ارتفاع أسعار الأضاحي بهذه الولاية..    صفاقس: ولي يعتدي على معلّم.. والمربون يحتجّون    الموت يفجع حمدي المدب رئيس الترجي الرياضي    إحداث خزان وتأهيل أخرين واقتناء 60 قاطرة لنقل الحبوب    وزير الفلاحة : أهمية تعزيز التعاون وتبادل الخبرات حول تداعيات تغيّر المناخ    عاجل/ آخر المستجدات في ايران بعد وفاة "رئيسي": انتخاب رئيس مجلس خبراء القيادة..    عاجل : قتلى وجرحى في غرق ''ميكروباص'' بنهر النيل    كوبا أمريكا: ميسي يقود قائمة المدعوين لمنتخب الأرجنتين    وفاة نجم منتخب ألمانيا السابق    البطل العالمي والبرالمبي وليد كتيلة يهدي تونس ذهبية ويتوج بطلا للعالم    لأول مرة: إطارات تونسية تصنع الحدث .. وتقود نادي سان بيدرو الإيفواري إلى التتويج    دورة رولان غاروس الفرنسية : عزيز دوغاز يواجه هذا اللاعب اليوم    حاول اغتصابها فصدته: 20 سنة سجنا لقاتل قريبته..    مناظرة انتداب عرفاء بسلك الحماية المدنية    مفزع/ حوادث: 22 حالة وفاة و430 مصاب خلال 24 ساعة..    فظيع/ هلاك كهل بعد اصطدام سيارته بشجرة..    في الملتقى الجهوي للمدراس الابتدائية لفنون السينما ..فيلم «دون مقابل» يتوج بالمرتية الأولى    الكاف ..اختتام الملتقى الوطني للمسرح المدرسي بالمرحلة الإعدادية والثانوية    توزر ..تظاهرة إبداعات الكتاتيب «طفل الكتاب إشعاع المستقبل»    إختفاء مرض ألزهايمر من دماغ المريض بدون دواء ماالقصة ؟    اصابة 10 أشخاص في حادث انقلاب شاحنة خفيفة بمنطقة العوامرية ببرقو    بدأ مراسم تشييع الرئيس الإيراني ومرافقيه في تبريز    نقابة الصحفيين تحذر من المخاطر التي تهدد العمل الصحفي..    مقرر لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان معلقا : ''كابوسا وانزاح''    صلاح يُلمح إلى البقاء في ليفربول الموسم المقبل    رئاسة الجمهورية السورية: إصابة أسماء الأسد بسرطان الدم    وزارة الفلاحة: '' الحشرة القرمزية لا تُؤثّر على الزياتين.. ''    هام/ هذا عدد مطالب القروض التي تلقاها صندوق الضمان الاجتماعي..    الرابطة المحترفة الأولى (مرحلة تفادي النزول-الجولة 11) : مواجهات صعبة لفرق أسفل الترتيب    عاجل/ تركيا تكشف معطيات خطيرة تتعلق بمروحية "الرئيس الإيراني"..    وزير الأعمال الإيطالي يزور ليبيا لبحث التعاون في مجالات الصناعة والمواد الخام والطاقة المتجددة    كان يتنقل بهوية شقيقه التوأم : الاطاحة بأخطر متحيل عبر مواقع التواصل الاجتماعي ...    الحماية المدنية التونسية تشارك في عملية بيضاء لمجابهة حرائق الغابات مع نظيرتها الجزائرية بولايتي سوق أهراس وتبسة الجزائريتين    سامية عبو: 'شو هاك البلاد' ليست جريمة ولا يوجد نص قانوني يجرّمها    البرلمان يعقد جلستين عامتين اليوم وغدا للنظر في عدد من مشاريع القوانين الاقتصادية    عمرو دياب يضرب مهندس صوت في حفل زفاف.. سلوك غاضب يثير الجدل    الدورة 24 للمهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون تحت شعار "نصرة فلسطين" و289 عملا في المسابقة    سليانة: معاينة ميدانية للمحاصيل الزراعية و الأشجار المثمرة المتضرّرة جراء تساقط حجر البرد    قبلي: تخصيص 7 فرق بيطريّة لإتمام الحملة الجهوية لتلقيح قطعان الماشية    49 هزة أرضية تثير ذعر السكان بجنوب إيطاليا    طقس الثلاثاء: الحرارة في انخفاض طفيف    وزير الدفاع الأميركي: لا دور لواشنطن بحادثة تحطم طائرة رئيسي    منوبة.. إيقاف شخص أوهم طالبين أجنبيين بتمكينهما من تأشيرتي سفر    تنبيه/ تحويل ظرفي لحركة المرور ليلا لمدة أسبوع بهذه الطريق..    هل فينا من يجزم بكيف سيكون الغد ...؟؟... عبد الكريم قطاطة    أغنية لفريد الأطرش تضع نانسي عجرم في مأزق !    تقرير يتّهم بريطانيا بالتستر عن فضيحة دم ملوّث أودت بنحو 3000 شخص    رئيس منظمة إرشاد المستهلك يدعو رئيس الجمهورية الى التدخّل لتسريع تسقيف اسعار اللحوم الحمراء    الشاعر مبروك السياري يتحصل على الجائزة الثانية في مسابقة أدبية بالسعودية    نحو الترفيع في حجم التمويلات الموجهة لإجراء البحوث السريرية    الاهلي المصري يعلن اصابة علي معلول بقطع جزئي في وتر اكيلس    تونس تتوج ب 26 ميداليّة في المسابقة العالميّة لجودة زيت الزيتون في نيويورك    تحذير من موجة كورونا صيفية...ما القصة ؟    4 تتويجات تونسية ضمن جوائز النقاد للأفلام العربية 2024    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب «تونس الشهيدة» ليس من تأليف الثعالبي الشخصي بل ثمرة مجهود جماعي
الحركة الوطنية التونسية ومطلب الاستقلال (1881-1956):(2/4)
نشر في الصباح يوم 22 - 08 - 2007

كنّا نشرنا في عددنا ليوم أمس الحلقة الأولى من الدراسة المطوّلة للأستاذ محمد لطفي الشايبي حول الحركة الوطنية التونسية ومطلب الاستقلال والتي كشف فيها الكاتب وثائق تاريخية نادرة عن الحركة الوطنية وذلك لأوّل مرّة.
وفي ما يلي ننشر الحلقة الثانية من الدراسة.
II- ميلاد الحزب الحرّ الدستوري ومطلب الاستقلال (1918-1933):
لقد سبقت ميلاد الحزب الحرّ الدستوري التونسي سنة 1920 عدّة اجتماعات ضمّت عناصر النخبة التونسية وفي مقدّمتهم الشيخ عبد العزيز الثعالبي بمقهى فرنسا بتونس ومقرّ النادي التونسي (Le Cercle Tunisien) بداية من شهر مارس 1919 أدّت إلى تأسيس الحزب التونسي33. ونتبيّن من خلال مراسلات الشيخ عبد العزيز الثعالبي (باريس) مع محمّد باش حامبة (جنيف-برلين) في الفترة المتراوحة بين 19 سبتمبر 1919 و25 أفريل 1920 أنّ تبادل الرأي شمل العديد من المواضيع المتعلّقة بنشاط الحزب التونسي نذكر منها مشروع نشر " مجلّة تونس" باللغتين العربية والفرنسية، ضرورة إقحام التونسيين اليهود في العمل الوطني والمطالبة بإدراج مطلب الاستقلال " بدون أيّ لُبْس في كتاب الحزب : تونس الشهيدة، مطالبها"34. ويتّضح أن الطريقة التي انتهجها محمّد باش حامبة أثناء إدارته لمجلّة المغرب (La Revue du Maghreb) بسويسرا من سنة 1916 إلى 1918 ومطالبته باستقلال تونس والجزائر35 شكّلت مضمون جلّ الرسائل التي وجّهها إلى الشيخ عبد العزيز الثعالبي بباريس36، فقد كان موقفه صلبا إزاء المعتدلين أمثال حسن القلاتي ومحمّد نعمان محذّرا الشيخ الثعالبي بأنه " لا يقبل أي تغيير في المبدإ الذي إلتزم به أي الاستقلال التام وتغيير نظام الحكومة (إلغاء الملكية)" (رسالة تحمل تاريخ 23-31 جانفي 1920).
وعلى أيّة حال فإنّ مطلب الاستقلال أي حقّ الشعوب في تقرير مصيرها حسب ما نادت به مبادئ الرئيس الأمريكي ولسن التحرّرية التي هزّت آمال الوطنيين سرعان ما انهار إثر المستجدّات التي شهدتها الساحة الدولية والتي حصرت حقّ الشعوب في تقرير مصيرها في حلّ مشكلة القوميات الأوروبية فحسب مع حفاظ الامبراطوريتين الاستعماريتين الفرنسية والانقليزية على مكانتهما بدون أيّ مساس.
وقد أورد أحد قادة الحزب الحرّ الدستوري البارزين في مذكّراته ملخّص الرسالة التي بعثها إليه الشيخ عبد العزيز الثعالبي في شهر فيفري 1920 والتي تشير " إنه لم يعد الآن في الإمكان المطالبة بإلغاء نظام الحماية. فذلك قول لا يسمع له اليوم أحد إنّما يجب أن نطالب بإعلان الدستور التونسي، وأخذ زمام الحكم بأيدينا، وإدارة بلادنا بأنفسنا وتكتفي فرنسا بالإشراف والحماية الخارجية، كما هو منطوق ومفهوم معاهدة 1881"37. ويتّضح أن أعضاء اللجنة التنفيذية للحزب الحرّ الدستوري - الذي تأسّس في شهر مارس 1920 وأعلن عنه في شهر جوان - قد لمسوا التغيير الحاصل في موازين القوى بفرنسا لفائدة الأحزاب اليمينية في الانتخابات التشريعية (نوفمبر 1919). وتركّزت جهودهم على ترسيخ دعائم الوطنية التونسية والمطالبة بدستور، وقد لاحظ الباحث الأمريكي (Stuart Schaâr) حالة الغليان السياسي والاجتماعي التي خصّت الإيالة التونسية إثر الحرب والتي ولّدت ما عبّر عنه بالثقافة السياسية الجماهيرية (Mass political cultural) 38. وهي دليل على تنامي الوعي الوطني كنتيجة لتفاعلات الحركة الأدبية والمسرحية والصحفية والجمعياتية التي شهدتها هذه الفترة 39.
وإذا رجعنا إلى كتاب " تونس الشهيدة" الذي اعتبرته السّلط الاستعمارية عملا مناوئا يهدّد حضورها في البلاد التونسية فإنّنا نجد أنفسنا مقيّدين بظروف تأليفيه وكثرة منتقديه. فتفحّص تقرير قاضي التحقيق بارون (Baron) - الذي مسك ملف اعتقال الشيخ عبد العزيز الثعالبي ووجّه إليه تهمة التآمر ضدّ أمن الدولة- ومذكّرات الصادق الزمرلي ومراسلات الشيخ الثعالبي مع رفاقه المحفوظة في المركز الفرنسي للأرشيف الديبلوماسي بنانت يجعلنا نعدّل بعض ما جاء حول دور الشيخ عبد العزيز الثعالبي في كيفية طرح مسألة المطالبة بالاستقلال علما أن كتاب " تونس الشهيدة" لم يكن من تأليفه الشخصي بل أنه ثمرة مجهود ثلّة من رفاقه نخصّ بالذكر منهم علي كاهية والصادق الزمرلي وحمّودة المستيري وأحمد السقّا وحسن القلاتي والصادق التلاتلي40، إذ كان الشيخ عبد العزيز الثعالبي يتلقى تقارير ومذكّرات وملاحظات رفاقه - والتي لم تكن دائما منسجمة- ويسعى إلى صياغتها في مؤلف يمثل توجّه الحزب الناشئ حينذاك كما أشار إلى ذلك محمّد باش حامبة في رسالتيه المؤرّختين : الأولى في 16 نوفمبر 1919 والثانية في غرّة جانفي 1920.
كما تؤكّد الرسالة المطوّلة (08 صفحات) التي وجّهها الشيخ محمّد الرياحي عضو الحزب التونسي إلى الشيخ عبد العزيز الثعالبي بباريس بتاريخ 17 فيفري 1920 أن كتاب " تونس الشهيدة" كان محلّ نقد من العديد من رفاق الشيخ بتونس وتبرز مرّة أخرى مكانة محمّد باش حامبة في تحديد طرق عمل الحزب وبرنامجه. فقد ورد في الرسالة ما يلي: "(...) والآن أبشّرك أنّ تلك الهيئة الممثلة لجميع طبقات التونسيين اجتمعت للمرّة الثانية يوم الاربعاء العاشر من الشهر الجاري بزيادة السادة: فرحات بن عيّاد، صالح ابن العجوزة، أحمد الصافي، في محلّ اجتماعها الأوّل وبعد تلاوة محضر الجلسة الأولى وموافقة الثلاثة الذين لم يشهدوها على المحضر المذكور.
"وقعت المداولة في ضرورة تعيين مجلس إدارة لهيئة المجتمعين فتقرّر إرجاء تعيين ذلك إلى أن يقع تحرير برنامج مدقّق لهذه الهيئة أو الحزب وحالا تشكّلت لجنة لإحضار البرنامج المذكور تتركّب من خمسة أشخاص وهم: الشيخ (أحمد بن محمّد) بورقيبة (رئاسة) أحمد الصافي، أحمد السقا، محمّد نعمان، محمّد الرياحي، كما تقرّر أن الجلسات التي تنعقد قبل إحضار البرنامج المذكور تسند في كلّ مرّة لشخص غير الذي أُعْطِيَتْ له سابقا وبمقتضى ما ذكر أُسْنِدَتْ رئاسة جلسة اليوم -العاشر- الجاري للسيّد أحمد حفيّظ وإثر فتح الجلسة نطق الصديق فرحات (بن عياد): أنه توجد أربع مكاتيب ثلاث منها وصلت من الشيخ عبد العزيز الثعالبي لبعض الأصدقاء والرابع مرسل من أخينا محمّد باش حامبة للشيخ عبد العزيز وجّهه الشيخ لتونس ليطّلع التونسيون على فكر الرّجل ويقدّرون وطنيّته حقّ قدرها وهذا الأخ الرياحي يتلوها عليكم إن قبلتم ذلك فأجابوا جميعا حبّا وكرامة.
"فتلوت عليهم أوّلا مكتوب الأخ باش حامبة وكان له من التأثير في نفوس القوم ما لا أقدر على وصفه ولو كنت من أعظم البلغاء ثم تلوت عليهم كتابيْك للأخ فرحات المؤرّخين في 19 و26 من الشهر المنصرم وكتابك لي المؤرّخ في 20 منه فكانوا يهتفون عند تلاوتها بهذه العبارات: خدمة جليلة قام بها الشيخ؛ تونس مُدينة لإقدام هذا الرّجل البصير؛ قد فتح لنا هذا البطل طريق الوصول للسيادة وأزال ما فيه من كبير العقبات فهل نحن مجتازونه برباطة جأش متكاتفين ملتفين حول بعضنا. وعند انتهائي من التلاوة نطق حسن (القلاتي) بقوله: "إنّ أخينا باش حامبة حذّر الشيخ من دسائس "بريزون" (Dr.Bruzon) وأمثاله وحثّه على الاعتماد على شارل جيد (Charles Gide) والأخيار من رجال جمعية حقوق الانسان. وأنا لا أنكر ما لشارل جيد من القيمة الفائقة والمبادئ الصحيحة العادلة وأنّه أحسن عامل لإفادة التونسيين، لكنّي أقول أنّ "بريزون" (Bruzon) وإن كان من أضداد الاشتراكيين لكنّه رجل مخلص للتونسيين أيضا وقد كانت له علاقة متينة بفقيد الوطن أخينا علي باش حامبة. وقد بعث لي أخيرا هذا الرّجل الذي أعتقد إخلاصه كتابا شرح فيه فكره الخاص في كتاب "تونس الشهيدة"... وشرح لي بأنّ الكتاب رغما عمّا فيه من الحقائق التي لا تقبل الخدش فإنّه حرّر بلهجة قويّة فوق الحدّ. وأنّ مطالعه يشعر ببساطة تامّة أن الهيئة التونسية المحرّرة له ترمي لغاية واضحة وهي أنّ حكومة فرنسا يجب عليها أن تنفض يديها من البلاد التونسية وتنجلي عنها. وبذلك خسر التونسيون كثيرا من أحبّائهم في فرنسا الذين كانوا في استعداد تامّ للدّفاع عنهم، ثم قال حسن وإنّي أشاطره في هذا الفكر وأعتقد أنّ هناك أغلاطا في القسم التاريخي من الكتاب وشططا في بعض المطالب المدرجة فيه.
"الرياحي (محمّد) : قوّة اللّهجة أمر ضروري في تأليف كهذا سواء أزعجت بريزون (Bruzon) وأترابه أو أغاظتهم. على أنّ مغتصبي الأمم لا يأملون (هكذا) وجود الملايين من المغتصبين. أمّا الأغلاط التي تشيرون إليها فإني أرجو منكم تشخيصها.
"حسن (القلاتي): نعم توجد أغلاط ولكن أيضا هي تستدعي شروحا لا تسعها جلستنا هذه.
"السقا (أحمد): بيّن لنا ولو شيئا قليلا منها.
"حسن (القلاتي): يا أخي هناك بعض أغلاط على أنّي أعترف بأنّ مؤلّفي هذا الكتاب قاموا بخدمة عظيمة نحو وطنهم يستحقّون عليها مزيد الشكر.
"نعمان (محمّد): الكتاب ثلثه قابل للنقد وثلثاه لا يمكن لأيّ أحد أن يخدش فيهما بحرف واحد.
"صالح ابن العجوزة : من الواجب أن نبيّن الخطّة التي نتّبعها نحو الكتاب إذا حدّثنا في شأنه أحبابنا من الفرنساويين وغيرهم هل نحبّذه وننتقده في آن واحد وهذا ليس بمعقول أم نتبرّأ منه وهو عين الخذلان والتفرّق الذي جئنا هنا لإزالتهما. أم ندافع عنه بكلّ قوانا حسب الواجب الوطني المقدّس.
"أحمد الصافي: لا يوجد تونسي عنده شيء من الإحساس ينازع في أنّ الشيخ عبد العزيز قام بخدمة جليلة نحو وطننا المنكود بكتاب "تونس الشهيدة" ويجب علينا أن نعتبر هذا الكتاب كالحجر الأوّل في أساس هيكل حزبنا.
"حسن (القلاتي) : إنّي أعتقد أنّ هناك شيء من الغلط في الكتاب كان يسهل على الشيخ أو على أحبابه الذين طالعوا الكتاب قبل الطبع التقصّي فيه. واعتقادي هذا لا يحطّ من قيمته خصوصا إذا لاحظنا أنه لم ينزل من السّماء.
"الرياحي (محمّد): بيّن أخي هذه الأغلاط وأرَحْنا من عناء هذه المناقشة على أنّي أظنّ أنّ الغلط الذي تَعْنُونَه بحضور في -1- تنويه الكتاب بحالتنا قبل الاحتلال واستحسانها -2- وفي طلب تَتَوْنَسْ الفرنساويين الذين ينتخبون للمشاركة في مجلس الأمّة التونسي. وأني جازم بأنّ هذين الأمرين يصعب جدّا التسليم باعتبارهما من نوع الغلط وقبيل الشطط لوجود أدلّة حيّة من التاريخين الماضي والحاضر تشهد بمعقوليتهما.
"الجميّل (الطيب): إذا كانت كتب التاريخ التي اعتمدها الشيخ في تحرير القسم التاريخي من الكتاب سطّر أصحابها حوادث بلادهم قبل الاحتلال باستهتار أو غلط فالمسؤولية عليهم لا عليه.
"الشيخ بورقيبة (أحمد بن محمّد): أرى أنّنا أطلْنا المناقشة في موضوع الكتاب وفي وسعنا أن نتركه على حدة ونشتغل بالمسائل التي اجتمعنا لأجلها.
"الرياحي (محمّد) : كيف يمكن ذلك والكتاب هو الأثر الوحيد الذي يمكننا بواسطته إقناع الأمّة بأنّنا أهل لوضع ثقتها فينا ومدّ يد مساعدتها لنا خصوصا إذا علمنا أنّ ما جاء في الكتاب هو عين فكر الأمّة وعقيدتها وأنه أيقظ شعورها وأنهضها للمطالبة بحقوقها فلنتحدّ ونعمل لصالح وطننا بِخُلُوصِ نيّة.
"غالب المجتمعين: هذا شيء ضروري ونحن على اتفاق تام فيه.
"الرياحي (محمّد): حيث أنّنا متفقون فهذه هي ساعة العمل وهذا أخونا الأستاذ الثعالبي في باريس يطلب من الأمّة التونسية الإصداع بفكرها الناضج وقرارها البات. وأنّي أرى أحسن وسيلة لإبراز رأي الأمّة إنجاز مشروع العرائض الثلاث التي أشار لها الشيخ في مكاتيبه. فهل تسمحون لي بتلاوتها وتبتّون الرّأي فيها. الكلّ بلسان واحد : شنف أسماعنا. فتلوْت عليهم عريضة الأمير ثم عريضة السّفير ثم العريضة باسم الأمّة الفرنساوية وفي أثناء التلاوة تحمّس القوم وعمّ وجوههم البِشْر وأجمعوا بعد إتمام قراءتها على أنها آية من آيات الأقلام وأنّها فصل الخطاب وأنهم مستعدّون لإمضائها كلّ الاستعداد. وإثر ذلك رُفعت الجلسة بنيّة عقدها بعد إحضار البرنامج والإتيان بالبعض من إخواننا اليهود (مثل طيبي وبسيس وبشموط).
"مولاي الأستاذ هذا ما أمكنني الآن عرضه عليك ورجائي أن يسرّك ويرضيك. أمّا البرنامج فإنّني أحقّق لك أنه لا يكون بقدرة الله إلاّ قبسة من تعاليمك. ثق بذلك يا سيدي لأنّ الإخلاص رائدنا والله على ما نقول وكيل (...)"41.
إنّ هذا العرض المطوّل للرسالة يفرض نفسه بحكم المعلومات المصدرية التي احتوتها والمتعلّقة بظروف تأسيس الحزب الحرّ الدستوري التونسي والعمل الدعائي الذي سبقه من جهة وتحديد البرنامج وبالخصوص مسألة المطالبة بالاستقلال من جهة أخرى وتتجلّى كما أشرنا إلى ذلك سابقا أنّ الاتفاق حول ما تمّ صياغته في " تونس الشهيدة" من تحاليل ومطالب لم يكن محلّ إجماع بالرغم من المجهود التوفيقي الذي بذله الشيخ عبد العزيز الثعالبي بين التيار المعتدل الذي يمثّله حسن قلاتي والذي يضع نشاط الحزب في إطار الحماية وليس خارجها والتيار الراديكالي الذي يمثله محمّد باش حامبة والذي يطالب جهرا بالاستقلال وإلغاء النظام الملكي. وكان الحلّ التوفيقي يتمثل في المطالبة بدستور كما ورد في كتاب "تونس الشهيدة": " إذا كانت الوصاية المفروضة على بلادنا ترمي حقيقة إلى هدف وحيد ونزيه للغاية ألا وهو الارتفاع بنا إلى "مستوى الشعوب القادرة على أن تحكم نفسها بنفسها" كما يطيب للحكومة والبرلمان بفرنسا الإعلان عنه وكما تصرّح بذلك معاهدات الحماية، فإن على فرنسا أن تقوم بواجبها الحتمي وذلك بأن تعدّل تعديلا جوهريا وبدون تأخير النظام المسلّط علينا والذي لم يتواصل إلى اليوم إلاّ على حساب كرامتنا وبواسطة القهر والارهاب والظلم وهي وسائل عادية محتومة بالنسبة للنظم المقامة على التعسّف والاستبداد (...)"42.
علما أن ما ورد على لسان حسن القلاتي في خصوص استعمال كلمة "مؤلّفي الكتاب" يدعم فرضية التأليف الجماعي لكتاب "تونس الشهيدة" من جهة ويؤكّد اتفاقا مبدئيا أساسه أنه ليس بالإمكان إلغاء الحماية في ظروف ما بعد الحرب العالمية الأولى من جهة أخرى. ولذلك يجب التركيز في هذه المرحلة من الكفاح الوطني على المطالبة بدستور يضمن حقوق التونسيين ويمكّنهم من تسيير شؤون بلادهم باستثناء السّياسة الخارجية التي تعود بالنّظر، بمقتضى معاهدة الحماية الممضاة بقصر باردو إلى الحكومة الفرنسية.
ورغم أنّ هذه المطالب التي تقتصر على إرساء الاستقلال الداخلي تمثل تراجعا في برنامج الحركة الوطنية التونسية الذي ورد في كتاب " تونس الشهيدة" فقد تمّ تعديلها في شهر جوان 1920 تحت ضغط الجناح الإصلاحي للحزب في اتجاه أكثر مرونة واعتدالا. فأصبح بذلك برنامج الحركة الوطنية ولمدّة عدّة سنوات ينحصر في المطالبة بإصلاحات في نطاق الحماية. وتتمثل هذه الإصلاحات في النقاط التّسع التالية:
أوّلا: مجلس تفاوضي مشترك بين التونسيين والفرنسيين، يملك حقّ وضع جدول أعماله.
ثانيا : حكومة مسؤولة أمام هذا المجلس.
ثالثا: الفصل بين السّلط التشريعية والقضائية والتنفيذية.
رابعا: قبول التونسيين في جميع الوظائف العامة إذا استوت الكفاءات.
خامسا: التساوي المطلق في المرتّبات بين التونسيين والفرنسيين.
سادسا: إحداث مجالس بلدية في جميع المراكز التونسية يكون انتخابها بالإقتراع العام.
سابعا: مشاركة التونسيين في ابتياع الأراضي الدولية المخصّصة للمعمّرين.
ثامنا: حرية الصحافة والاجتماع والتجمّع.
تاسعا: التعليم الإجباري العام.
غير أنّ هذا التراجع الذي اعتبره البعض تكتيكيا لم يمنع الإدارة الاستعمارية من إلصاق التهمة للحزب الحرّ الدستوري بأنّ " الهدف من تكوينه هو الوصول إلى كسر قيود العبودية التي تكبّل تونس حتى يصبح الشعب التونسي شعبا حرّا ينعم بكلّ حقوقه. (...) هذه هي مبادئه وغايته. إنّ أساس البرنامج يعتمد نشاطا حثيثا موجّها نحو تلك الغاية وهي في المحلّ الأوّل، إنشاء دستور يعطي هذا الشعب حقّ حكم نفسه بنفسه حسب القوانين التي أقرّها المحسنين الأكثر إنصافا وقَبِلَها العالم المتحضّر"43.
وهكذا يتجلّى أن الحزب الحرّ الدستوري التونسي سواء رفع شعار الاستقلال -ولئن كان بعيد المدى- أو لم يرفعه فإنّ الإدارة الاستعمارية تعلم أنّ الغاية التي ينشدها والطرق التي يتوخّاها تصبّ في نفس المطمح ألا وهو الانعتاق والظفر بالاستقلال.
وتأكيدا لافتراضات الإدارة الاستعمارية، فقد تمكّن الحزب الحرّ الدستوري التونسي من القيام بعمل دعائي واسع النطاق عبر صحافته الناطقة بالعربية التي رسّخت مفاهيم الوطنية وسيادة الدستور. فإضافة إلى عودة صحف قديمة إلى الظهور منذ رفع قرار المنع (1 فيفري 1920) مثل "المنير" و"مرشد الأمّة" و"الصواب" و" المشير"، تأسّست صحف جديدة مثل "النديم" (12 فيفري 1921) و"لسان الشعب" (28 ديسمبر 1920) و"الوزير" (5 أفريل 1920) و"الاتحاد" (15 أوت 1920) و"العصر الجديد" (21 ماي 1920)... وقد بلغ عدد الصحف التونسية الناطقة بالعربية ثلاثين سنة 1921. وكان جلّها يساند أطروحات الحزب الحرّ الدستوري سيّما أنّ الكثير من مديريها مثل محمّد الجعايبي (" الصواب") والطيب بن عيسى (" الوزير") والشاذلي المورالي (" المنير") وأحمد توفيق المدني (مجلة "الفجر") كانوا أعضاء في اللجنة التنفيذية للحزب.
ونكتفي بالإشارة إلى بعض المقالات الصادرة بجريدة " الصواب" والتي أكّدت على أهمية " الدستور" وحدّدت مفهوم الوطنية. ففي العدد المؤرّخ في 30 جويلية 1920، يعرّف محمّد الجعايبي الدستور على النحو التالي: "يسألونك عن الدستور قل هو ضمانات وكفالات تنالها الأمم فتحميها من يد العدوان وتصونها من عبث الإطلاق وتجعل بينها وبين كلّ ظلوم غشوم سدّا لا تفعل فيه معاول الجور والارهاب. بل هو قانون أساسي يحدّد سلطة الحكومة ويمثّل نفوذ الأمّة ويرسم ما لها وما عليها من الواجبات كما يقرّر واجبات الملك وما هو مفروض عليه وأنه أن جرى مع تيّار القانون والنظام يكون غير مسؤول أو ملوم وحسبه أن ينفذ ما ارتآه الشعب تحت مسؤوليته بالإقتراع والتصويت ويكون قيّما على إدارة الأمّة حارسا للقانون حاميا للشرع العزيز (...)44".
وفي مقالة أخرى بتاريخ 12 جويلية 1924، يتناول محمّد الجعايبي حقيقة الذاتية التونسية وكيفية تطوّرها عبر التاريخ: "(...) من المعلوم أنّ البلاد التونسية قد تعاقبت عليها أمم كثيرة وأداروا شؤونها غصبا وقسرا بحيث أنها عاشت في أكثر أدوار حياتها مغلوبة على أمرها لكنها في كلّ فترة وهت فيها قوة المتغلب وتلاشت وحدته حكمت نفسها بنفسها وجمعت قواها لتأييد قوميتها وحفظ كيانها من عبث العابثين.
"وأراني في غنى عن سرد التقلبات والحوادث بتبسيط في هذا الباب بل نكتفي بسلطة الرومان عليها فإن هذه السلطة بالرّغم من كونها عاشت طويلا وباضت وفرخت بشمال إفريقيا لم تستطع الدوام ولم يكن بوسعها قطّ ابتلاع الذاتية التونسية أو إبادة الجنسية الوطنية.
"وبالرّغم من كون الأمة العربية والعنصر التركي تجمعهم مع سكان هذه البلاد رابطة الدين والمعتقد فإنهما لم يتمكنا من ابتلاع الذاتية التونسية ولم يقضيا على جنسيتها الأصلية وذلك أقوى دليل على ضعف أثر البيئة الأدبية وإن طال زمان الاختلاط.
"ومن جهة أخرى فإنّ تأثير البيئة المكانية أيضا من أسباب الإخفاق إذْ نَقْلُ جِنْس من الأجناس إنسانا كان أو حيوانا أو نباتا من مسقطه إلى بلد مخالفة عن بلده فنى ولم يتحول كما أشار إلى ذلك الدكتور -قوستاف لوبون- وقال أن عشرة أمم فتحت مصر فكانت مصر مقبرة الجميع.
"وهذا هو السر في ضياع جنسيات الفاتحين لتونس وتلاشيها وبقاء الجنسية التونسية برمتها فمحاولة الاندماج وتكوين دومينيون كما يحلم به قلاتي والضاربون على نغمة الحكومة فهو خور وهذيان (...) التونسيون وطنيون قبل كلّ شيء يودّون أن يكونوا سعداء في بلادهم أحرارا من كل قيد ليسوا بمذمومين ولا مدحورين ولا محرومين من إدارة شؤون بلادهم تحت رقابة مستقيمة ومخلصة.
هذا ما يراه الشعب التونسي ويتطلع إليه بلهفة وشوق وهو أمر لا مندوحة عنه ولا مفرّ منه ما دام الاندماج من الخيالات المستحيلات والتونسيون وطنيون قبل كلّ شيء"45.
ولئن فشلت قيادة الحزب الحرّ الدستوري التونسي في الحصول على مبتغاها لتحقيق الإصلاحات المنشودة حسب ما ذكرته النقاط التسع، فإنها تمكّنت من إثبات مرجعية متينة للوطنية التونسية والتي تعدّ من محدّدات النضال السياسي لفترة العشرينات من القرن الماضي. ذلك أنّ هذه المرجعية صمدت أمام ما انتاب الحزب من وهن إثر الإنقسام الداخلي (تأسيس الحزب الإصلاحي سنة 1921 ثم الحزب الدستوري المستقلّ سنة 1922 وهجرة الثعالبي إلى الشرق سنة 1923) والدسائس التي حاكها المقيم العام لوسيان سان46. وهي أيضا المرجعية التي ستتفاعل مع مستجدّات حرب الريف في المغرب الأقصى ونموّ العمل الجمعياتي من جهة وتحوّلات منعرج الثلاثينات من جهة أخرى47.
ويبرز ذلك بالخصوص من خلال التقاء نشاط "جمعية قدماء الصادقية" عن طريق ناديها الأدبي (1925) الذي جمع ثلّة من المثقفين المشعّين أمثال زين العابدين السنوسي وعثمان الكعّاك ومصطفى آغة والشيخ الفاضل بن عاشور والشاذلي خير الله والطاهر صفر و"جمعية الشبان المسلمين" (1928) و"جمعية المستقبل التمثيلي" (1927) من جهة وتأسيس كلّ من "جمعية نجم شمال إفريقيا" (1926) و"جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين" (1927) بباريس من جهة أخرى واللّتين كان لهما تأثير لا فقط على الأوساط الطلابية التونسية بفرنسا بل وصل صداهما إلى تونس وكانا محلّ مراقبة من قِبَل السلطات الاستعمارية48. وكانت المطالبة باستقلال تونس وبقية بلدان المغرب العربي أثناء أشغال مؤتمر "الرابطة ضدّ الاضطهاد الاستعماري والامبريالية" المنعقد ببروكسال بين 10 و 15 فيفري 1927 الحدث السياسي البالغ الأهمّية في تطور الخطاب الوطني التونسي49.
وممّا زاد في انعكاسات هذا المطلب على الأوساط الوطنية التونسية أنه صدر عن أحد قادة الحزب الحر الدستوري المبعدين إلى فرنسا، الشاذلي بن خير الله بن مصطفى عضو اللجنة التنفيذية ومؤسّس جريدة Le Libéral (29 نوفمبر 1924-16 جانفي 1926) وأوّل رئيس لجمعية "نجم شمال إفريقيا" (1926-1929). وكان برنامج المطالب التي قدّمها باسم الجمعية نيابة عن بلدان المغرب يشمل مواصلة المجهود لتحقيق الاستقلال التام والتحرّر من ربقة الاستعمار وكذلك المطالب الخاصة المتعلقة بكلّ بلد. وكان القسم المتعلّق بتونس على النحو التالي:
- استقلال الإيالة التونسية ورحيل جيش الاحتلال الفرنسي.
- تكوين قوّة عسكرية تونسية.
- اعتماد اللغة العربية لغة رسمية.
- حجز البنوك وخطوط السكك الحديدية والموانئ والمصالح العمومية التي تسيطر عليها الشركات الأجنبية ووضعها على ذمّة الأمّة التونسية.
- حجز الملكيات الفلاحية الكبرى التي تسيطر عليها الشركات الرأسمالية الخاصة والرجعيين أعوان الاستعمار.
أمّا برنامج المطالب المتأكّدة فقد شمل:
- إقرار برلمان متكوّن من نوّاب تونسيين منتخبين (...).
- الاعتراف بحقّ الانتخاب لكافة التونسيين البالغة أعمارهم أكثر من 18 سنة.
- مسؤولية الحكومة التونسية وكافة الموظفين الفرنسيين أمام البرلمان التونسي.
- الفصل بين السلط التنفيذية والتشريعية والقضائية (...).
- حقّ انتداب التونسيين في الوظيفة العمومية (الإدارة).
- حقّ التونسيين في اشتراء الأراضي المعدّة للتعمير.
- إلزام الجيش التونسي بالدفاع فقط على حرمة الوطن التونسي وتأطيره من قِبَل ضباط تونسيين واتخاذه العلم شعاره الأوحد (...).
- إقرار إجبارية ومجانية اللغة العربية.
- مراجعة كافة التراخيص المسندة إلى الأجانب من قبل البرلمان.
- إقرار الحقّ النقابي (...).
- إلغاء نظام الخمّاسة.
- إسناد القروض (بدون فائدة) إلى صغار الفلاّحين.
- المساواة في الأجور بين التونسيين والأجانب.
- إلغاء نظام الأوامر العلية وتعويضه بالقانون.
- إلغاء الضرائب التي لا تحظى بموافقة الشعب50.
ما من شكّ، يعدّ الجهر من جديد بمطلب الاستقلال وإدراجه ضمن استراتيجية نضال مكوّنات الحركات الوطنية الجزائرية والتونسية الأساسية حينذاك (الحزب الحرّ الدستوري التونسي ونجم شمال إفريقيا) دليلا آخر على تفاعل هذا المطلب مع تحوّلات الظرف الداخلي (الأزمة العامة التي ستعصف بالإيالة في مطلع الثلاثينات) والخارجي (نموّ حركة مناهضة الاستعمار في أوساط اليسار الفرنسي من جهة ورابطة الدفاع عن حقوق الانسان من جهة أخرى)51.
ويتجلّى ذلك بالخصوص من خلال تحاليل الصحافة الوطنية التي شهدت قفزة نوعية في طريقتها لمعالجة المشاكل الناجمة عن الأزمة العامة التي هزّت الإيالة في مطلع الثلاثينات وتوظيفها لصالح القضية الوطنية52. وقد ورد في البرنامج الأساسي الذي صادق عليه مؤتمر الحزب الحرّ الدستوري المنعقد في 12 و13 ماي 1933 ما يلي: "(...) يُعلن الحزب أنّ الغاية التي ترمي إليها أعماله السياسية هي تحرير الشعب التونسي وتمتيع البلاد التونسية بنظام سياسي قار منيع يكون دستورا يحافظ على الشخصية التونسية ويتحقق به سيادة الشعب وذلك بإيجاد:
1- برلمان تونسي متركب من أعضاء يقع تعيينهم من طرف الشعب بطريق الانتخاب العام ولهذا البرلمان الحرية المطلقة في اختيار المسائل التي يريد البحث فيها في جلساته مع كامل النفوذ التشريعي.
2- مسؤولية الحكومة لدى هذا البرلمان.
3- التفريق بين السلط التشريعية والتنفيذية والعدلية.
4- تعميم العدلية التونسية على كافة قاطني القطر التونسي.
5- الاعتراف بالحريات العامة لجميع التونسيين بدون استثناء.
6- تصيير التعليم الابتدائي إجباريا بالنسبة لكافة أفراد الشعب.
7- حماية حياة البلاد الاقتصادية.
وبصفة عامة السعي في كلّ ما يقتضي رفع الشعب التونسي من هاوية الانحطاط المادي والأدبي الذي يتخبط فيه حتى يكون له شأن بين الأمم الراقية التي تملك زمام نفسها"53.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.