جنبلاط... بيلدوزر السياسة اللبنانية.. خاض حروبا عديدة... بأسلحة خصومه.. حارب المارونيين... بسلاح إسرائيلي.. خاصم جعجع... بذراع درزية.. اصطف خلف 14 آذار... قبل أن يقلب الطاولة عليه مع سلاح حزب اللّه حينا... وضده حينا آخر.. مع الجيش... وضد تفكيك المقاومة.. يرفض شراكة المسيحي... لكنه لا يتردد في تملقه.. يكره الجنرالات... ويتقرب إلى الجنرال عون.. يعلن الثورة على العروبة.. ثم يستردها بجرة تصريح.. يقف على اليسار... ثم ما يلبث أن يقفز إلى اليمين من دون أضواء الإشارة.. الطائفية عنده منبوذة في الايديولوجيا لكنها محبذة في السياسة.. لأنها الخيط السالك نحو الزعارمة.. في مجتمع.. الزعامات فيه بالجملة.. * * * * * استقل لبنان عن فرنسا لكنه حافظ على الأسلوب الفرنسي.. في الادارة.. وعلى الموقع الطائفي... في السياسة.. وعلى الضغط الغربي... في الاستراتيجيا.. وعلى الرقم الفارسي... في التحالفات.. وعلى الموقف السوري... في نسيج العلاقات وعلى وليد جنبلاط... في فن «البهلوانية».. * * * * * «البيك».. ارتبط بقاموس من الأوصاف.. نعتته الصحافة ب«الفزاعة اللبنانية» وصفه خصومه ب«قرضاي».. بعقل اشتراكي... ولسان درزي.. سريع الاصطفاف... وأسرع في التقلب.. علقاني بمزاجية عالية.. دائم التوتر... في هدوء اصطناعي يتحدث قليلا... ولكن اشعاعاته ممتدة.. اختلف حوله مريدوه... قبل معارضيه.. لأن للرجل شطحات.. بلا نوتة موسيقية.. * * * * * شيطن جنبلاط كل شيء في لبنان.. شيطن الدروز... فتعلقت بهم مذابح المارونيين.. شيطن المقاومة... فحولها الى لغم لبناني مخيف.. شيطن الجيش... فأضحى من الأرقام الصعبة.. شيطن المعارضة... فتدافع الناس نحو الموالاة.. شيطن الموالاة... فوضعها على صفيح ساخن.. سيطن الحكومة... فتعطل تشكيلها..شياطين (البيك).. لعنات أصابت السياسة اللبنانية بداء الهوس.. ومرض أنفلوانزا جنبلاط.. * * * * * تاريخ لبنان... هو تاريخ البحث عن الوسط.. رفع جنبلاط شعار «الوسطية».. من دون أن يتزحزح عن اليسار.. حمل لواء اليساريين لكن تحالفاته الغالبية... يمينية الهوى.. يرتمي في اليمين.. تحت شعار الرهان على الوسط.. ويلقي ب«الاشتراكي» في لعبة الطوائف.. بعنوان الوسطية.. ويقرر الانسحاب... بذريعة الوفاق الوسط.. لكنه فشل في الاستقطاب في بلد يقوم على الاصطفافات غير الوسطية.. * * * * * طلب جنبلاط اللجوء السياسي إلى قصر بعبدا... بعد أن حرص على المزاوجة بين الآذاريين.. لكنه اصطدم بالقصر المغلق والفريقين المتخالفين عليه.. وخروج الجنبلاطيين من (كوما الصمت) رافضين ارتدادات «البيك»... وهكذا خسر... ثورة الأرز.. وأخاف الدروز... وأربك الشيخ سعد وصدم مسيحيي 8 آذار.. خلط الأوراق من جديد... وقد يفقد ورقته... * * * * * التمذهب والتمحور... صناعة لبنانية فريدة.. ما أن يغادر المرء هذا الحزب حتى يتمذهب في طائفة.. المحاور جاهزة... والمذاهب على أهبة الاستعداد والمتمحورون.. على قارعة المشهد السياسي تتشكل المحاور بسرعة... وتتفتت بشكل أسرع ضمن لعبة أقرب للدومينو في رقعة لبنانية شرهة.. في لبنان من الصعب جدا.. ميلاد حكومة.. لكن من اليسير.. ولادة أزمة سياسية.. تغيير التحالفات... يغير المشهد السياسي.. يكفي صدور تصريح... لكي تنقلب المعادلات.. الوضع السياسي.. نسخة من هشاشة الدولة والجيش.. والأحزاب.. والطوائف.. والزعامات.. * * * * * العقل السياسي لوليد (بيك)... يقوم على نظرية المؤامرة.. الدروز عرضة لمؤامرة طائفية.. والوضع العربي.. معرض لمؤامرة إسرائيلية وإيران مهددة... بمؤامرة غربية.. 14 آذار.. مهيأ لفتنة يمينية ولبنان... أرض تتمحور حولها خرائط المؤامرات واللبنانيون يتساءلون رغم كل ذلك.. أين يقع جنبلاط من المؤامرة.. * * * * * دمشقوالرياض... مثل الجار والمجرور به في اللغة.. إذا اقتربت دمشق من الرياض جرت الدماء اللبنانية في شرايين الرئاسة.. والبرلمان.. والطوائف.. وإذا انقطع حبل الود... افتقدت لبنان استقرارها.. وأضاعت بوصلتها وجنبلاط يلعب على هذا الوتر.. أدرك أن البوابة السورية... تتخذ شكلا دائريا.. تصلح للزعامة... وتفيد في المعارضة.. وتمثل رصيدا.. عند التقاعد السياسي المبكر لذلك كانت سوريا... هي المنشأ لوليد وهيد الفزاعة للبنان.. وهي الصديق المميز في المستقبل الجنبلاطي.. عندما يكون «البيك» قد تخلى عن الدروز والحزب الاشتراكي... واللقاء الديموقراطي * * * * * مشروع الدولة اللبنانية... ثوب بقياسات عديدة.. حزب اللّه ينادي بدولة... أصلها في إيران.. وفرعها في لبنان.. وجعجع يدعو إلى دولة... بصيغة مارونية.. وقوى 14 آذار... تتحرك باتجاه دولة.. برؤوس لبنانية.. وتعليمات أمريكية.. وجنبلاط... يرى في لبنان.. دولة نصفها في سوريا... وشطرها في باريس.. تحت الرقابة الإسرائيلية... والوصاية الغربية.. وإشراف الدروز... وزعامة جنبلاط.. لكنها في مهب الرياح الإقليمية العاتية..