إن المرأة العربية منشغلة جدا بقضايا حوار الحضارات بل إن الموضوع يروق لها الخوض فيه والتوسع في مختلف جوانبه وهي لا تحار في إيجاد الكلمات التي تعبر بها عن تقييمها للوضع ولا تتردد في اقتراح الحلول وصياغة حتى الإستراتيجيات التي ينبغي العمل بمقتضاها في المستقبل لتحديد نوعية العلاقة مع الآخر. ذلك ما لاحظناه من خلال مواكبة عدد من الجلسات العلمية التي انعقدت خلال الدورة الرابعة عشر لمهرجان المبدعات العربيات بسوسة. وقد حاولت هيئة المهرجان برئاسة السيدة نجوى المنستيري الذي تواصل أيام 16 و17 و18 أفريل الجاري، حاولت عبثا توجيه الحديث والنقاش حول مسائل ذات علاقة بالزاوية المقترحة لتكون منطلقا للعمل وهي أثر حوار الحضارات في إبداعات المرأة العربية إلا أن المتدخلات فضلن التركيز على الإشكاليات التي يطرحها حوار الحضارات دون التقيد بآثار فنية أو ابداعية للمرأة العربية. ولابد من الاعتراف في هذا الشأن أن التطرق للموضوع كان سيكون خاليا من الحماس وغير مأمون من حيث الفائدة العلمية لو أن المداخلات تقيدت بالزاوية المقترحة. كانت ستكون الآفاق محدودة خاصة على ما يبدو فإنه لم يقع جرد علمي للإبداعات النسائية التي يمكن أن نقر بأنها تأثرت بحوار الحضارات ولا نعلم إن كانت الإختيارات فيما يخص العينة من الإبداعات المطروحة للدرس خلال ملتقى سوسة كانت مدروسة بشكل جدي أم أن الأمر لم يتجاوز مسألة الاكتفاء بما تجده الدّارسة بين يديها من آثار أدبية أو فنية نسائية تصنف في خانة هذه الزاوية. ما لم تلتزم به المحاضرات و ما يؤكد الأمر أن التوصيات التي خرجت بها المشاركات في الملتقى لم تعكس أي تقيد بموضوع الندوة أي أثر حوار الحضارات في ابداعات المرأة العربية وإنما خرجت المشاركات بتوصيات عامة تهم مراجعة المناهج التعليمية ودعم التعارف العربي والتصدي للمغالطات في شأن ما ينشر بالإنترنيت أو غيرها من وسائل الاتصال الجماهيرية من معلومات خاطئة حول الآخر وتشجيع بعث قوانين في هذا المجال وغيرها من التوصيات التي يوحي بها موضوع حوار الحضارات في شكله العام. نداء سوسة الذي كان من أبرز ما انتهت إليه الدورة الرابعة عشرة لمهرجان المبدعات العربيات عكس كذلك إصرار المشاركات على اغتنام فرصة هذا المهرجان للدلو بدلوهن في قضية تعتبر من القضايا العاجلة التي تهم المجتمعات العربية والإسلامية اليوم ألا وهي العلاقة مع الآخر التي تحتاج إلى توضيح أكيد. وقد أيدت المشاركات في المهرجان بقوة نداء سوسة الذي توجه للعالم بالقول " أن حوار الحضارات واجب إنساني وشرط للتعاون الإيجابي البناء من أجل تعايش سلمي وقيم ثابتة مشتركة بين كل البشر". ومن العلامات الدالة كذلك على شغف الناس بحوار الحضارات ذلك الإقبال الذي شهدته الجلسات العلمية خاصة من الطلبة والتلاميذ الذين أنصتوا بانتباه للمداخلات وتابعوا النقاش وكذلك الإقبال على المشاركة من المهتمات من تونس والبلدان العربية مما اظطر هيئة التنظيم لبرمجة مائدة مستديرة ليلا حتى تتاح للراغبات والراغبين كذلك فرص التدخل. وقد انعقدت المائدة المستديرة ليلة الجمعة بفندق رياض النخيل بسوسة الذي أقيم به المهرجان. وخلافا لما كان متوقعا بأن لا تكون المائدة المستديرة ربما اختيارا صائبا لأنها تنعقد بعد يوم ماراطوني شهد تدخلات كثيرة ونقاشات مستفيضة فإن المشاركات برزن بحضورهن الحيوي وبحماسهن للتدخل والنقاش. الحوار: الند للند نقطة التقاطع بين أصحاب الآراء المتقابلة شاركت في الدورة الرابعة عشرة لمهرجان المبدعات بسوسة مجموعة من الشخصيات النسائية من آفاق مختلفة. فكن جامعيات وصحفيات ناقدات وفنانات وغيرهن. كانت هناك لطيفة القبايلي الكاتبة الليبية وأسماء بوطالب من الجامعة المصرية والجامعية العراقية خالدة العبيدي وسحر طه العراقية المقيمة بلبنان وهي من أصدقاء مهرجان المبدعات العربيات وهي ناقدة وفنانة. كانت هناك أيضا ريم البنا من فلسطين وهي فنانة معروفة ومعصومة عبد المحسن من المملكة العربية السعودية. ومثلت نذيرة العقون الجزائر في هذا الملتقى. وكانت هناك كذلك مشاركات من قطر والإمارات والكويت وشاركت مجموعة من الباحثات والناقدات والفنانات التونسيات في المهرجان ومن بينهن الصحفية فوزية الزواري والفنانة سنيا مبارك والباحثة آمنة الرحيلي الوسلاتي مع العلم أن جليلة بكار تغيبت عن هذا الجمع رغم أنها وإلى غاية انطلاق المهرجان لم تعلن عن نيتها في التغيب. المشاركة الفرنسية لم تحضر كذلك بالمناسبة وكما علمنا من السيدة نجوى المنستيري مديرة مهرجان المبدعات العربيات فهي تخلفت لأسباب صحية. وكانت السيدة نجوى المنستيري قد أعلنت خلال الندوة الصحفية التي انعقدت بتونس حول المهرجان عن حضور ضيفين من خارج المنطقة العربية. ضيفة من فرنسا وضيف من تركيا. النية كانت تتجه حسب مديرة المهرجان لتوسيع آفاق التظاهرة وانفتاحها على الخارج خاصة وأن الدورة الأخيرة تتعرض للعلاقة مع الآخر. الأستاذ حسين فنطر رئيس كرسي بن علي لحوار الحضارات والأديان افتتح سلسة المداخلات العلمية بالملتقى كما أن محمد زين العابدين الموسيقي وصديق المهرجان كذلك نظرا لحضوره باستمرار خلال أغلب دوراته ترأس احدى الجلسات العلمية. من أجل نبذ المسلمات على غرار الجلاد والضحية خاضت المتدخلات في مختلف القضايا والإشكاليات ذات الصلة بحوار الحضارات. وتم الإهتمام بالظهور التاريخي لقضية حوار الحضارات وقد ربط الجميع تقريبا ظهورها مع انتشار نظرية الأمريكي " صاموييل هانتنتغتون "حول صدام الحضارات وقد رأت أغلب المتدخلات أن هذه النبوءة قد صدقت خاصة وكما هو معروف بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001 التي نعاني أي نحن العرب والمسلمين من نتائجها إلى اليوم وفق ما ورد في تدخلات المشاركات. والمستمع لمختلف التدخلات يلاحظ أن النقاش كان مراوحا بين أمرين اثنين أساسيين. هناك من جهة من يضع العرب والمسلمين في خانة الضحية . وهناك بالتالي إصرار على تحميل الآخر وهو بالخصوص الغرب وتحديدا الولاياتالمتحدة وأوروبا مسؤولية الضعف والتخلف الذي تقبع فيه هذه الأمة مما يجعلها في رتبة الطرف الضعيف عندما نكون في علاقة مع الآخر. وهناك من جهة أخرى من يطالب بنقد الذات والتخلص من عقدة الضحية حتى نستطيع تحمل المسؤولية. لكن نقطة التوفيق والتي تجمع بين هذا الشق وذاك تتمثل في الدعوة إلى التحاور مع الآخر الند للند. لا بد أن نكون أقوياء عندما نبني علاقتنا مع الآخر وهذه القوة لن تتحقق حسب المحاضرات دون أن نصل إلى تحقيق معادلة الحفاظ على الهوية والإستفادة مما تحقق للإنسانية من تقدم وهي كذلك لن تتحقق دون أن تؤمن المجتمعات والبلدان العربية بقيمة الحرية وبتهيئة الأجيال القادمة للمستقبل بشكل جيد. كانت الدعوة واضحة كذلك للتخلص من الأحكام المسبقة حتى في علاقتنا ببعضنا البعض والمقصود هنا بالطبع بين مختلف المجتمعات العربية. وكانت المشاركات قد أقرت بأن العرب والمسلمين لا يعرفون بعضهم البعض بما فيه الكفاية ليكونوا كتلة واحدة في التحاور مع الآخر. وهناك بالطبع العديد من الأسئلة الفلسفية قد طرحت بالمناسبة حول مفهوم الأنا والآخر وهناك أصوات ترفض الحكم عليها بالانتماء إلى هذه المجموعة البشرية أو غيرها بالاستناد إلى لون البشرة أو الدين أو الجغرافيا وهي ترى أنها أقرب إلى من تشترك معهم في القيم والمبادئ حتى ولو كانوا يعيشون آلاف الأميال بعيدا عنا إلخ... تمت الدعوة بالمناسبة إلى تشجيع البحث العلمي في مجال حوار الحضارات ومنح الباحثين العرب الإمكانات اللازمة لذلك. وكان السيد عبد الرؤوف الباسطي وزير الثقافة والمحافظة على التراث قد افتتح الملتقى. وألح على مسؤولية المبدعة العربية خاصة في ثنائية التوازن بين الأصالة والحداثة وفي مجال تنشيط الحوار المتكافئ بين الحضارات والثقافات أما السيدة أليفة فاروق الموفق الإداري فقد اختتمت المهرجان بكلمة تعترف فيها بنفس المسؤولية للمرأة. مع العلم وأنه أقيمت عدة أنشطة فنية بمناسبة الدورة الرابعة عشر لمهرجان المبدعات العربيات بسوسة من بينها سهرات موسيقية ومعارض للفنون التشكيلية إضافة إلى زيارات لأبرز المعالم الأثرية بسوسة لفائدة ضيفات وضيوف المهرجان. حياة السايب