تونس - الصباح عادل، شاب غادر مدرجات الجامعة التونسية وبين يديه شهادة الأستاذية في العربية.. شارك عدة مرات في مناظرة »الكاباس«، لكن الحظ لم يسعفه بالنجاح فالتحق ليعمل بعدد من المعاهد الثانوية الخاصة رغبة في تحصيل قوت يومه.. وظل عادل يتردد على هذه المعاهد تسع سنوات، ولكنه إلى حد اليوم لم يقع ترسيمه في عمله أو حتى تحسين راتبه.. وليس عادل المربي الوحيد الذي يعاني من هذه الوضعية.. فالسواد الأعظم من الأساتذة الذين يدرّسون في المدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية الخاصة، والبالغ عددهم قرابة 9 آلاف يعيشون نفس الظروف، ويتوقون إلى تسوية وضعياتهم.. إذ أنهم يقبضون أجورا متدنية للغاية لا تتجاوز في بعض الحالات مائة دينار شهريًا لأنهم يتقاضون بين دينار ونصف وخمسة دنانير على كل ساعة تدريس. وفي هذا الصدد يقول عماد أستاذ التاريخ والجغرافيا إنه يقبض معلوما قدره دينار وخمسمائة مليم مقابل كل ساعة تدريس.. وهناك من زملائه من يقبض ثلاثة دنانير أو أربعة دنانير على كل ساعة تدريس.. إذ تختلف الأجور باختلاف الاختصاص ومستوى التلاميذ. لأن الأستاذ الذي يدرّس تلاميذ البكالوريا يقبض معلومًا أكبر ممن يدرّس تلاميذ بقية الأقسام.. وأضاف المربي وهو يتحدث بمرارة: »اشتغلت في أكثر من معهد ثانوي أو مدرسة إعدادية خاصة.. وكان الأجر يختلف من مؤسسة إلى أخرى.. هناك معاهد مترفة وإداراتها سخية.. وتمنح الأستاذ مبلغا قدره خمسة دنانير مقابل كل ساعة تدريس.. وبالتالي فإن المرتب الشهري قد يصل إلى مائتي دينار.. ولكن الأجر في معاهد أخرى لا يتجاوز مائة أو مائة وخمسون دينارًا.. فبقدر ما يكون عدد ساعات التدريس محدودًا يكون الأجر متدنيًا..«. وفي نفس السياق يقول موظف بإدارة أحد المعاهد الثانوية الخاصة إن عدد الفصول في المؤسسات التربوية الخاصة محدود، لذلك يكون عدد ساعات التدريس محدود أيضًا، وهو ما ينعكس على رواتب الأساتذة. وبيّن الموظف أن الرواتب تختلف من أستاذ إلى آخر وتحددها كفاءة الأستاذ وأقدميّته في التدريس والمستوى الدراسي للتلاميذ الذين يدرّسهم. وأضاف أن الرواتب الممنوحة لأساتذة لهم خبرة في التعليم العمومي تكون أرفع من رواتب أساتذة تخرجوا حديثًا من الجامعة أو أساتذة ليست لهم أية خبرة في التدريس. وإجابة عن سؤال يتعلق بسبب عدم ترسيم هؤلاء الأساتذة وتمتيعهم بالتغطية الاجتماعية ذكر الموظف أنه حدث وأن تم انتداب أساتذة لكنهم بمجرد نجاحهم في مناظرة »الكاباس« غادروا التعليم الخاص والتحقوا بالتعليم العمومي. وأكد الإداري على أن المعاهد الخاصة تساعدهم كثيرا على اكتساب الخبرة البيداغوجية اللازمة للتدريس. وخلافًا لما ذهب إليه الإداري فإن هناك أيضا من غادروا المعاهد الخاصة ليس لأنهم نجحوا في الكاباس بل لأنهم سئموا من الأجور المتدنية والوضعية الهشة.. وهو ما أكده الأستاذ عبد السلام الذي قرر ألا يعود إلى التدريس بأي معهد من المعاهد الخاصة لأنه لم يجد فيها على حد تعبيره »ما يستحق البقاء فيها«. مصير آلاف التلاميذ بأيديهم يتولى أساتذة المدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية الخاصة تدريس ما يزيد عن 52 ألف تلميذ وتلميذة ينتمون إلى المرحلة الثانية من التعليم الأساسي ومرحلة التعليم الثانوي ويزاولون دراستهم بقرابة300 مؤسسة تربوية خاصة توجد بكامل تراب الجمهورية وهم يتوزعون على أكثر من2600 فصل. ونظرًا لأن مصير آلاف التلاميذ بأيدي هؤلاء المدرسين استفسرت »الصباح« مصدرًا مسؤولاً بوزارة التربية والتكوين حول ما إذا كانت الوزارة تراقب المؤسسات التربوية الخاصة وتجبرها على تطبيق القوانين، فأجاب: »إن المدرسين يخضعون للمراقبة من قبل وزارة التربية والتكوين من الناحية البيداغوجية فحسب.. إذ يتم إرسال متفقدين إلى هذه المؤسسات التربوية الخاصة وإذا تبيّن لهم أن الأستاذ المنتدب ليست له الكفاءة اللازمة للتدريس، يتم إعلام إدارة المؤسسة بالتخلي عن خدماته. أما مراقبة التأجير والتغطية الاجتماعية فهي من مشمولات أطراف أخرى، وخاصة وزارة الشؤون الاجتماعية«. وبين المصدر نفسه أنه تمت المصادقة منذ17 فيفري2009 على الملحق التعديلي عدد 8 للاتفاقية المشتركة القطاعية للتعليم الخاص بمقتضى قرار من وزير الشؤون الاجتماعية والتضامن والتونسيين بالخارج وأمضى عليه الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والغرفة الوطنية للتعليم الخاص والاتحاد التونسي للشغل ونقابة التعليم الخاص. وبالعودة إلى هذا الملحق يمكن الإشارة إلى أنه ينص على وجوب انتداب العامل بعد4 سنوات على أساس الاستخدام القار. وعند توفر الساعات الكافية والكفاءة المرجوة في مستوى المرحلة المعنية تكون للمدرس الأولوية في الانتداب. وحددت الاتفاقية المشتركة جدول الأجور حسب الدرجة ومدة البقاء بالدرجة والأقدمية الفعلية. وبالنظر إلى هذه الأجور يمكن ملاحظة الفرق الشاسع بين ما هو موجود في الاتفاقية وبين ما يقبضه الأساتذة في الواقع..إذ تتراوح الأجور المنصوص عليها في الاتفاقية بين 692 دينارًا و835 دينارًا بالنسبة إلى الأستاذ الأول وبين643 دينارًا و773 دينارًا بالنسبة إلى الأستاذ وبين 541 دينارًا و645 دينارًا بالنسبة إلى أستاذ مرحلة أولى. وليستقيم الحال قال مدرّسون بالمؤسسات التربوية الخاصة إنه آن الأوان لمعالجة ملف مدرسي المدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية الخاصة بكل جدية لتمتيعهم بحقوقهم التي يضمنها لهم القانون حتى يقدموا على الحياة العملية بتفاؤل وحتى يقدّموا لتلاميذهم المردود اللازم..