تونس الصباح: نظرة فابتسامة، فموعد فلقاء.. فشهر عسل او بضعة أشهر احيانا ثم تشهد العلاقة الزوجية منعرجا آخر أكثر رسمية وجدية خاصة مع مرور الايام وازدياد حجم المسؤولية.. علاقات مآلها الاستمرار وأخرى مصيرها الفشل والطلاق ذلك الشر الذي لا بد منه احيانا، وعلاقات اخرى لا هي من صنف الأولى ولا هي من الثانية. هي علاقات جامدة وفاترة يخيّم عليها الجفاء والبرود، اطرافها يعيشون تحت سقف واحد ولكنهم في عالمين مختلفين. انفصال اتفاقي ولكنه غير رسمي وغير معلن لاسباب ومبررات عديدة.. منها مصلحة الأبناء. وما أبعد مصلحة الأبناء عن مثل هذه الاجواء، انه «فريقو» الحياة الزوجية، علاقة مفصولة ومنقطعة بين الزوجين ولكن في البيت فقط!! اما رسميا فهي علاقة عادية ولعلها احيانا في قمة النجاح والسعادة امام الآخرين، الاسرة الموسعة والاصدقاء و المجتمع. ولكن ما خفي شيء آخر تماما لا يعلمه الا اصحاب الشأن.. والابناء الطرف الثالث في هذه العلاقة «المعلقة» والذين يدفعون الثمن في الخفاء.. قد يصعب حصر هذه الحالات من العلاقة الزوجية «المجمدة» لانها تحصل في هدوء تام وسرية مطلقة فلا تصل الى مراكز الشرطة او المحاكم.. وان وصلت احيانا فسرعان ما تعود ادراجها لتخمد وتسكن امام اسباب ومبررات اجتماعية ونفسية ومادية اصحابها أدرى بها واعلم. ولكن السؤال الذي يطرح نفس بالحاح هو ما هي الاسباب الكامنة وراء تجميد هذه العلاقة بعد عهود من التواصل و«السعادة» في الظاهر على الأقل؟ لا سيما وان بعض هذه الحالات قد خرجت الى دائرة الضوء بطريقة او بأخرى. «منية» سيدة فاقت الاربعين من عمرها. متزوجة منذ أكثر من 12 سنة تراجعت علاقتها مع زوجها بمرور الوقت حتى وصلت الى درجة «الصفر» على حد تعبيرها ملت المشاكل والعراك اليومي والخلافات على أبسط الاشياء باتت تعلم جيدا ان زوجها بات لا يطيقها فدخلت علاقتهما «العصر الجليدي» فتجمدت حتى أضحى الامر لا يعنيها كثيرا سيما انها وجدت البديل في العمل (الخياطة).. احيانا لا ترى زوجها لاكثر من يومين مع انهما يقطنان في بيت واحد. هي تشبه علاقتها بزوجها كأنهما «جيران» ولكن الامل مازال يحدوها في ان تنصلح الامور في يوم من الايام. وعن الأسباب قالت محدثتنا، انها النزوات العابرة ورفقة السوء الذين لا خير يرجى من ورائهم..» وختمت قولها «ربي يهديه ولا شيء يهمني غير مصلحة ابنائي الثلاثة..» اما «ربيعة و.» فكان حديثها الينا مزيجا من الحقد والغضب والحزن الشديد.. لم تكد تذكر زوجها بخير.. فهو سكير وزان ومبذّر للأموال ولا ينفق على بيته رغم وضعيته الميسورة الا القليل لا يعجبه شيء في البيت «لا كلامنا.. ولا الطعام ولا الغسيل..» وعلى أتفه الاسباب تنشب الخلافات والمشاجرات فتكسر الأواني والتجهيزات وتعلو الأصوات.. حتى ملّت هي وابناها هذا الحال.. فانصرف كل منهم لحياته وشؤونه الخاصة ولا أحد منهم بات يلقي بالا الى الآخر رغم دفء البيت الذي يجمعهم.. الا ان برودة علاقتها الزوجية غيرت مناخ الجو العائلي الى جو يسوده الجفاء والتنافر واللامبالاة. اما عن حنان فهي لم تتجاوز الثلاثين من عمرها ولكنها تحمل جبالا من الهموم والمسؤوليات على عاتقها فالى جانب مشاغل ابنيها فهي تبذل قصارى جهدها حسب قولها للمساهمة في توفير حياة ملائمة للأسرة، ولكن الزوج متهم ايضا في هذه الحالة، فهو كثير الشك في زوجته الى حد الوسوسة والتجسس عليها فكثرت المشاكل شيئا فشيئا بعد فترة قصيرة من السعادة والانسجام اثمرت طفلين في عمر الزهور، حينها لم تعد الفرصة امامها متاحة للتراجع فخيّرت ان ترضى بقدرها وتهتم بطفليها ولم تعد تهتم بزوجها الذي بات هو الاخر غير مبال بتدهور علاقته الزوجية التي دخلت مرحلة اللاعودة واللااستمرار فكان الجمود والفتور والجفاء في المشاعر والمعاملات.. زوجات.. متهمات ولئن حملت محدثاتنا ازواجهن السبب في تراجع علاقاتهم ودخولها مرحلة «الفريقو» فهن ايضا يتحملن جزاء من المسؤولية عند بعض الأزواج الذين يشتكون نفس الحالة. احدهم يقول «تزوجتها في سن مبكرة.. وشعرت بمرور الوقت اني لم أحسن الاختيار».. «زوجتي تفعل الكثير لارضائي الا انني أشعر تجاهها فقط بانها مربية جيدة للأبناء ولكن ليست تلك التي رسمتها في مخيلتي قبل الزواج..» يقول زوج آخر. اما مكي فيقول «اصبحتْ زوجتي مهملة فجأة لنفسها ولباسها حتى اصبحت أشعر انها لا تهتم بي.. ورغم نصائحي لها الا ان قناة الحوار بيننا اعتقد انها معطلة ولا مجال للتفاهم ابدا.. وكذلك لا مجال للطلاق والانفصال وتضييع أبناء ابرياء..» يقول زوج آخر: «حياتي الزوجية حياة باردة جدا ورتيبة ومملة وليس لي دافع للحديث معها.. لانها لا تفهمني..» وآخر يضيف بعد تجربة قرابة 20 سنة من الزواج: «ترى زوجتي النساء من حولها.. وهي كما هي لم تتغير.. وزميلتي في العمل تشعرني اني مراهق في الثامنة عشر من عمري رغم أني جاوزت الاربعين»!! هذه آراء بعض الأزواج في سبب تراجع العلاقات الزوجية وجمودها.. فهؤلاء رغم هذه الشروخ والفجوات التي يعيشونا في حياتهم الزوجية خيّروا عدم اللجوء الى ابغض الحلال.. ومهما يكن السبب في ذلك الا ان السؤال المطروح هنا هو كيف يمكن للأبناء العيش والتأقلم في ظل هذه الوضعية الاسرية الباهتة؟ أبناء يدفعون الثمن وآثار نفسية مدمرة «حميدة.ش» فتاة لم تتجاوز العشرين من عمرها، اصبحت من الحرفاء القارين لاحد الاطباء النفسانيين بالعاصمة روت بعض تفاصيل قصتها في كآبة واحباط. تقول «عشت طفولة كئيبة وعنيفة، لرغم حالنا الميسور الا ان الخلافات والشجارات لم تغب يوما عن بيتنا المرفّه، وبسبب اتفه الأشياء، حتى بت أتساءل كيف امكن لأبويّ الزواج؟ كبرت في بيت مشحون بالتوترات ولكنها اختفت تدريجيا بعد ان اقتنع الاثنان انه لا مجال للحوار او التفاهم الا ان ذلك لم يكن عبر الطلاق.. وليته كان الطلاق.. انها علاقة زوجية مع ايقاف التنفيذ. تنام امي في غرفة وأبي في غرفة أخرى.. لا يجتمعان على طعام او جلسة أسرية الا نادرا اذا اتانا ضيف او قريب.. مرضت أمي بعدة امراض مزمنة وهي تقضي يومها في المنزل اما والدي فلا يأتي الا فجرا.. شعرت بنوع من الاهمال خاصة أنه لا أخت لي اقاسمها احزاني وهمومي، فليس لي سوى أخ لا أراه هو الاخر الا نادرا.. فخضت عدة تجارب وعلاقات.. وبت أتردد على المقاهي والكازينوات ثم احسست بنوع من الحقد والكره الشديدين للآخرين ولكل المبادئ والقيم ولكل الممنوعات رغم أني اعلم أني خاطئة في ذلك.. احسست بكره تجاه أبي.. اصبحت عصبية واحيانا ولاتفه الاسباب وجدت نفسي ادخل حالة هستيرية وغضب وهيجان وأتلفظ بأبذإ العبارات واكسر كل ما وقعت عليه يدي من تجهيزات المنزل.. اخذتني والدتي الى طبيب نفسي.. ولكن ادويته اصابتني بالخمول والغثيان فامتنعت عنها.. ومازالت حياتي على هذه الشاكلة، تافهة وبلا معنى حتى أني لا أعتقد ان في وجودي فائدة.. فحياتي بلا معنى ولا جدوى..» هذه حالة من عديد الحالات المشابهة سببها حياة زوجية جامدة.. وقاتلة ذات آثار مدمرة على أبناء لا ذنب لهم وهم يعيشون يوميا تفككا أسريا وجمودا عاطفيا بين الأبوين افقدهم الحنان والاحساس بالرابط الأسري فعاشوا ألوانا من المعاناة والوحدة والشعور بالاحباط والكآبة. جمود «تعاقدي» في هذا الصدد افادنا الأستاذ عبد الوهاب محجوب استاذ علم النفس ان الحالات تتفاوت وتختلف في هذا المجال وأسوأها مرحلة الجمود العلائقي بين الزوجين وهو جمود تعاقدي وان كان بصفة غير مباشرة اي ان الطرفين لجأوا مجبرين او مخيرين الى هذه المرحلة حيث لا زواج ولا طلاق. وان كان الطلاق في هذه الحالة افضل لان آثاره حينها ستكون محدودة مع توفر قناة للتواصل والحوار وقد تؤدي الى العودة. وهذا النوع من العلاقة المجمّدة لا شك انه يعود بالضرر على الأبناء الى درجة الاصابة بحالة مرضية نفسية قد لا تحمد عقباها. والابن في هذه العلاقة اعتبره يتيما، وهو يتيم مشاعر الأبوين، لا أصل وجودهما.. وهو ما ينجم عنه نوع من السلوك الثائر الرافض للسلطة الابوية والأسرية فيخضع الابن لاشعوريا لنداء «اللاء» الباطني المتأثر بهذه العلاقة وهو ما يسبب غيابا شبه مطلق للاحترام والتقدير من طرف الأبناء داخل البيت مما يولد تدريجيا نوعا من العنف السلوكي تجاه الذات وتجاه الآخر فتجد الابن دائما ما يردد اثناء الغضب الفاظا عنيفة وتهديدات بالضرب او القتل أو الانتحار.. وذلك كنوع من معاقبة النفس عن الوجود فالابن هنا والذي عايش مثل هذه الأجواء الجامدة بين أبويه يتمنى التخلص من وضعيته وحياته ويسعى الى ذلك بمختلف الطرق كهجر البيت او اللجوء الى الخمور او المخدرات وباب الانحراف بشكل عام وبالتالي تنعدم فيه أسس تكوين الشخصية وهو ما يساهم في تدهور تكوينه ومستواه الاخلاقي والسلوكي والنفسي وحتى العلمي.. وكل ذلك من شأنه ان يولد في نفسه بشكل لاواع نوعا من الحقد والرفض لكل سلطة من السلط سواء الأسرية او الاخلاقية او القانونية.. مما يفتح امامه واسعا باب الانحراف والأمر سيان بالنسبة الى الشاب او الشابة مادامت الاسباب واحدة. طلاق غير منجز الاستاذ شهاب اليحياوي مختص في علم الاجتماع وصف لنا هذه الحالة بانها نوع من الطلاق غير «المنجز» وغير «المعلن» وهو طلاق مع تأجيل التنفيذ... وفيه نوع من اعطاء الفرصة للصلح وان طال امدة وغالبا ما يرفض اصحاب هذه الحالات من العلاقة الزوجية المجمدة الطلاق اما بسبب المكانة الاجتماعية لان اغلبهم من ميسوري الحال.. او حفاظا على الأبناء حسب ظنهم او هروبا من اجراءات قانونية وتبعاتها عند الطلاق الفعلي بالنسبة للطرفين وهو ما يجعل نوعا من التعاقد السري غير المعلن على ايقاف العلاقة الطبيعية للزواج ليحل بدلها فتور وبرود وجمود وغياب للحوار والعاطفة والأجواء الاسرية حتى في المناسبات وهو ما ينجم عنه تأثير سلبي تدريجي على الأبناء الذين يختل ميزان العاطفة لديهم ويضعف شعورهم بالحب للأبوين في ظل انقسام واضطراب واضح للاحساس بالرابط الأسري. ويستشعر الابناء هذا الشرخ الحاصل في العلاقة الأبوية مبكرا ليزداد مع مرور الوقت ونضجهم الفكري اكثر وهو ما ينتج في النهاية شرخا أسريا وتفككا عائليا يكون الأبناء في العادة ضحاياه الاساسيون وذلك ينعكس بوضوح في سلوكاتهم التي تميل الى العنف والكآبة والانكماش وهو ما يؤثر حتى على نوع علاقاتهم بالآخرين حتى الأقرباء وقد يؤثر ذلك ايضا بنسبة كبيرة في حياتهم المستقبلية سواء العاطفية او الدراسية والمهنية وغيرها. وأكد لنا محدثنا مجددا افضلية الطلاق الفعلي على هذا النوع من العلاقة الزوجية ذلك ان في حالة الطلاق يمكن للابن ان يمتص تدريجيا صدمة انفصال أبويه فيضعف عنده الشعور بالحقد والاحباط بينما في مثل هذه الحالة من العلاقات «المجمّدة» تزداد حالة الأبناء سوءا يوما بعد يوم. كما لخّص لنا المختصون اهم الاسباب المؤدية الى هذا النوع من العلاقات خاصة في تفاقم الشكوك او الاتهامات بالخيانة بين الزوجين الراجعة اساسا الى الزوج، اضافة الى عدم اهتمام الزوجة بنفسها وطغيان الملل والرتابة في الحياة اليومية للطرفين وكذلك زيادة الاهتمام بالأبناء واهمال الزوجة وتقصيرها في احتياجات الزوج العاطفية وتكاثر الخلافات والمخاصمات وعلى أتفه الاشياء اضافة الى ضعف المستوى الثقافي ووجود فارق تعليمي بين الزوجين وكذلك المشاكل الجنسية.. كل هذا يضاف الى وجود الأبناء والمظهرية الخارجية والخوف من اهتزاز المكانة الاجتماعية..