يفترض أن يكون مئات الملايين من المسلمين في العالم أجمع اليوم صائمين بمناسبة شهر رمضان ..وستكتظ الجوامع في العالم ليلا بمناسبة صلاة «التراويح».. إلى درجة إغلاق بعض الطرقات والأرصفة أمام المارة بسبب الوقوف العشوائي لسيارات المصلين.. وفي مئات القنوات التلفزية والإذاعية ستتنافس عدة جهات على توظيف شهر رمضان لكسب ود مئات الملايين من المستهلكين ..من مستهلكي الخطب الدينية التقليدية إلى «الوكاله» (بتشديد الكاف) وعشاق «الهمهاما» وتنوع الوجبات على موائد الافطار تكريسا «للتعددية» الغذائية .. وفي كل ساعة من ساعات النهار والليل سيطل علينا من الفضائيات «شيوخ» يتحدثون مطولا بمناسبة شهر الصيام عن الجنة والنار ..ونواقض الوضوء والصلاة ومبطلات الصوم ..مع ترديد مقولات تضفي علاقة «تجارية» غريبة بين الصائم وممارس العبادات عموما وربه ..عوض تقديم قراءة عقلانية للمقاصد السامية للصوم وعلى رأسها فهم معنى الحرمان للتضامن مع ضعاف الحال طوال العام .. عبر التكفل مثلا بنفقات تلميذ محروم من الدراسة أو حاجيات عائلة لها طفل معاق.. والواقع يؤكد البون الشاسع بين أخلاق غالبية المسلمين في رمضان وبعده رغم الجهد الذي تقوم به بعض القنوات وعلى رأسها إذاعة الزيتونة من نشر لقيم الاعتدال والتكافؤ الاجتماعي ..ومن توعية بان من أهم مقاصد الإسلام والصوم ترويج قيمة حب الانسان لاخيه الانسان ..لأنه دين محبة معاملات واحترام للآداب في التعامل مع الجيران في السكن والعمل ومستعملي الطريق .. إذن فالحاجة لا تزال كبيرة جدا للتوعية بان شهر الصوم ليس مناسبة فقط للحديث عن الجنة والنار والعبادات ..بل فرصة لتحسين سلوكيات ملايين المسلمين في كل بلد ..الذين يصومون ويؤدون الصلوات لكن قضاياهم في المحاكم ونزاعاتهم لا تكاد تحصى .. فعسى أن تركز عشرات الآلاف من الدروس الدينية التي برمجتها وزارة الشؤون الدينية في الجوامع خلال شهر رمضان لتوعية التونسيين والتونسيات بان الصوم وغيره من العبادات ليس هدفا في حد ذاته ..بل مدخلا لوقف العنف اللفظي والمادي وزرع السلوكيات الحسنة في طرقاتها ومجتمعنا ..وفي علاقات الناس ببعضهم البعض ..