تونس - الصباح :المسلسلات التي عرضت خلال الشبكة الرمضانية في مختلف قنواتنا خلفت انطباعات مختلفة وآراء منقسمة حول مضامينها وكذلك إخراجها وتفاعل أبطالها مع الأحداث التي تضمنتها. ولأنه من الطبيعي جدا أن يدافع كل مشارك في أحد الأعمال سواء كتّاب السيناريو أو المخرجين أو الممثلين عن المسلسلات التي شاركوا فيها أسوة بالمثل القائل "آشكون شكّار العروسة؟"وعلى خلفية أن أهل الدراما أدرى بشعابها، ارتأينا الاعتماد على آراء البعض من أهل الاختصاص وأيضا البعض ممن لم يشاركوا في إنتاجات هذا العام لمشاركتنا استطلاعنا الذي اخترنا له محورين الأول يتعلّق بتقييم ما عرض من إنتاج وطني والثاني يتعلق بالسؤال الذي يتردد منذ أن دار الحديث قبل نحو سنتين عن رفع سقف الإنتاج الدرامي إلى حوالي 12مسلسلا في العام وهو «لماذا لم يؤخذ هذا الحديث محمل الجد» وبدا وكأنه "كلام الليل المدهون بالزبدة" وما هي المعوقات التي تحول دون تحويله إلى قرار نافذ؟ محوران أعددنا لهما قائمة طويلة بأسماء ذوي الاختصاص. قليل منهم تجاوب معنا وأبدى رغبة في الإدلاء برأيه وكثير منهم تهرّب اجتنابا للحرج والحساسيات فيما تملّص البعض الآخر من الإجابة حيث أقفلوا هواتفهم بعد أن طالبونا بمعاودة الاتصال. المنتج والمخرج المنصف ذويب والمخرج الحاج سليمان والممثلتان ناجية الورغي ومنية الورتاني كانوا الأكثر استعدادا للتعبير عن آرائهم بكل صراحة في المحورين. نقاد بدون جرأة في باب تقييم ما عرض من أعمال اختار المخرج حاج سليمان أن يلتزم الصمت .حتى لا يقال عنه أنه يفعل ذلك لغياب أعماله بينما اعترف المنتج والمخرج المنصف ذويب أن التزاماته لم تمكّنه من متابعة الإنتاجات مصرّحا بأنه سمع كلاما كثيرا عن "مكتوب2" و"نجوم الليل" . وعن عملية التقييم في حدّ ذاتها رأى ذويب أنها من مسؤولية النقاد الذين عليهم أن لا يتهرّبوا منها كونهم وحدهم القادرين بحكم اختصاصهم على الحكم على العمل إن كان جيّدا أو لا وكم نحن في حاجة إلى رؤية نقدية تحليلية مختصة ولست أدري لماذا لم يسارع نقادنا إلى القيام بهذه المهمة ذلك أنني لم أطلع على رأي نقدي مختص فيما قدّم من الأعمال... ما يجب أن يعيه نقادنا أنه عليهم أن يقيموا ما شاهدوه بكل جرأة بل بذات الجرأة التي يقدّم بها صاحب العمل إنتاجه .. كفانا اعتمادا على الآراء الانطباعية وعلى استطلاع رأي الجمهور وهي أحكام لا يمكنها أن تخدم مستقبل إنتاجنا الفني في شيء. ما نحتاجه فعلا هو تحكيم "الأوديمات" الذي يبقى الحل الأنجع في التوصل إلى دراما حقيقية وناجحة على شاشة تلفزاتنا العمومية خاصة. الممثلة منية الورتاني استغربت من المستوى الذي ظهر عليه مسلسل "عاشق السراب" للسيناريست علي التواتي الذي قدّم في السابق أعمالا جيّدة، بينما بدا موضوع عمله الأخير أشبه بمجموعة ندوات... نفس العمل رأت فيه منية الورتاني ضعفا على مستوى توجيه الممثلين الذين بدت أدوارهم غير مدروسة متسائلة كيف يمكن لممثل أن يتحرّك بدون إدارة مخرج مستثنية البعض ممن أنقذتهم خبرتهم الطويلة أما بالنسبة ل"أقفاص بلا طيور"، فتقول منية أنها لم تتابعه لأن "الباربول هرب" وقطع عليها فرصة متابعة قناة تونس 21، لكن في المقابل لم تفوّت ولو حلقة واحدة من مسلسل "مكتوب2" الذي شدّها كثيرا حيث استنتجت من خلال ال30 حلقة كتابة عميقة على مستوى النص وقد أعجبتها كثيرا النهاية التي حدّدت مصير "شوكو" مؤكدة أنه كان لا بد أن يلقى ذلك المصير. أدوار أقل من الموهبة على مستوى التمثيل أعجبت منية بشكل كبير بآداء عاطف بن حسين كما رأت تحسنا كبيرا في مؤهلات ياسين بن قمرة (إلياس) وسميرة المقرون (سيرين). عن "شوفلي حل" قالت منية " أن هذا العمل لا يحتاج إلى تركيز لتفهم حكايته ويمكن للمرء أن يتابع أحداثه حتى وهو "يمشي ويجي" أي أن أحداثه لا تتطلب الجلوس أمام التلفاز لفهمها... الممثلة ناجية الورغي عبّرت عن رأيها بكل صراحة حيث قالت "لم يشدّني أي عمل هذا الموسم ..لا من ناحية المضمون ولا الإخراج. فمنذ الحلقات الأولى تبيّن لي أن أصحاب تلك الأعمال لم يعكسوا لا حياتنا ولا واقعنا ولا تاريخنا لذلك فإنك تهرب منها دون أن تشعر وهو أمر مؤسف حقا". وأضافت ناجية الورغى أن أكثر ما لفت انتباهها في دراما هذا الموسم أن بعض الأسماء اللامعة في مجال التمثيل ممن تمت دعوتهم للمشاركة في الأعمال، لم تكن أدوارهم في حجم موهبتهم وخبرتهم مستشهدة بكل من وجيهة الجندوبي ودليلة المفتاحي اللتين تعتبران من أنجح الممثلات في تونس. لكن الأدوار التي أسندت إليهما لم تكن في حجمهما بل "لا ليها لا راس لا ساس". التسويق والقطع مع المحسوبية المحور الثاني المتعلّق يرفع سقف الإنتاج للأعمال الدرامية اتفق فيه على مسألة الدعم والتمويل والتسويق بينما رأت بعض الأطراف أنه هناك عوامل أخرى تقف وراء عدم المضي قدما في تحقيق هدف النهوض بحجم وجودة الإنتاج الدرامي. وبينما ربطت ناجية الورغي المسألة بالدعم المادي وبالميزانية التي لا تسمح بدعم الإنتاج الدرامي ورفع سقفه مؤكدة أن الأمر لا يقتصر فحسب على الدراما وإنما هي معضلة تعاني منها سائر الفنون الأخرى بما فيها المسرح مشيرة إلى أن العروض المسرحية المدعومة لا تتعدى ال6 عروض على أقصى تقدير بينما المقترحات أكثر من ذلك بكثير. المخرج الحاج سليمان لا يختلف كثيرا في رأيه عن ناجية الورغي حيث يقول " بحكم تجربتي الخاصة فأول المعوقات هو عملية تمويل الإنتاجات ثم النصوص الجيّدة القادرة على أن تخلق مسلسلا ناجحا ذلك أن ما عرض في هذا الموسم يعدّ الأقل ضعفا بين ما تمّ تقديمه من مقترحات كذلك على الكثيرين أن يعلموا أن من مهام التلفزة نشر الثقافة. ولذلك عندما تنتج فهي لا تنظر إلى المسألة من منظور تجاري أي أن هدفها ليس جني المال، هنا لا بد من مطالبة قطاع الإنتاج الخاص بالتحرك لرفع سقف الإنتاج لا بد أن تساهم فيه جميع الأطراف وليس التلفزة وحدها. فمسلسل ب15 حلقة ليس سهلا كما يتصور البعض فهو يستنزف مالا وجهدا وإمكانيات... نحن في حاجة أيضا إلى توظيف الرجل المناسب في المكان المناسب كتابة وإخراجا وتمثيلا وديكورا وتصويرا ذلك أن العمل الدرامي " موش للي يجي". عندما تتوفر العوامل والمناخات الملائمة للإنتاج، يمكننا وقتها الحديث عن الترفيع في عدد الأعمال وحتى يحصل ذلك لا بد أن نتعلم قبل كل شيء كتابة نصوص صالحة للاستغلال. فمن غير المعقول أن تنفق "شطر ميزانية فيلم" في مسلسل قد ينجح وقد لا ينجح. الخروج من الموسمية منية الورتاني ترى أن عدة عوامل تعوق الخروج بالدراما التونسية من ثوب الموسمية على رأسها الإرادة التي بإمكانها أن تخلق كل الإمكانيات وتقطع مع الصعوبات .. المفتاح أيضا في نظر منية في يد المشرفين على الإنتاج الدرامي الذين عليهم أن يضعوا استراتيجية ورؤية تخدم الثقافة الوطنية والمصلحة العامة وذلك بالتخطيط المحكم لانتاج أعمال قادرة على أن تروّج وقادرة على أن تفهم وقد عشنا هذه التجربة في السنة الماضية من خلال مسلسل "صيد الريم" يتحدثون عن مشاكل الإنتاج المادية.. أنا أقول أن "الراعي" بات اليوم هو الذي يركض وراء الأطراف المنتجة... فقط على المشرفين أن يعملوا بجد وأن يصنعوا نجوما حقيقيين في مختلف الاختصاصات ليس فقط في الكتابة والتمثيل والإخراج بل أيضا في كل ما يتعلق بالديكور والاكسسوارات والملابس.. ثم على مستوى الكتابات لا بد أن تكون قريبة من الواقع وبأقلام مختلفة والأهم من كل ذلك علينا أن نقطع مع المحاباة والمحسوبية وأن نفسح المجال لأصحاب الخبرة والاختصاص ليعملوا ويبدعوا. أكثر ما نحتاجه لدعم الدراما المحلية هو التحركات لكسب الأسواق الخارجية... المسؤولون عليهم أن يسافروا وأن يعرّفوا بالإنتاج التونسي سواء في السوق المغاربية أو الخليجية أو المصرية أو السورية... الفضائيات أصبحت مثل "شعر الرأس" ونحن مازلنا نفتقد الاستراتيجية الناجعة للتسويق ومازلنا نردد تلك التعلّة التي آمن بها الكثير منّا ومفادها أن لهجتنا تقف عائقا أمام تسويق أعمالنا... هنا أريد أن أوضح أن المشاهد العربي الذي فهم التونسيين وهم يتكلمون في برنامج "ستار أكاديمي" يمكنهم أن يفهموا مسلسلاتنا. بل أذهب إلى أبعد من ذلك وأقترح أن تتم دبلجة مسلسلاتنا إلى العربية الفصحى إذا كانت اللهجة هي العائق... بعد أن نضع حدا لكل الإشكاليات التي طرحتها وقتها يمكننا الحديث عن رفع سقف الإنتاج. حبل النجاة المنصف ذويب الذي أفصح لنا بأنه لم يسمع من قبل عن مسألة التفكير في رفع سقف الإنتاج الدرامي قال "مطلب شرعي وطبيعي أن نخرج من دائرة رمضان الضيقة أو فتح الإنتاج على أكثر من مسلسل وشريط تلفزي.. شخصيا أنا من أنصار الشريط التلفزي الذي يقرّب السينمائيين من التلفزة فقد قدمت شريط "طلاق إنشاء" وحصل على جائزتين في القاهرة كما ساهم في اكتشاف عدّة وجوه استغلتها الدراما لاحقا من بينها ظافر العابدين... يقيني أن الجسر بين الدراما والسينما ليس الإشهار ولا المسلسلات إنما هو الإكثار من الأشرطة التلفزية. لا أظن أننا قادرون على إنتاج 12 مسلسلا في العام. ولكن باستطاعتنا إنتاج 12 شريطا تلفزيا بمعدل شريط في الشهر والشريط يخوّل ل12 مخرجا ول12 مؤلفا ول12 فريقا تقنيا ولعدد كبير من الممثلين العمل وبذلك لن نكون مجبرين على رؤية نفس المخرج ونفس الكاستينغ لسنوات متتالية».. هل هناك من يُصْغِي؟