ركود تجاري... محلات أغلقت وتجار يتهدّدهم الإفلاس اتفاق على أن الطريق السريعة مساكن- صفاقس هي السبب... فما الحل؟ الكاتب العام لبلدية الجم: 300 من مجموع 800 محل تشتغل... تونس- الأسبوعي: لئن تشهد الأسواق «الموازية» انتعاشة ملحوظة بفضل قدرتها على توفير معظم المواد الاستهلاكية الأساسية التي تشكل ملاذا للبسطاء وضعاف الدخل فإن ما تشهده بعض هذه الأسواق من هبوط وتدنّ ملحوظ في نسق العرض والطلب جعل أصحاب المحلات يطلقون صيحة فزع على غرار ما يحدث في ثاني أكبر سوق في الجمهورية بعد سوق بن قردان... هذا السوق وحسب شهادات العاملين به والتي أكدتها شهادات رسمية أغلقت أكثر من نصف محلاته ولو أن جانبا منها ينتمي لمحلات بيع قطع الغيار المستعملة لكن ذلك لا يمنع أن يشمل الإغلاق محلات أخرى وعددا هاما ممن امتهن أصحابها تجارة مختلف المواد المورّدة والمهرّبة وبعض من المنتجات التونسية. فزائر السوق الموازية بالجم هذه الأيام يصطدم بحال تلك السوق بعد أن انقلب الوضع وساءت الأحوال... وبذلك المشهد البائس الذي غابت معه وربما إلى الأبد الحركية التجارية المألوفة وصفوف السيارات المتراصة يمنة ويسرة... وقلّت معه حركة المارة الراكضين هنا وهناك بحثا عن العصفور النادر ورغبات التزوّد المختلفة... في كلمة، إنه الكساد يضرب كالإعصار إنه ذلك الغول والمارد الذي يخشاه كل التجار بلا استثناء... كساد يعود النصيب الأوفر منه لدخول الطريق السريعة مساكن-صفاقس حيز الاستغلال على حد تعبير جل المستجوبين بما جعل عشرات المحلات تغلق أبوابها معلنة عن إضمحلال عديد موارد الرزق. قد نتفق على أنها في جانب هام منها تجارة موازية بالدرجة الأولى تطاردها أساطيل من السيارات الإدارية صباحا مساء وفيالق تابعة لجهات رقابية مختلفة وتحمل مضرّة كبيرة للاقتصاد والنسيج الصناعي الوطني... ولكن ما يجب أن نتفق عليه أيضا هو أن حال هؤلاء التجار في هذه الأيام مثير للشفقة ويدعو الجميع وبإلحاح لإيجاد بعض الحلول أو على الأقل بعض المسكنات لإعطاء أعداد هامة من أصحاب الشهائد العليا بصيصا من الأمل بعد أن ساعدتهم تلك السوق ولسنوات طوال على التخفيف من ضغوط البطالة. الطريق السريعة أصل البلية أجمع جل من حاورناهم على أن الطريق السريعة هي السبب الرئيسي وراء تراجع الحركية التجارية بنسب مختلفة قدّرها خالد الصغير بائع زرابي وكهرومنزلية بنسبة 30% أما سامي غزال فيرى أن التراجع تجاوز 60% في حين يشير محمد الحفيان بائع كماليات السيارات بأنها في حدود 80%... ولكن العديد من التجار الذين اتصلنا بهم يذهبون إلى أن دخول الطريق السريعة حيز الاستغلال ليس السبب الوحيد الكامن وراء التراجع ولكن تضافر عديد الأسباب أدّى إلى هذا المآل في سوق لا يقتات منها أهل المدينة فقط بل جهات بأكملها من القصرين ومن سيدي بوزيد. ... وأسباب أخرى يرى خالد الصغير بأن الأزمة المالية ألقت بظلالها على تجارتهم وربما حتى أكثر من الطريق السريعة وكذلك ارتفاع سعر الدولار في الأسواق العالمية الذي أدى إلى ارتفاع أسعار السلع المورّدة ويعود الأمر كذلك إلى تكاثر الأسواق الشبيهة مثل مساكن وسوق الأحد بصفاقس وبومنديل والملاسين... أما المنصف الكشباطي فيرى أن العوامل التي ساهمت في حصول هذا الأمر كثيرة ومنها التراجع الحاد في أعداد الرحلات المنظمة لمدينة الجم أما لسعد الذيب فيقول أن ارتفاع الأسعار عند التزوّد من المورّدين ساهم في عزوف المستهلك على الإقبال على سوق الجم... بينما أعاد محمد الزبيدي بائع الجملة الأسباب إلى توجه المستهلك نحو التزوّد بالسلع الأصلية والابتعاد عن البضائع الصينية المصدر. انعكاسات تنذر بالأسوإ أشار محمد الزبيدي إلى أن رقم المعاملات الذي كان يصل سابقا وخلال يومي السبت والأحد فقط إلى 7 آلاف دينار لا يتعدي ألف دينار حاليا خلال شهر بأكمله والتاجر غالبا ما يفتح محله ويغلقه بدون إنجاز معاملات تجارية تذكر وذهب إلى أن العمل أصبح يقتصر على يومي السبت والأحد وأيام العطل... وهناك من اتجه للإبقاء على محله مفتوحا على مدار 24 ساعة لتحسين الوضع ولكن النتائج المسجلة ظلت على حالها... أما الصادق بن أحمد فيقول «العجلة توقفت عن الدوران بعد الشروع في استغلال الطريق السريعة وأنتم تنظرون الآن كيف غاب أي أثر للحركة حتى أن الكثير من التجار أغلقوا محلاتهم بصفة نهائية أو على وشك الإغلاق». إغلاق وقبل فترة كانت سوق الجم تضم عددا هاما من المحلات التجارية تعدّ بالمئات... ولكن ذلك العدد تراجع اليوم إلى مستويات تنذر باندثار السوق بأكملها ويشير عامر النبلي تاجر المواد الكهرومنزلية الذي وجدناه بصدد جمع أدباشه وإفراغ محله تمهيدا لتركه بدون رجعة إلى أنه ومنذ انطلاق الطريق السريعة تراجعت الحركية التجارية بشكل مهول وتسبّب تراكم الديون والعجز عن السداد في ميلاد نوعية من المنافسة غير الشريفة وأصبح التجار مضطرّين إلى البيع برأس المال وحتى أقل من ذلك لتفادي الإغلاق ولكن ذلك يبقى مجرّد تأجيل للمحظور لا غير... ويقول عامر النبلي أنه قرّر في خاتمة المطاف تقديم دكانه مقابل بعض الديون وذكر أن السبب في ذلك هو المنافسة غير النزيهة. غياب البرمجة الواضحة ويعزي منصف الكشباطي تأثر سوق الجم بإحداث الطريق السريعة مساكن-صفاقس إلى غياب رؤيا واضحة تقوم على حسن البرمجة لدى هياكل التجهيز... لأنه كان بالإمكان وعوض الاقتصار على مدخل ومخرج وحيد للجم حاليا من ونحو الطريق السريعة الأمر الذي يجبر الداخل للجم على العودة أدراجه 5 كيلمترات في اتجاه الطريق السريعة والحال أنه كان بالإمكان برمجة مدخلين للجم وعندها يمكن لزائر المدينة التعريج على السوق ومواصلة طريقه عائدا للطريق السريعة من المدخل الثاني... لأن الوضع الحالي يدفعه إلى عدم مغادرة السريعة وتفضيل مواصلة سيره نحو وجهته النهائية. حرفاء أوفياء وفي غمرة هذه المعاناة يرى سامي غزال بأن التجار الذين يتعاملون مع الحرفاء العرضيين هم فقط الذين يعانون من الكساد بحكم تراجع الحركة المرورية على الطريق القديمة... بينما التجار الذين يتعاملون مع حرفاء أوفياء لم يتأثروا كثيرا بدخول الطريق السريعة على الخط وهم خاصة تجار وشركات البيع بالجملة... ويسانده محمد الحفيان في ذلك مؤكدا أن صغار التجار هم من اكتووا بنار هذا التراجع في الحركية التجارية لأنهم يتعاملون كثيرا مع المارّة على الطريق القديمة. مسكنات ويقترح سامي غزال لتجاوز آثار هذا الوضع المأساوي إقامة سلسلة محلات على مشارف الطريق السريعة حتى يصير الأمر أفضل بالنسبة لعموم التجار... أما خميس عبد الفتاح بائع الجملة للمواد المنزلية فقد عوّض الحركية المعهودة بالتحوّل إلى الأسواق الأسبوعية الكبرى مثل نابل وأريانة والملاسين ومنزل تميم وقصر هلال وسوسة وقابس والقيروان ولكن ذلك يكلفه مصاريف إضافية نظير الانتصاب والعملة المرافقين والمحروقات وغيرها... وذهب إلى أن هذا التوجه ساهم بشكل كبير في التخفيف من حدّة التراجع في رقم معاملاته الذي كان يجنيه على عين المكان بالجم... ولكن ذلك لم يمنعه من القول بأن الحاوية التي كانت تباع سابقا في شهرين أصبحت اليوم تنتظر حتى عاما كاملا كي تباع... وهو ما جعل التجار في سباق مع الزمن لتوفير مصاريف الكراء وأجور العملة... مصاريف قارّة وأكد كل المتدخلين أن ما يؤرّقهم هو معاليم الكراء التي تتراوح يوميا بين 15 و40 دينارا عليهم توفيرها قبل أي شيء حتى يستمروا في مزاولة أنشطتهم... رغم أن المهمة أصبحت صعبة نسبيا بحكم انتشار ذلك النوع من التجارة بالمدن والقرى الصغيرة وتكاثر الدكاكين واقتراب هذه النوعية من البضائع من المستهلك أكثر فأكثر وهو ما جعله يحجم عن المجيء للجم وغيرها. تراجع هذا وقد ألقت حالة الكساد بظلالها على أسعار معاليم الكراء في الآونة الأخيرة فتهاوت إلى أدنى الدرجات ولم يعد معدل معاليم الكراء في حدود 600 أو 700 دينار في الشهر كالمعتاد ووصل أحيانا إلى 250 دينارا... وتوقفت بالتوازي مع ذلك حضائر البناء المتناثرة هنا وهناك لتشييد المحلات التجارية بحكم أن أغلب المحلات والدكاكين المشيّدة أصبحت شاغرة وعدد التجار في تراجع مخيف وذكر معظم من حاورناهم أن عدد المحلات تراجع مؤخرا إلى حوالي النصف... ويبقى السؤال المطروح هو هل ينتعش الاقتصاد الوطني بعد إغلاق هذه السوق... أم ترى ستجد بضائع هذه السوق طرقا أخرى للتصريف؟ --------------------------------------------------------------- الكاتب العام لبلدية الجم: 300 من مجموع 800 محل تشتغل... وباتصالنا بالكاتب العام لبلدية الجم معز بن عمارة أفادنا بأن الوضع الحالي لتجار الطريق الحزامية لا يبعث حقا على القلق ومع ذلك فإنه يوجد لديهم برنامج خاص في المستقبل لتهيئة تلك المنطقة ومضاعفة الطريق وتنويرها على غرار ما وقع في منطقة البرجين... وقد تم تأكيد هذا الأمر خلال الزيارة الأخيرة لوزير التجهيز. وبالنسبة لتجار السوق الموازية بالجم ورغم أن مهمة البلدية الأساسية تنحصر في خدمة الجوانب المتصلة بالاقتصاد الوطني... وكذلك بالرغم من أن أغلب التجار ينتمون إلى شريحة تجار الجملة (مم يعني) عدم تأثرهم بتراجع الحركة المرورية على الطريق الحزامية... فإن تهيئة جميع مكونات تلك المنطقة ستساهم في إعادة بعض البريق المفقود لها وتشجيع المتساكنين بالجهات القريبة على الأقل على ارتياد السوق المذكورة. علما وأن تلك السوق قد تسبّبت هذه السنة وحسب محدثنا بصفة غير مباشرة في ضغوطات مالية لصندوق البلدية بحكم تراجع وكالة التصرف في النفايات عن تخصيص فريق عمل لرفع النفايات البلاستيكية والكرتونية من الطريق الحزامية وهي نفايات متأتية في الأصل من المتاجر المنتصبة بالسوق المذكورة... رغم أن وزير البيئة قد أمر سابقا بوضع عشرة عمال على ذمّة بلدية الجم على أن تحمل كلفة أجورهم على كاهل الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات وذلك لتجميل واجهة المدينة. وعن عدد المحلات المنتصبة بالسوق الموازية أفاد الكاتب العام لبلدية الجم معز بن عمارة بأن عددها الجملي في حدود 800 محل تجاري يعمل منها حاليا قرابة 300 دكان منها ما بين 150 و200 محل للبيع بالجملة.