سأعود لموضوع الطفولة ومدى تأثيرها في نشأتنا من خلال عمل مسرحي قدم منذ سنوات في فضاءاتنا المسرحية وأعني بذلك مسرحية «جنون» للفاضل الجعايبي وكذلك من خلال ملتقى جمع بين أطفال العراق والكويت وكان قد حدثني عنه الفنان دريد لحام. بالنسبة إلى المسرحية يعتبر البعض أن سر نجاحها بصفة كبيرة يعود إلى تجسيدها و«مسرحتها» لحكاية واقعية. حكاية المريض النفساني والفصامي نجيب والذي يعرف في هذه المسرحية بشخصية «نون». وقد تكون هذه المناسبة هي الأولى التي ينظر فيها لهذه المسرحية من زاويته الواقعية فكل الكتابات التي نشرت في الصحف -على حد ما أخبرنا به صديقنا محمد علي بن جمعة -كانت كلها فنية. علما وأن محمد علي بن جمعة قد تقمص دور نون في مسرحية جنون. عدنا لموضوع الطفولة أيضا من خلال حديث مع احد الأصدقاء وهو مختص في علم نفس الطفل لما له من علاقة بمستقبلنا الاجتماعي والنفسي والقيمي والأخلاقي في سن الشباب وما بعدها. وقد ذكر لي أحد أطباء الاختصاص ممن يعرفون حالة نون أن مرضنا النفسي هو درجات ولا يوجد شخص واحد في الكرة الأرضية معاف منه ولكن الهام أن يكون الواحد منا على وعي وإدراك بعقده أما الذي يتجاهلها ويحاول الهروب منها ويصدرها لغيره فمرضه النفسي يصبح مركبا ومستعصيا. ويضيف هذا الطبيب قوله بأننا جميعا في حاجة إلى مساعدة نفسية وان زيارة طبيب في هذا الاختصاص ليس جريمة ولا عيبا لمن يريد أن يكون متوازنا. هذا الكلام عاد بذاكرتي إلى الماضي. إلى الأستاذة ألفة يوسف (الجامعية والإعلامية) وأهمية موعدها مع طبيبها النفسي وأنا أضبط معها موعد عمل. لقد ذكرت لي ألفة يوسف وقتها أنها في ذاك التاريخ الذي حددته لمعادنا يصادف حصتها مع طبيبها النفسي وهو ما اعتبرته وقتها دلالة على سلبية ما... لكنني الآن فقط اقتنعت بأن الأشخاص مثل ألفة يوسف هم المتصالحون مع أنفسهم وأن إخفاء الضيق النفسي هو في حد ذاته مرض لكن الوعي به هو بداية الشفاء منه. بدأت حكاية «نون» أو نجيب منذ سن الخامسة من عمره وهو يتعرض للاغتصاب من طرف شقيقته الكبرى باعتبار أن كل الأخوة يتقاسمون نفس الفراش لظروفهم العائلية الصعبة وتعقدت أموره النفسية أكثر لما تعرض للاغتصاب من جاره البحار.وانفجر وضعه النفسي ليلة زفاف شقيقته المذكورة سلفا ليحيل إلى مستشفى الأمراض العقلية بالرازي حيث كانت في انتظاره الأستاذة ناجية الزمني والتي تولت الإشراف على علاجه إلى أن كتبت كتابها عنه «يوميات فصامي» باللغة الفرنسية والذي حوله الفاضل الجعايبي وجليلة بكار إلى مسرحية عنوانها كما معلوم «جنون». وفي إطار علاجه طلب أطباء نون من المخرج فاضل الجعايبي بالسماح لنجيب أن يواكب عرضا من عروض مسرحية «جنون» لعل هذا الأسلوب يفيدهم في علاجه وعلى أمل أن تساعد هذه المسرحية نون الحقيقي وتخفف من أزمته النفسية على حد ما رواه لنا محمد علي بن جمعة منذ أيام. وفعلا حصل ذلك دون علم الممثلين بحضور نون الحقيقي في القاعة. وقد حدثني الممثل محمد علي بن جمعة عن موقف نون الذي التقاه غداة العرض وقضى معه يوما كاملا. ولئن رفض محمد علي بن جمعة الخوض في التفاصيل الخاصة التي تحدث فيها مع نون فانه قد انتهى إلى خلاصة وحقيقة وهو أن نون كان ضحية إهمال في طفولته. وباعتبار أن مستقبل وطن ما يمر حتما عبر الطفولة على حد قول دريد لحام عندما حدثني عن أمر آخر اعتبره خطيرا وجريمة في حق الأطفال وهو أن يساهم التلفزيون في بث الكراهية والحقد في الطفل عوض أن تكون المحبة وحدها من يستعمر قلبه حتى يصل إلى السن المناسبة ويصبح قادرا على التمييز واخذ القرار المناسب له. في هذا الإطار حدثني دريد لحام عن حادثة وقعت له في أحد المؤتمرات الموجهة للطفل وكان يحضرها وفد من أطفال العراق ووفد من أطفال الكويت وقد نشب بين الوفدين خصام حاد وصل إلى العنف ...ولم تنطفئ نار دريد لحام إلا لما صالح بين هؤلاء الأطفال وقضى على كل حقد بينهم وهم في الأصل من وطن عربي واحد على حد قوله... وخلص دريد لحام إلى أن مثل هذه الأشياء التي تعلمها الأطفال من التلفزيون صحبة العائلة هو خطر كبير على نشأتهم السليمة... وبعد كل هذا لا نقدر أن نقول سوى على «نخب الوطن يا غوار» وحيد عبد الله