تونس الصباح: ظاهرة بيع البنزين المهرب على قارعة الطرقات باتت أمرا مألوفا، لكن الجديد هو سرعة انتشار الظاهرة، التي لم تعد مقتصرة على مناطق الجنوب التونسي او الشمال الغربي، بل هي اليوم على مشارف العاصمة، بعد أن غزت كافة المناطق الساحلية وأصبحت مصدر رزق وفير لتجار سوق المحروقات الموازية المهربة من الجزائر وليبيا. والمؤكد أيضا أن أضرار البنزين المهرب لا تتوقف فقط على مصالح محطات البنزين، او على ضررها البيئي او مخاطر الحرائق المحدقة بسبب عرضها العشوائي، بل إنها تشمل أيضا محركات السيارات. وللتذكير فقد كانت "الصباح" قد نشرت خلال الاسبوع المنقضي تحقيقا بشأن ظاهرة البنزين المهرب، وأثرها على السوق المنظمة وعلى المنتعشين من تجارتها. لكن عنصرا لا يقل أهمية يضاعف من سلبيات الظاهرة وخطورتها. فبيع البنزين المهرب، بات تقريبا يشمل معظم مناطق الجمهورية، فلا يجد أي صاحب سيارة اليوم عناء يذكر إن أراد التزود بالبنزين، أو المازوط المورد بطرق غير شرعية، يدفعه إلى ذلك إما رخص أسعارها، أو فقدان بعض أنواع البنزين من السوق المنظمة على غرار البنزين العادي، او الرفيع، أو حتى بدرجة أقل البنزين دون رصاص. لكن المفاجأة قد تحصل في أي وقت، ففي ظل عدم وجود ضمانة لجودة البنزين المهرب، فإن تضرر محرك السيارة من ذلك البنزين يصبح أمرا واردا جدا. وهذا ما وقفنا عليه وعايناه بأنفسنا. فقد أكد لنا السيد سمير وهو ميكانيكي سيارات، وصاحب ورشة لاصلاح محركات السيارات بإحدى مدن الساحل تضرر عشرات السيارات من البنزين المباع على الطرقات، وتعطل محركاتها، وخاصة آلة ضخ البنزين التي تعتبر من أبرز قطع الغيار التي سرعان ما تتعرض للتلف إن كان البنزين مغشوشا، او اختلط بمواد أخرى على غرار الاتربة والاوساخ، والماء، أو إذا ما أضيفت إليه محروقات من نوع آخر. ويفسر الميكانيكي تلف مضخة المحرك، والتي يمكن أن تؤدي في النهاية إلى الشلل التام لبقية مكونات المحرك، بسبب كثرة المواد العالقة بالبنزين المغشوش خاصة منه التراب والماء، او بسبب تغير نوعية البنزين الذي يعمل به المحرك. فمعظم أصحاب السيارات تعرضوا للغش بسبب عدم تأكدهم قبل التزود من نوعية البنزين. فإن كان المحرك يعمل بالبنزين دون رصاص وتم تزويده ببنزين عادي، او رفيع، فإن ضرره محتم على مكونات المحرك. صابر هو أحد المتضررين من بنزين الشوارع، يقول:" لقد أغراني تدني سعره، وشجعني على التزود به بعض الرفاق، لكن بعد يومين فقط بدأت المتاعب وتوقف محرك سيارتي عن العمل تماما، ولما توجهت إلى ورشة اصلاح السيارات بدا واضحا حجم الاضرار التي لحقت بالمحرك، فقد تكبدت لاصلاحه أكثر من 200 دينار بسبب عدم صلوحية البنزين الذي استعملته، كما اتضح أيضا أن البنزين كان مختلطا بالشوائب والاتربة." ومثل صابر كثيرون، لكن الملاحظ في الامر، أن درجة الاصابة بالضرر تختلف من سيارة لاخرى، كما يلعب الحظ دوره في هذه المسألة. فقد يصادف أن يجد بعض أصحاب السيارات نوعية جيدة من البنزين المهرب، فيتمادون في مدحه وفي تعداد خصاله إلى أن يأتي يوم يقفون فيه على حقيقة أن التزود بالبنزين من السوق الموازية قد ينطوي على عواقب وخيمة لعل من أبرزها تكبد مصاريف باهظة في إصلاح محرك السيارة. ويقول بعض العارفين في مجال تجارة البنزين المهرب، أن ظروف نقله الصعبة، من مكان إلى آخر وفي حاويات غير نظيفة، تقف وراء اختلاط البنزين بالاوساخ والاتربة والشوائب الاخرى. لكن أصحاب محطات البنزين يتهمون بعض تجار البنزين المهرب بالغش عبر تعمد إضافة مواد بترولية إلى البنزين بغرض تحقيق مزيد من الارباح.. جدير بالذكر أن ظاهرة تهريب البنزين وبيعه على الطرقات وفي مداخل ومخارج المدن ظلت لسنوات محصورة جغرافيا في بعض المدن الجنوبية القريبة من الحدود الليبية وخاصة بن قردان ومدنين وبعض القرى والمدن على الحدود الجزائرية. لكن اليوم بدأت تنتشر وتكتسح عدة مدن ومناطق جديدة. والاخطر أن الظاهرة لم تقتصر على حواشي الطرقات الكبرى بل انتشرت الى الاحياء السكنية، وهو ما يزيد من التأثيرات السلبية للظاهرة إذ يمكن أن يتسبب بيع البنزين عشوائيا في كوارث لو اندلع حريق.