120 شركة تتولى تشغيلهن ضمن المناولة.. معظمها غير منظم وغير مصرح بها.. وليست لها مقرات اجتماعية ناشطات في كل المؤسسات العمومية والخاصة.. عملهن ينطلق في حدود الخامسة والسادسة صباحا بقطع النظر عن الفصول والأيام.. انهن عاملات النظافة اللاتي يباشرن العمل في المؤسسات قبل كل الموظفين.. ينظفن.. يغسلن يمسحن.. يستعملن كل أنواع المواد الكيمياوية للنظافة.. يتعرضن لخطر الامراض المعدية في المستشفيات وفي كل أماكن العمل ذات الخطورة. كادحات بكل ما في الكلمة من معنى.. لكن أجورهن زهيدة جدا.. لا يتمتعن بتغطية اجتماعية.. عرضة للطرد في كل الأوقات. هذا هو حال أغلب عاملات النظافة المنتشرات في كل المؤسسات العمومية والخاصة.. تونس الصباح عدد هؤلاء العاملات يفوق 40 ألفا في المؤسسات العمومية وحدها ,, وهناك ما يفوقه أيضا في المؤسسات الخاصة.. انهن يمثلن قطاعا كاملا من حيث نوعية العمل الذي يقدمنه.. ومن حيث عددهم الذي يفوق 80 أو 90 ألفا في كلا القطاعين العومي والخاص. ماذا عن وضعهن في العمل.. طرق انتدابهن.. سمسرة البعض بهن كيد عاملة هشة.. لماذا تبقى العاملات في هذا القطاع دون حق في الترسيم.. ودون تغطية اجتماعية؟ ماذا في تنظيم الوزارة الأولى الخاص بهذه المهنة. وماذا يقول الكاتب العام للجامعة العامة للمهن والخدمات في الاتحاد العام التونسي للشغل؟ قطاع ثقيل وحساس.. لكنه مازال مهمشا أفاد السيد منجي عبد الرحيم الكاتب العام للجامعة العامة للمهن والخدمات في الاتحاد العام التونسي للشغل أن قطاع النظافة في المؤسسات العمومية يشغل ما يربو عن 40 ألف عاملة.. كما أن نفس العدد أو أكثر من عاملات النظافة يشغلهن القطاع الخاص، لكن باب الانتداب والترسيم مغلق في وجوههن جميعا وذلك في كلا القطاعين الخاص والعام. ومن هذا المنطلق فإن العمل في مجال النظافة أوكل إلى شركات خاصة تعمل طبق قانون المناولة، وأن كافة العاملات في قطاع النظافة يخضعن لهذا التوجه في الشغل. ويشير الكاتب العام للجامعة أن 120 شركة تعمل في هذا القطاع أو تديره، بعضها منظم، له مكاتب والنسبة الهامة منها غير منظمة وليس له "باتيندة" ولا حتى مقر اجتماعي وبالتالي ليس لها مواصفات مؤسسة في الغرض. وبين من ناحية أخرى أن هذه الشركات غير المنظمة والمشغلة لعاملات النظافة بدأت في التراجع والتقلص بعد التنظيم الذي وضعته الوزارة الأولى للقطاع، وكذلك من خلال عديد المناشير التي أصدرتها في الغرض. القطاع بين مظاهر السمسرة وبوادر التنظيم قطاع عاملات النظافة من اكثر القطاعات هشاشة على المستوى التشريعي والنقابي وفي مجالات الشغل، وبحكم مجال المناولة الذي فتح فيه، فقد انتابته أشكال من الفوضى، خاصة مع ظهور مجالات السمسرة باليد العاملة داخله. هذا الواقع فرض تدخلا لحماية عاملات النظافة باعتبارهن يشكلن من حيث العدد ونوعية المهنة والحاجة اليومية للنظافة وإليهن قطاعا قائما بذاته. وقد نجحت الجامعة في المساهمة في تنظيم القطاع والعاملات فيه، لكن على الرغم من هذا يبدو أنه مازالت هناك العديد من العراقيل والفراغات القانونية الأمر الذي جعل التجاوزات لا تنتهي، وتتواصل في مظاهر وأشكال شتى لعل ابرزها الابتزاز في الجرايات والطرد، والايقاف عن العمل، والتقليص من عدد العاملات، وربما أيضا بعض المظاهر الأخرى المخلة بالأخلاق. القطاع ليس طرفا في المفاوضات القطاع كما أشار إلى ذلك الكاتب العام للجامعة يشغل زهاء ال 90 ألف عاملة نظافة في بعديه المؤسساتي العام والخاص، لكنه مغيب لحد الآن في المفاوضات الاجتماعية الدورية، كما أنه غير مشارك عبر جامعته النقابية في كراس الشروط النموذجية التي وضعتها الوزارة الأولى والتي تحدد شروط المشاركة في المناقصة. كما أن المناشير التي تصدر عن الوزارة الأولى تعتبر أحادية الجانب، كما أن غياب حوار مع سلطة الاشراف باعتبارها المؤجر الاكبر لهذه الفئة الاجتماعية أدى إلى عديد التجاوزات من أبرزها: رفض اتحاد الصناعة والتجارة لإحداث اتفاقية شراكة كان قد طالب بها اتحاد الشغل لهذا القطاع. وباعتبار عدم الاستجابة لإتفاقية شراكة يجري تحرك واسع لإبرام هذه الاتفاقية التي ستسمح بالدخول إلى المفاوضات الاجتماعية. لكن على الرغم من هذا تجري محاولات من أجل تحسين أجور العاملات، التغطية الاجتماعية لهن، الحصول على بطاقات خلاص ومراجعة القانون عدد 33 الصادر سنة 1960 المتعلق بنظام الجراية والعجز والشيخوخة، وكذلك الفصل 2 من الأمر عدد 499 لسنة 1974 حتى يتسنى لعلاملات التنظيف اللاتي يعملن لوقت جزئي بالتمتع بخدمات الصناديق الاجتماعية. حول جرايات عاملات النظافة بالحديث إلى سلم الجرايات و بما هو متداول ومعمول به في قطاع النظافة، سواء في العمومي أو الخاص، أطلعنا السيد المنجي عبد الرحيم على أن هذه الجرايات بسيطة وضعيفة رغم تطبيق نظام 48 ساعة عمل على عاملات القطاع. وبين أن الأجر في القطاع يبقى أقل بكثير من الأجر الأدنى المضمون، كما أن عاملات القطاع لا يتمتعن بالتغطية الاجتماعية، على اعتبار أنه لا يجري تطبيق كراس الشروط النموذجية، وخاصة الفصل 14 منه الذي ينص على أن تكون مؤسسات التنظيف مصدرة لوثيقة تثبت التصريح بمعاليم التغطية الاجتماعية لعاملاتها في مجال النظافة، وكذلك وثيقة في تحويل مبلغ الأجور القانوني، إلى جانب نسخة من بطاقة الخلاص تحدد أيضا ساعات العمل وعدد الأيام الفعلية. كما بين لنا أن الإخلال بهذه الشروط يؤدي إلى فسخ العقد الخاص بالشركة وذلك على معنى الفصل 122 من الأمر المنظم للصفقات العمومية. وبخصوص تحديد الأجور أفاد الكاتب العام للجامعة أنها تتراوح بين 60 و180 الى 200 دينار. كما بين في هذا الجانب أن المؤسسات تدفع أجر العاملات طبقا للأجر الأدنى مع إضافة الاداءات الأخرى، وبين أنه في الجملة يمكن القول أن ساعة عمل عاملة النظافة تبقى في حدود 1 فاصل 600 دينار. واختتم السيد المنجي عبد الرحيم الحديث عن القطاع بالدور الاساسي الذي يلعبه وبالتطورات التي شهدتها مجالات نظافة المؤسسات باعتماد كافة الآليات العصرية في المجال، وبين أنه من المفروض أن تتطور أجور عاملات النظافة مع هذا النسق في تطور المهنة وليس حسب أجر الساعة الأدنى. وفي جانب آخر تحدث عن المخاطر المهنية التي تحدق بعاملات النظافة، ذاكرا عملهن في المستشفيات وسط أنواع الجراثيم والأوبئة، ودعا إلى ضرورة حقهن في منحة الخطر. كما بين أن العديد منهن يعانين من تشتت ساعات العمل وتوزعها على عديد المؤسسات وما في ذلك من أتعاب تنقل وساعات فراغ وقلة في عددها، وأكد على أن جملة هذه الجوانب لابد من إعادة النظر فيها لحماية عاملات هذا القطاع. السيد كمال عمران المتفقد العام للشغل بوزارة الشؤون الاجتماعية المكلف بملف قطاع الخدمات والمهن وقطاع عاملات النظافة على وجه الخصوص. أفادنا أنه باستثناء كراس الشروط النموذجي الصادر عن الوزارة الأولى، والداعي إلى تنظيم هذا القطاع، لم يصدر أي جديد بعد في الغرض. وبين من جانب آخر أنه قد بات من الضروري ونظرا لتطور هذا القطاع وعدد العاملات فيه أن تقع مراجعة قانون الضمان الاجتماعي بما يتلاءم وواقع العاملات. وفي هذا الصدد أبرز ضرورة البحث في السبل الكفيلة بضمان جانب ثلثي الاجر الأدنى على الأقل وهو ما يضمن التمتع بخدمات الصناديق الاجتماعية. كما أفاد من جانب آخر أنه من الضروري الدخول في مفاوضات بخصوص هذا القطاع، وذلك من خلال قراءة أخرى للتشريعات والتفكير بشكل دقيق في خصوصياته وواقع العاملات فيه. كما بين أن الاشكالية الكبرى تكمن في مسالة اعتماد الخلاص بالساعة، وهو أمر يحول دون تطبيق عديد الفصول والبنود الخاصة بالتشغيل في القطاع، حيث أن ساعات العمل لا تصل إلى 208 ساعات شهريا لدى كل العاملات حتى يتسنى تطبيق صنف من أصناف الضمان الاجتماعي على العاملات في مجال النظافة، وهكذا يمكن القول أنهن مهضومات الحقوق في هذا الجانب بالذات. السيد كمال عمران أكد على ضرورة اعتماد كراس الشروط وتعميم تطبيقه على القطاع في مجاليه الخاص والعمومي، مبرزا في هذا الصدد مظاهر الخروقات الحاصلة في القطاع الخاص. وبين في هذا الصدد أن الدولة لا تتعامل مع الشركات التي ليس لها مقر اجتماعي أو "باتيندة". مبرزا أن الشركات الخفية تخالف القانون، ويجري العمل على التصدي لها. وبين في الأخير أنه بات من الضروري إبرام اتفاقية حتى يتسنى لكل الأطراف من عمال ومؤسسات وأصحاب شركات المشاركة في المفاوضات الاجتماعية، حتى يقع الارتقاء بهذا الصنف من العاملات الذي بقي مهمشا، وعرضة للاستغلال، ويصبح بالإمكان إيجاد تمش واضح لتنظيم القطاع، بما يسمح بإدراجه في دورات المفاوضات الاجتماعية وبالتالي فتح الآفاق أمام العاملات فيه لإيجاد صيغة تمكن من انخراطهن في الضمان الاجتماعي وتحسين أجورهن خارج إطار العمل بالساعة، وضمان تبويبهن في صيغة عقود شغلية، واضحة كبقية القطاعات.