تونس الصباح: «تصنعلي فوسكة» بهذه العبارة توجهت طالبة جامعية الى صاحب محل لنسخ الوثائق كائن امام احد المؤسسات الجامعية مضيفة انها تريد «فوسكة» من دروس الاستاذ فلان في المادة موضوع الامتحان الذي ستجتازه يوم غد والذي لم تتمكن من الاستعداد اليه جيدا. يقف ايضا في طابور الانتظار داخل محل نسخ الوثائق المذكور عدد لا بأس به من الطلبة الراغبين في الحصول على «فوسكات» من دروس الاساتذة ومن البرنامج الرسمي لبعض المواد الموجود عادة لدى محلات نسق الوثائق لاسيما تلك القريبة من المؤسسات الجامعية.. ويقبل الطلبة على الحصول على نسخ منها لمتابعة الدرس داخل القسم وللاستئناس بها في المراجعة.. الخ لكن تغيرت على ما يبدو استعمالات الطلبة لهذه الدروس والمحاضرات والبرامج الدراسية، فأصبحوا يريدوها لا للمراجعة بل للغش او بالمعنى العامي والسائد «للتفسكية» مما يتطلب الحصول على هذه الدروس في احجام مصغرة. حيث يقوم صاحب محل نسخ الوثائق بالتقليص في الحجم وفقا لرغبة الطالب ووفقا للمؤهلات البصرية لهذا الاخير التي تمكنه من قراءة ونقل المعطيات من «الفوسكة» الى ورقة الامتحان. تجدر الاشارة ايضا الى تنوع اساليب الغش وتطورها من ذلك استعمال الهاتف الجوال.. كما ان الاقبال على هذه الاساليب من الغش لا يقتصر على الطلبة بل يشمل كذلك تلاميذ المعاهد ويصل مداه الى المترشحين لاجتياز الامتحانات الوطنية حيث افاد مؤخرا وزير التربية والتكوين انه تم تسجيل 220 حالة غش في الدورة الاولى لامتحان الباكالوريا.. ووصف الوزير الغش بالسلوك المخجل مضيفا ان التلميذ الذي يغش طريقه مسدود. طريق للنجاح! في المقابل لا ينظر الطالب او التلميذ الذي يقبل على اساليب الغش المختلفة خلال اجتياز الامتحان، بخجل الى سلوكه، بل يجاهر الكثير منهم بفعلته ويقبلون دون حرج على اساليب الغش الى درجة ان بعض محلات نسخ الوثائق الموجودة داخل فضاءات الجامعات تقدم هي اخرى خدمات «الفوسكة» وتلقى بضاعتها الرواج والاقبال من طلبة تلك المؤسسة الجامعية!!! ويقدم المقبلون على اساليب الغش، تبريرات عديدة لرواج بضاعة اساليب الغش المستحدثة امام المؤسسات التربوية وحتى داخلها حيث يرجع بعضهم ذلك الى ان الغاية تبرر الوسيلة بمعنى انهم يريدون النجاح فقط لاسيما وان «شبح البطالة» ينتظر الاغلبية، من وجهة نظرهم. فلماذا يجهدون انفسهم في المراجعة اذا كان مصيرهم الانتظار ربما لسنوات على قوائم مكاتب التشغيل وتنتشر هذه التبريرات لاسيما لدى طلبة الشعب صعبة الادماج على غرار الحقوق والعربية والاقتصاد والتصرف.. يقول بعضهم انه اقدم على اساليب «الغش» لانه اجهد نفسه خلال الدورة الرئيسية من الامتحانات ولم ينجح في حين ان اترابه الذين اعتمدوا طرق الغش تمكنوا من النجاح.. للاناث نصيب يشير طارق بن الحاج محمد باحث في علم الاجتماع التربوي ان الغش في صفوف الطلبة والتلاميذ لم يعد يقتصر على الذكور وعلى من لهم مستوى دراسي هزيل كما في السابق، بل اصبحت الفتيات اكثر جرأة احيانا في الغش وحتى من لهم معدلات جيدة طيلة الموسم الدراسي يقبلون ايضا على الغش في الامتحانات. ويرجع محدثنا تفشي ظاهرة الغش في المؤسسات التربوية الى اسباب اجتماعية وتربوية واقتصادية. اسباب اجتماعية يشير طارق بن الحاج محمد في باب الاسباب الاجتماعية الى تفشي ثقافة الغش في المجتمع وبعض المفاهيم من قبيل انه يمكن الحصول على نتائج اكبر بمجهود اقل وانه بضربة حظ يمكن الحصول على الثروة.. وهو ما غير القيم الاجتماعية نحو ثقافة التواكل والبحث على ايسر السبل واسرعها.. نجد من جهة اخرى ان ضغط الاولياء على الابناء لتحصيل التفوق وما خلقه ذلك من علاقة «زبونية» احيانا بين الاب والابن تنبني على طلب تحصيل التفوق من الاب مقابل الاستجابة للرغبات المادية للابن مما خلق رغبة لدى التلميذ وسعي لتحقيق النجاح والتفوق وان بواسطة الغش لم يعد كذلك النشاط الدراسي مغريا للتلميذ وللمجتمع ككل واصبح الكثير من التلاميذ ينظرون الى الدراسة على انها شر لابد منه فلماذا لا يكون بأقل مجهود ممكن. العلاقة بالمعرفة يحيل ذلك مباشرة الى الاسباب التربوية لتزايد الاقبال على الغش لان العلاقة بالمعرفة لم تعد مقدسة بل اصبحت المعرفة سلعة مما افضى الى المنطق التجاري في التعامل مع الدراسة وتحصيل العلم. ودعا محدثنا في هذا السياق الى ضرورة تدخل المربي لتسويق المعرفة على اساس انها قيمة وليس فقط لضمان مكان في سوق الشغل.. البرامج الدراسية يضيف بلعيد اولاد عبدالله بعض الاسباب الاخرى التي تدفع التلميذ الى الاقبال على الغش من قبيل غياب الدافعية والتحفيز لدراسة بعض المواد بسبب كثرة المواد والضغوطات المسلطة على التلميذ منذ المراحل الاولى للتعليم مما يدفعه احيانا الى التعويل على الغش لتحصيل الاعداد وتجاوز ضغط الاعمال المكلف بها.. ذكر محدثنا كذلك ظروف اجراء الامتحانات كالاكتظاظ داخل قاعات الامتحانات التي توفر احيانا الارضية الملائمة للغش كما قد تحد من قدرة الاستاذ المراقب على التفطن لمحاولات الغش...