المائدة المستديرة التي انتظمت بالنادي الثقافي الطاهر الحداد حول تجربة الهكواتي سالم اللبان في كتابة النصوص السردية بمناسبة اختتامه لسنته على جناح السرد حضرها عدد كبير من المثقفين والفاعلين في الساحة والأدباء الذين عايشوا التجربة وكانوا شاهدين على تطور جميع مراحلها وخاصة منهم أعضاء نادي القصة بالنادي الثقافي أبو القاسم الشابي الذين احتضنوا هذه التجربة وشجعوا صاحبها ولامسوا مجاهدة سالم اللبان لنفسه وتفانيه من اجل رفع التحدي والالتزام بما وعد به. وقد كانت بالنسبة للبعض منهم مغامرة مجهولة العواقب وجب التعامل معها بشيء من الحذر ولكن سعة الصدور وسنة النادي في الانفتاح على كل التيارات وتقاليده في تشجيع التجارب واستقطاب أهلها لضخ الدماء الجديدة من ناحية والرغبة الصادقة في مواكبة التطور العلمي والاستفادة من وسائل الاتصال الحديثة وتوظيفها لخدمة القصة في تونس من ناحية ثانية هو الذي دفع عددا من الأعضاء الى مواكبة هذه التجربة وانتظار نتائجها. افتتحت الجلسة بعرض" ديابوراما" بعنوان "موتا في الكلمات" أهداه سالم اللبان الى الراحلين الشاعر منور صمادح والفنان حمادي العجيمي وهو عبارة عن مجموعة صور ثابتة لكل منها حكاية اختارها من بين الصور التي التقطها بنفسه خلال زياراته لعدد من الولايات وأرفقها بنصوصه السردية التي نشرها على الانترنات وعرضها على خلفية موسيقية اختارها أحمد عياض اللبان وهو أحد أعضاء مجموعة الجسر الصغير للبحوث الموسيقية والمشهدية. محمد علي اليوسفي :رواية مكتملة العناصر بعدها مباشرة أسندت الكلمة للشاعر والروائي والمترجم محمد على اليوسفي ليبدي رأيه في الجزء الأخير من تجربة سالم اللبان فقال:"فاجأني سالم بقدرته على التصوير وبنصه الذي قال انه سرد ولما قرأته وجدته رواية مكتملة العناصر... فاجأني بقدرته على التصميم والتخطيط بعيدا عن المعتاد والمزاجية وهو في هذا يذكرني بالشاعر الراحل محمود درويش الذي كان في سباق مع الزمن وبالروائي سليم بركات.. .هذا التخطيط وهذه التحديات تثير حيرة لا يبددها إلا المنجز الذي كتب بلغة سلسة جميلة فيها الكثير من ابتكار أسلوب توصيل الفصل إلى الفصل. ويواصل الأستاذ محمد علي اليوسفي: "إن كتابة سالم اللبان بقدر ما تذهب في الخيال بقدر ما تبدأ بالواقع ولكن إلى أي درجة يمكن أن نقول أن هذا الخيال هو نوع من تبني الواقع والنظر إليه من فوق خاصة إذا ما علمنا انه كتب عن وقائع حارقة نعيشها حاليا في تونس وخارجها كمشكلة الكاباس والحرقان مثلا... ثم تناولت الكلمة الأستاذة ثريا الفارسي فقالت :"إن دوافع شخصية أهمها حب الاطلاع هي التي ساعدتني على متابعة تجربة سالم اللبان ثم المساهمة فيها وقد لمست في ما قرأته على الانترنت من النصوص السردية الكثير من الأحاسيس المرهفة والدقة في اختيار الألفاظ والمعاني فهو ينجح في صفحات قليلة في أن يكتب قصة قد يحتاج آخرون إلى أضعاف أضعافها ليكتبوا قصة فيها الكثير من العمق والتكثيف والاختزال ولكني لاحظت وجود بعض الأخطاء وبعض التعثر على مستوى الترجمة إلى اللغة الفرنسية والحقيقة انه من الصعوبة بمكان أن يترجم الكاتب لنفسه فاتفقنا على أن أتولى قراءة ومراجعة ما يكتبه باللغة الفرنسية وكانت بالنسبة لي تجربة ممتعة وثرية ولكن وفي المرحلة الثانية من التجربة عندما أصبحت القصة طويلة جدا صارت العملية مقلقة بالنسبة لي وأصبح نقل مناخها التونسي الأصيل إلى اللغة الفرنسية أمرا عسيرا ويتطلب مجهودا أكبر ولكنني سرعان ما استرجعت الإعجاب بهذه النصوص والمتعة والرغبة في قراءة المزيد منها حتى أصبح موعدي معها مقدسا سواء كنت في تونس أو خارج أرض الوطن... "وما يمكن أن أنهي به هذه المداخلة هو أن سالم اللبان في هذه التجربة جمع بين الموهبة وهي ضرورية حسب رأيي وبين العمل الدؤوب والجدية والمثابرة فأثمر ذلك هذا العمل الأدبي..." ... البحث عن أجنسة هذا الإنتاج وفي مداخلته سلط الكاتب يوسف عبد العاطي الأضواء على تجربة سالم اللبان في سنته على جناح السرد ووضعها بأكملها موضع السؤال وقال: " هل إننا أمام تحد لصناعة الأدب أم لإنتاج نصوص تستغل الوسائط الحديثة. وباعتبار أن سالم اللبان طرح علاقة جديدة بين القارئ والكاتب واستعمل الأدوات الحديثة في الإنتاج والتوزيع والتلقي فالسؤال المطروح هنا هو ما مدى نجاح أو فشل كل هذا الإنتاج في ربط علاقة مع متلق يستوعب هذه الأدوات وإلا فإننا سنبقى دائمي البحث عن أجنسة هذاالانتاج (قصة ريبورتاج.. مذكرات.. يوميات...) وقد ركز المتدخل أيضا على ما لاحظه من اختلاف بين النص العربي والنص الفرنسي وقال اذا سلمنا بان الترجمة خيانة للنص فماذا يمكن ان نقول عن نص يترجمه صاحبه بنفسه . أما الأستاذ محمد حيزم فقد قال:"مازلت أعجب من نصوص سالم اللبان من عفويتها وسذاجتها الفنية وتيهها في المسالك وغوصها إلى قيعان الذات واستلقائها على سطح الكتابة الغامر ومن عنادها من نزيفها ومن صلفها وكبريائها من تقحمها دروبا مفضية إلى متاهات التلاشي ومن ارتيادها سككا مفضية إلى مسافات التلاقي.. مازلت أعجب من صاحبها ومن إصراره على الكتابة ومن تيهه في صحاريها وقفارها وشعابها ومن تحدياته المتعددة ينازل ذاته حرفا ويضاد نصه حربا وينافح الآخرين نظما وسردا حتى ليخيل إليك- أنك- أنه " دون كيشوت" الكتابة.. ومازلت أعجب من نفسي تعلق بهذه النصوص فتنخرط في شباكها تراود السدى وتتخلل اللحمة وتنأى عن الطعم تستكنه فصوصها من نصوصها وتستنطق آثارها من أحجارها باحثة عن سر مسر ودها في سداها". الانترنت هل تزيح الكتاب؟ أسئلة الحاضرين وقد كانت كثيرة وجه بعضها لسالم اللبان وبعضها الآخر للدارسين الذين قدموا هذه التجربة أو نقدوا ما نتج عنها من نصوص سردية وهناك من تساءل عن فائدة كتابة هذه النصوص على الإنترنت ما دامت تحتاج إلى الصدور في كتاب ليطلع عليها القراء.. وقيل هل ستزيد الكتابة على الانترنت من تأزم وضع الكتاب الذي لم يعد يحظى بالقارئ الوفي وأصر البعض الآخر على التساؤل عن الجنس الأدبي الذي يمكن أن تصنف فيه كتابات سالم اللبان هذه إذ هناك من لم يستطع اعتبار القصيرة منها قصة ولا الطويلة رواية أما السؤال الذي حير الكل فهو كيف يمكن لمبدع أن يكتب تحت الضغط الزمني وان يعين تاريخا لانتهاء عمله. الإبداع موهبة أم عمل ومثابرة؟ وفي رده على تدخلات الحاضرين تقدم سالم اللبان بالشكر إلى النادي الثقافي الطاهر الحداد الذي احتضنه منذ بداياته والى نادي القصة بفضاء النادي الثقافي أبو القاسم الشابي واعتبره مؤسسة ذات قيمة كبرى لإشعاعه ونشاطه المتواصل منذ أكثر من أربعين سنة وأصر على انه مدين لهذا النادي بثلاثة أشياء هي: 1 - الحب أوله.. كتبت عن نادي القصة بشخوص من نادي القصة 2 - لو لا نادي القصة لما كتبت "عم إدريس في واب شخصون" وهي دراسة نقدية حول أعما ل الأستاذ الرشيد إدريس. 3 - علاقتي بأناس قرأت لهم ثم عاشرتهم واستفدت منهم. وقد عبر عن سعادته بإتمامه لهذه التجربة حيث كان طول السنة يخاف أن يموت ولا يصل إلى نهاية تحديه ويؤكد لمتتبعي تجربته على الانترنت بأنه يمكن للمبدع أن يكتب تحت ضغط الزمن وان يبدع وليقول مرة أخرى ما كان يصر عليه دائما أن الموهبة ضرورية ولكنها تصبح ثانوية أمام ضرورة العمل وبذل الجهد والمثابرة كما شكر الذين تدخلوا في النقاش فأجابوا نيابة عنه عن الأسئلة التي طرحت خلال الجلسة. واقترح في نهاية تدخله أن يقبل نادي القصة أن ينضوي تحت لوائه كتاب السرد على الانترنت فينفعوا وينتفعوا بمثل ما ناله هو وتجربته من رعاية واهتمام.