للجمع الذين تجشّموا هدمي وودّوا لو يخرّ بنائي
ورأوا على الاشواك ظليّ هامدا فتخيّلوا أنّي قضيت ذَ مائي
وغدوا يشبّون اللّهيب بكلّ ما وجدوا..، ليشووا فوقه أشلائي
ومضوا يمدّون الخوان، ليأكلوا لحمي، ويرتشفوا عليه دمائي
إنّي أقول لهم ووجهي مشرق وعلى شفاهي بسمة استهزاء -:
"إنّ المعاول لا تهدّ مناكبي والنّار لا تأتي على أعضائي"
"فارموا إلى النّار الحشائش.. والعبوا يا معشر الاطفال تحت سمائي"
مقتطفات من نشرية " ذكرى الشابي " (1934)
كلمة السيد الصادق حمادة التلميذ بالمدرسة الصادقية:
منذ أسبوعين انتقلت إلى سماوات الخلد روح فقيد الشعر والادب المرحوم أبي القاسم الشابي. منذ أيّام قلائل عرجت تلك الرّوح الكريمة إلى الرفيق الاعلى لتتسلّى بمجاورته من جحود هذا الزّمن.
مضى نصف شهر وقد صعدت تلك الرّوح الزكية نحو معالي الابدية قاصدة جنات عدن محفوفة بالانوار القدسية لتجد هناك عزاها من كنود أهل هذا العصر.
تمتّعي أيّتها الرّوح النبيلة بمجاورة الملك الاسمى فقد أتى دورك من أن تسخري بهذا العالم الفاني بعدما أعرض عنك وأدار وجهه منك.
لقد عشت في مكان لم يكن معدّا لك لولا القدر لقد احتملت من بغي هذا العالم الارضي ما لم يقدر على احتماله غيرك وعرفت من صروفه ما لم يعرفه أحد. فعيشي إذن قريرة العين وانسي ذلك الماضي المظلم وافتحي عينيك إلى نور الابدية المشرق واكتحلي به وغنّي واطربي وانشدي أناشيدك العذبة وردّدي أغاريدك الحلوة.
تبختري أيّتها الرّوح الشهيدة في الفردوس الامين وتجوّلي وامرحي في دعة وسكون وتنعّمي في ظلّ ذلك المقرّ الابدي الهادي بما بخلت به عنك هذه الدنيا الحقيرة واقطفي من أزهار الجنة النضرة ما شئت أن تقطفي لتذهبي عنك تلك الزهرات الاثيمة التي وخزت تلك اليد البيضاء والاصابع (السمحاء) من غير أن تقترف ذنبا سوى أنّها أشارت بالاصلاح والتجديد.
اسمحي الان أيّتها الرّوح الملائكية لصوتك الرّخيم الخالد أن ينشد أغاني تلك الحقائق السامية في جوّ الملكوت الالاهي واطلقي عنانة ودعيه يصدع بها ويتنوّح بصور الكون الفاتنة.
اعزفي أيّتها القيثارة مالك سكتّ ألم تكوني الان بعيدة عن تلك الايادي المجرمة القاسية التي طالما حاولت تحطيمك وتكسيرك فاملئي إذن بدوّيك المشجي المسكر فضاء ذلك العالم السماوي الذي أضحيت فيه.
أي أبا القاسم
يا من رفعت مجد العربية وخدمت آدابنا القومية بصدق وإخلاص يكفيك فخرا ما خلدته لنفسك بين صفحات التاريخ بتلك الاثار القيمة. رحمك الله وتلقاك بعفوه وأسدل عليك ستار رحمته ومنّه.
نم لقد مات من ملك رقاب القوافي وضرب في الفنّ بسهم وافر. لقد مات زعيم النهضة الادبية وقائدها. لقد مات من أورث العربية مجدا وزادها فخرا. فابكي يا عين واحزن يا قلب ونوحي يا تونس فمصيبتك عظيمة وخسارتك فادحة.
لقد مات أبو القاسم لكنّ ذكره حيّ لم يمت وسيدوم منقوشا على قرارة النفوس مدى الدّهر وسيظلّ أبدا منطبعا على صفحات القلوب وسينتقل إلى الجيل المقبل وسيكون له مثلا أعلى وأسوة حسنة يقتفي أثرها.
وهل يفنى ذكر من خلّف آثارا لا تبليها يد الزّمن العابثة بكلّ شيء. وهل يزول ذكر من قد اجتهد في رفع أدب أمّته كلّها. فإن كان ذا فلمَ يخدم المرء طول عمره ولمَ يكدّ ويجتهد ؟.
لقد خلّف الفقيد رحمه الله آثارا ثمينة قيّمة تدعو إلى الاعجاب بصاحبها وإلى الاعتراف له بالمقدرة والقيمة الادبية الرفيعة. فلطالما أسمعنا صوت قيثارته الرنين ولطالما متّعنا بقصائده الشيقة الغرّاء.
سادتي
إنّي مهما أطنبت في شكر هذا الرّجل الجليل الذي يعتبر أجل خسارة خسرها قطرنا العزيز فإنّي لست بمبالغ فهو ولا مراء لابرع شاعر أنجبته تونس في عصرنا هذا ولذا نرى الجرائد الشرقية قد فتحت له صدرها وجعلته في صدر محرّريها وكتابها. ومع هذا فقد عاش متروكا من مواطنيه فلم يعتن به أحد ولم يوجّه إليه أحد نظرة سوى أفراد قلائل من حاملي لواء العلم في هذا البلد حتّى أنّه لما أتى الحاضرة للاستدواء فقد جاءها غريبا وغادرها غريبا. وهذا شأن كلّ عظيم فقيمته الصادقة لا تعرف إلاّ بعد مماته. ولا تدرك إلاّ حينما يصير رهن القبر.
فلننحني إذا بكلّ إجلال وتعظيم أمام تلك الشخصية البارزة التي فقدت وهي في زهرة الشباب ولنطأطئ الرؤوس طويلا إذعانا لرفعتها واعترافا بقيمتها متمنّين لها العفو والمغفرة من لدن العزيز الحكيم.
كلمة الاديب الشيخ التيجاني بن سالم صاحب كتاب "تونس الحديثة":
أيّها السادة والشبان
مات الشابي فترك فراغا لا يملاه غيره وقد تمضي أعوام وأعوام ولا تأتي سنة بمثله. فخسارة الوطن بموته فادحة ومصاب الشباب بذهابه عظيم.
مات الشابي بعلّة تضخّم القلب واختطفته المنون في مقتبل الشباب فمضى شهيد قلبه ومضى فداء شباب كان يفهمه ويحبّه ويحنو عليه.
عاش الشابي مختليا بشعره وحضر موته شقيقه وحده ودخل قبره وأمله وطيد في ملاقاة الحقيقة. فطوبى له ما كفته من الحياة الدنيا نفسه وطوبى له ما كانت نظرته الاخيرة لاخ يثق به ويطمئنّ إليه ويحبّه وطوبى له وقد كانت الموت عنده نهاية الخيبة وبداية للسير في سبيل الحقيقة.
إنّ الذي تحتفلون بإحياء ذكراه يا سادة رمز الفتوّة في أهلها ورمز الشباب في حيويته ورمز الكهولة في تبصّرها ورمز الشيخوخة في ضعفها. فقد عاش الشابي مؤملا حسّاسا مفكّرا ومريضا أيضا.
كان مبتليا بعلّة جاهره الطبّ باستحالة برئها فاستطاع بشجاعته وصبره أن يعيش شاعرا مفكّرا بصيرا تاركا للمرض حرّية عمله وحياة يحوطها الرعب مأذونة بتشويه الاحساس وإساءة التفكير. فبماذا نعلّل صحة تصوّرات الفقيد وصدق تصويره وهو كما علمنا طريد الموت على الدّوام ؟. إنّني يا سادتي مؤمن بالكرامة وهذه الحياة الغريبة للصديق الراحل لهي أكبر الكرامات.
الشابي يا أيها الشبان والسادة مخلص في شعره بارع في صناعته فهو الاديب الفنان الذي يريك من ثنايا نتاجه جملة نفسه. فإن ارتحل أبو القاسم إلى جوار ربّه ففي ديوانه نجد روحه وجسمه. فهو شاعر عربيّ قادر على إبلاغ مشاعره وإحساساته نحو الحياة لسواه. فهو يطيل الملاحظة والتفكير حتّى يفهم ويتذوّق ويهضم ما داخل نفسه. ويجيد الوصف والتصوير حتّى يجعلك تلمس وتشمّ وترى ما يريد حكايته لك.
الشابي يحترم نفسه في تواضع فجاء شعره سلسا متينا. والشابي مؤمن بالمثل العليا فجاء شعره بيضا من الحبّ والامل والرحمة والاحسان. والشابي يجرّ ماضيا فاجعا ويحمل جسما ضعيفا فامتلا شعره بأذكار الموت واستنكار نظم حياة الانسان. إنّنا جميعا كلّما سئمنا ضيق الحياة الدنيا سألناه تعالى حسن الخاتمة. أمّا شاعرنا فقد طلب الموت قصد التمتّع بروح الخير والكمال الواجب استكمالهما في كلّ مجتمع محترم شريف.
سادتي
لو مدّد الله حياة صديقنا الفاني لنازع العروبة حماية لغة القرآن ولشاد لتونسنا العزيزة مدرسة أدبية ممتازة لكنّه وقد لبّى داعي ربّه فلنتسلّ بما كان عليه صديقنا من الطمأنينة لمستقبله ساعة موته.
قصيد الشاعر الجزائري مفدي زكريا
(ألقاه نيابة عن الشاعر الذي قد تعذّر عليه حضور حفلة التأبين الصادق المقدّم رئيس الشبيبة المدرسية آن ذاك)
التقديم:
أيّها الحفل الرّهيب
في ساعة مؤخّرة جدّا بلغنا أنّكم تقيمون حفلة تأبين للشاعر الفحل المرحوم أبي القاسم الشابي يوم 21 أكتوبر ولم تكن الظروف لتسمح لي بمشاركتكم مشاركة كاملة إلاّ أنّ الواجب المقدّس وهو واجب مشاركة كلّ قطر من أقطار الشمال الافريقي في سرّائه وضرّائه مهما كانت الظروف قاسية جعلني أتقدّم إليكم بهذه القصيدة المنظومة تحت تأثير الاضطرابات الكثيرة وأخرى أنّ الرابطة القومية التي تربطني بالفقيد لا تدعني أتقهقر أمام شيء واجب لست في حلّ منه مهما كانت الاعذار معقولة وعسى أنّ عين رضاكم تتغاضى عمّا فيها من تقصير.
القصيد: (بدون عنوان)
طربت أمس هناء واليوم أبكي عزاء
تلك الدنيا عوّدتني خداعها والرياء
حتّى رأيت سواء بكاءها والغناء
و(أمّ دفر) عجوز تباشر الفحشاء
أضاعت الرشد لمّا أضاعت الخرفاء
كم أجزلت لي رضاها وبادلتني الولاء
وكم أرتني وجها مهلّلا وضّاء
وناولتني ثغرا لثمت فيه الرّجاء
حتّى إذا رمت وصلا وجئت أرجو الوفاء
رأيتها وهي تنسا ب حيّة رقطاء
وكم لها من إهاب تغري به البسطاء
حتّى إذا لمسوها تبدّلت حرباء
يا ناعي الشعر هلاّ كفى البلاد بلاء
في كلّ يوم حداد يبقي البلاد خلاء
في كلّ يوم مصاب يبكي العيون دماء
وأكبد مزّقتها يد البلاء أشلاء
وأنفس ضارعات حرّى تعاني الشقاء
في كلّ بيت أنين يفتّت الاحشاء
وكم بها زفرات ألهبن هذا الفضاء
أما كفاها صليا أما كفى برحاء
مآتم تلو أخرى تذري القلوب هباء
رحماك يا ربّ يا من خلقتنا ضعفاء
لم نذرع في الرزايا إليك إلاّ الدعاء
ويا بني (تلك)!! مهلا لا تركبوا الخيلاء
كنّا لكم شرفاء كونوا لنا شرفاء
يا خالد الذكر فاهنا لقد بلغت البقاء
نم في الضلوع وخذ هذه القلوب غطاء
بنيت فيها عروشا لمن تركت البناء
تبكيك زهر القوافي فافرغ عليها العزاء
قد كنت فيها أمينا تقدّس الامناء
تروي الحديث عن القلب صادقا لا هراء
فلم تقلّد لبيدا فيه ولا الخنساء
فكان شعرك حرّا وكنت فيه ثناء
والشّعر إن كان لغوا فناد فيه العفاء
يبلى غدا فيلقى تصدية ومكاء
سئمت دهرك لمّا عانيت داء عياء
فجئت للموت ترجو على يديه الشفاء
ناديت بالشعر عزرا ئيلا فلبّى النّداء
ولو درى أنّها رو ح شاعر ما أساء
كفى ذوي الشّعر أن ينالوا البقاء
لو سامح الموت قوما لسامح الشعراء
نم هانئا مطمئنّا واطرح هناك العناء
هذا رثائي وإن كنت لا أجيد الرّثاء
ولدت هشّا طروبا وما ألفت البكاء
فاقبل من الاخت منّي تحيّة وولاء
واسجد لربّك شكرا ونل هناك الجزاء
وثيقة ثانية
قصة «رسالة للشابي» يرويها الأديب أبو القاسم كرو
جاء في مداخلة للأديب الكبير ابو القاسم محمد كرو في خمسنية الشابي 1984 بعنوان «الشابي من خلال وثيقة نادرة بخطه او اضواء جديدة حول الخيال الشعري عند العرب»
«هذه رسالة كتبها الشابي الى الدكتور علي الناصر الشاعر والطبيب السوري المولود بحماه سنة 1894 والمتوفي بحلب مقتولا بالرصاص داخل عيادته سنة 1970 ويعود الفضل الى الصديق سامي الكيالي الذي توسط في الحصول على هذه الرسالة من الدكتور الناصر وكان ذلك سنة 1966 على مرحلتين ففي الاولى نسخ لي الاستاذ الكيالي نصي الرسالة بخطه وفي الثانية بعث لي بنسخة مصورة عنها كما هي بخط الشابي».
أغزر المؤلفين
يعتبر الاديب الكبير ابو القاسم محمد كرو اغزر المؤلفين والمبدعين الذين كتبوا عن ابي القاسم الشابي وله في ذلك المؤلفات التالية:
* الشابي: حياته وشعره: طبعته الاولى سنة 1952
* كفاح الشابي: الطبعة الاولى 1954
* آثار الشابي وصداه في الشرق: الضيعة الاولى 1961
* دراسات عن الشابي الطبعة الاولى 1966
* الشابي من خلال رسائلة الطبعة الاولى 1971
* نثر الشابي: الطبعة الاولى 1994
* رسائل حول الشابي: الطبعة الاولى 1994
* صور كلمات: الطبعة الاولى 1994
* شعراء المغرب (تحقيق) الطبعة الاولى 1994
الى جانب: اغاني الحياة والخيال الشعري عند العرب: كتابان اعيد نشرهما تحت اشراف اديبنا الكبير ابو القاسم محمد كرو علاوة على اكثر من 100 مقالة منشورة و4 كتب مخطوطة (دفاعا عن الشابي الشابي في الاذاعات الشابي بخطه (ترجمته قصائده نثره) الشابي شاعر احبه)
وثيقة ثالثة
ميخائيل نعيمة يتحدث عن الشابي
بادر الأديب الكبير أبو القاسم كرّو سنة 1952 باصدار أول كتاب حول شاعر تونس الخالد أبو القاسم الشابي بعنوان «الشابي حياته شعره».
وقد سعى اديبنا الكبير أبو القاسم محمد كرو أمد الله في انفاسه باهداء نسخة من هذا الكتاب الى الأديب الكبير الراحل ميخائيل نعيمة الذي رحّب بالهدية من خلال رسالة بعث بها الى المؤلف عام 1953 وهذا ابرز ما جاء فيها:
«... وأمّا كتابك عن الشابي فهو في نظري خدمة جليلة للأدب العربي وللمكتبة العربية فهذا الشاعر الفذ الذي طوت المنون صحيفة عمره وهو مايزال في ريق الشباب جدير بان يعرف العرب في كل اقطارهم اين بنت وكيف عاش وعمّا ذا تفتقت قريحته الجيّاشة بالثورة على الظلم والبشاعة والتواقة الى العدل والحرية والجمال، فليس يكفينا أن نعرف انه القائل:
اذا الشعب يوما اراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر
ولا أبالغ اذا قلت ان أكثر الذين سمعوا بالشابي لا يكادون يذكرونه الا بتلك القصيدة «ارادة الحياة» فكتابك عنه قد جاء في وقته، بارك الله فيك».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.