لو ان الرئيس الصيني هو جين تاو كان يدرك ان الاحداث في اقليم شينغيانغ (مفهومها «الأرض الجديدة») ستؤول الى ما آلت اليه بعد اندلاع المواجهات العنيفة بين الايغور المسلمين وبين الهان وقوات الامن لربما كان اعاد النظر في مشاركته اشغال قمة مجموعة الثمانية المنعقدة في مدينة لاكويلا الايطالية وجنب نفسه بالتالي ذلك الموقف المحرج مع نظرائه من قيادات العالم وهو يضطر لاعلان مقاطعته على عجل اشغال القمة ومسارعته بالعودة الى بيكين كل ذلك فيما كان كبار قادة الحزب الشيوعي الحاكم بدورهم يعقدون اجتماعهم الطارئ بعد تفاقم الاحداث في اقليم شينغيانغ الذي بات مفتوحا على كل التطورات مع ظهور مؤشرات امتداد عدوى احداث اوروموتشي الى مواقع مجاورة ما استوجب استنفار الصينيين القوات الامنية تحسبا للتصعيد خاصة بعد دعوة تركيا مجلس الامن الدولي الى مناقشة الوضع في اقليم شينغيانغ وخروج زعيمة الايغور المليونيرة اللاجئة ربيعة قديرالتي تقيم منذ عقود طويلة في واشنطن للمطالبة بتحقيق دولي في تلك الاحداث ما تعتبره الصين خطا احمر لامجال لطرحه باعتبار ان ما يحدث شان داخلي بحت تحركه اصابع خارجية لاغراض انفصالية تستهدف موقع الصين القوة الاقتصادية الثالثة في العالم... ولعله من المهم الاشارة الى ان ردود الفعل الدولية في العواصمالغربية والتي اتسمت خلال ازمة التيبت العام الماضي بالتشدد ازاء السلطات الصينية كانت حذرة ومهادنة هذه المرة واقتصرت في اغلبها بما في ذلك دعوة منظمة المؤتمر الاسلامي على حث مختلف الاطراف على ضبط النفس وتجنب العنف. وقد بات واضحا من خلال التجارب السابقة ان العملاق الصيني الذي خبر اساليب الخروج من هذه الازمات باقل الاضرارالممكنة يراهن على لعبة المصالح الاقتصادية الحيوية في مواجهة اصوات منتقديه وقد تابع العالم خلال ازمة التيبت العام الماضي تبعات الموقف الذي اتخذته فرنسا من تلك الازمة بعد ان اعلنت الصين مقاطعتها البضائع الفرنسية والغاء القمة الاوروبية الصينية بما دفع المسؤولين الفرنسيين الى اعادة مراجعة موقفهم انذاك والتوافد تباعا على العاصمة الصينية بيكين... دروس الازمات الماضية وفي انتظار ما يمكن ان تكشفه تطورات الاحداث فان الارجح ان الهدوء الحذر الذي عاد ليخيم على الاقليم قد لا يكون اكثر من ذلك الهدوء الذي قد يسبق العاصفة المقبلة فليس سرا بالمرة ان الايغور ذوي الاصول التركية لديهم نزعة انفصالية وقد كانوا يتمتعون بالفعل باقليم مستقل في القرن التاسع عشر قبل ان تضمهم الصين بمساعدة البريطانيين الى نفوذها. ويبدو ان جهود السلطات الصينية لارضاء الايغور وتلبية احتياجاتهم لم تعد ترضي الكثير من ابناء هذه الاقلية الذين لا يخفون استياءهم من الواقع الاقتصادي والاجتماعي وحتى الثقافي الذي يواجهونه مقارنة بما يحظى به الهان من امتيازات وفرص في العمل والاستثمارفي الاقليم الذي اصبح يعرف بانه اقليم الفرص والاحلام.. ولعل في استشعار السلطات الصينية لحجم الخطر المحتمل ما يمكن ان يفسر الاحداث المتلاحقة التي لم تخلو من التناقض في احيان كثيرة خاصة وان تاريخ العلاقات بين السلطات الصينية والايغورلم يخلو من التوترفي مراحله المختلفة. واذا كانت الصين تعمدت خلال ازمة التيبت التي سبقت العاب الاولمبياد العام الماضي التعتيم على تلك الاحداث ومنع الصحافيين الاجانب من الوصول الى التيبت فانها لم تتاخر هذه المرة في الانفتاح على وسائل الاعلام الاجنبية وفي فتح ابواب الاقليم للصحافيين الاجانب المتوافدين عليه وفي تنظيم الرحلات والزيارات الى مختلف المواقع فيه والاصرار على التعامل مع احداث شينغيانغ كجزء من الحرب المعلنة على الارهاب بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر.وكل التبريرات تبقى قائمة بالنسبة للعملاق الصيني الذي يتحسب لما ال اليه مصير الاتحاد السوفياتي السابق والذي لا يخفي انه لا يمكن ان تقبل بفقدان سيطرته على الاقليم الشاسع الذي يبلغ ثلاثة اضعاف مساحة فرنسا والمتاخم لحدود ثمان دول بينها روسيا وقازاخستان وقرقستان وطاجكستان وافغانستان وباكستان والهند ومنغوليا وهو اضافة الى كل ذلك منبع للثروات الثمينة من الزنك واليورانيوم والمعادن والنفط والغاز. تكتيك مرحلي ام تراجع؟ في خطوة قد تحمل في طياتها اكثر من اشارة عن استعداد السلطات الصينية على تجنب اسوا الاضرار والاستفادة من تجارب الازمات الداخلية السابقة منذ احداث تيان ان مان قبل عشرين عاما الى احداث شينغيانغ التي يعيش على وقعها الاقليم منذ نهاية الاسبوع الماضي اختارت الصين ان تتخلى عن سياسة العصا الغليظة وحدها وان تلجا بعد خمسة ايام من العنف الى خيار العصا والجزرة ولعبة الحسابات الديبلوماسية في التعامل مع احداث شينغيانغ امام العالم الخارجي الذي يقف بالمرصاد ليراقب تطورات الاحداث المتسارعة في الاقليم الخاضع للحكم ذاتي. ولعل في اعلان الصين التراجع عن قرار سابق بالامس باغلاق المساجد في عاصمة الاقليم اوروموتشي امام مريديها لاداء صلاة الجمعة بعد ان كانت اعلنت غلقها تجنبا للمزيد من المواجهات بين اقلية الايغور المسلمة وبين الهان ما يمكن ان يؤشر الى احتمال دخول الازمة منعرجا جديدا باتجاه الحد من اسباب ازمة الثقة المتفاقمة بين الاقليات المتعايشة في الاقليم الذي غالبا ما يصفه الاعلام الغربي بتكساس الصين بسبب ثرواته الطبيعية الكثيرة والمتنوعة والتي يبدو انها كانت مصدرا اساسيا لازمات الاقليم بدل ان تكون سببا في انتعاشته وازهاره وذلك بسبب احساس الايغور المسلمين بالتهميش وبانهم اخر المستفيدين من تلك الثروات التي اريد لها ان تستثمر لفائدة الهان تحرص السلطات الصينية على استقدامهم وتوطينهم في الاقليم حتى لا يسيطر عليه الايغور الذين يعتبرون انفسهم اقرب لشعوب اسيا الوسطى وليس من العسير على من خبر بعض شؤون الصينيين وعايشه ان يدرك ان للايغور خصوصياتهم في بلد الميار ونصف نسمة وهؤلاء سواء كانوا في العاصمة بيكين او في غواندج جنوبا او في شينغيانغ غربا حرصون على اظهار تلك الخصوصيات والحفاظ عليها من خلال بنائاتهم وطريقة لباسهم ومطاعمهم الاسلامية ومساجدهم التي تفتقر للصوامع بسبب القوانين الصينية ومحلات بيع اللحم الحلال وحرصهم على احياء الاعياد والمواسم الدينية وغيرها وفقا للشريعة الاسلامية وربما يبقى جامع البقرة في العاصمة بيكين من ابرز المعالم واكثرها استعراضا لتلك الخصوصيات رغم حرص السلطات الصينية على تتولى الاشراف والمتابعة لكل ما يتعلق بحياة المسلمين لديها... ولا شك ان محاولات التبسيط في قرائة المشهد في شينغيانغ والتقليل من اهمية الاحداث الاخيرة لا يمكن الا ان يكون اصرارا على الهروب الى الامام وتجاهل الاحتقان الحاصل في النفوس وكما انه لا يمكن الغاء وجود اصابع خارجية حاولت استغلال الازمة والاستفادة منه افانه لا يمكن ايضا الاستهانة بالتحرك الشعبي للايغور ردا على مقتل مواطنيهم على يد مواطنين من الهان في احد المصانع بمنطقة غواندجو في الجنوب وفي كل الحالات فان حرص الصين على استباق الاحداث واصرارها على سحب البساط امام كل محاولات التفكيك او التقسيم التي يمكن ان تستهدفها لحماية المشروع الصيني الشيوعي تستوجب البحث عن الحلول الكفيلة بضمان استمرار وتحصين وحدة الصين امام كل المخاطر والتحديات الداخلية والخارجية...