نظمت الجمعية التونسية المعالم والمواقع أمسية ثقافية أول أمس دعت لها رواد الجمعية ومنخرطيها والمولعين بالتراث والباحثين عن السبل المثلى لصيانته والمحافظة عليه وذلك في مكتبة مدينة تونس(دار بن عاشور). وقد تولى بالمناسبة الدكتورعبد العزيز الدولاتلي تقديم محاضرة تناولت "المحافظة على التراث: مجلة التراث نموذجا"، حيا خلالها الحضور وعلى رأسهم رئيس الجمعية السيد زكريا بن مصطفى الذي أتاح له فرصة الحديث عن مجلة التراث الأثري والتاريخي والفنون التقليدية، التي كان له الحظ والشرف في العمل على اعدادها عندما كان مديرا عاما للمعهد الوطني للتراث أي منذ قرابة 12سنة وبالتحديد في شهر فيفري من سنة 1994. تغطية: علياء بن نحيلة وقد جاء في المحاضرة ان إحداث مجلة تعنى بالمحافظة على التراث، لم يأت من فراغ وانما سبقته قوانين تعنى بالآثار وبالمعالم والمواقع، حيث كانت تونس من أول البلدان التي تحصلت على قانون خاص لحماية الآثار منذ سنة 1886 تلاه قانون ثان صدر سنة 1920 يُعنى آنذاك بحماية المعالم والمواقع الراجعة الى ما قبل ظهورالإسلام في تونس. أما بعد الإستقلال فقد صدر في شهر ماي من سنة 1986 قانون خاص بالآثار القديمة والمعالم والحفريات والإجراءات الجزائية ولكنه لم يتعرض الى موضوع صيانة المدن والقرى العربية الإسلامية ولم يحتوي على اي نوع من الحوافز والتشجيعات المالية والجبائية، بل كان ذو صبغة ردعية صرفة فضلا عن العديد من التناقضات والكثير من الغموض فيما يتعلق بآليات التنفيذ ومن هذا النقص انبثقت فكرة البحث عن قانون جديد كفيل بتلافي تلك النقائص. وهكذا والحديث للدكتور المحاضر:" أخذنا بعين الإعتبار عند اعدادنا للقانون الجديد تعويض الصبغة الردعية للقانون القديم وعوضناها بحوافز وتشجيعات مالية وجبائية وعملنا على ان نوفر له اكثر ما يمكن من المرونة وسرعة التدخل فاحدثنا آليات جديدة ووضعنا اجراءات استعجالية لإستعمالها عندما يكون المعلم او الموقع مهددا باخطار لا تقبل الإنتظار كالهدم اوالتشويه". وهو ما جاء في الأحكام العامة للعنوان الأول لمجلة التراث الأثري والتاريخي والفنون التقليدية في فصله الأول الذي ينص على أنه يعتبر تراثا أو تاريخا أو تقليدا كل أثر خلفته الحضارات أو تركته الأجيال السابقة كما يكشف عنه او يعثرعليه برا أو بحرا سواء كان ذلك عقارات او منقولات أو وثائق أو مخطوطات تتصل بالفنون او العلوم أوالعقائد اوالتقاليد أو الحياة اليومية أو الأحداث العامة وغيرها مما يرجع الى فترات ما قبل التاريخ والذي ثبتت قيمته الوطنية أو العالمية. ويعد التراث الأثري أو التاريخي أو التقليدي ملكا عاما للدولة بإستثناء ما أثبت الخواص شرعية ملكيتهم له. تحديد مفاهيم جديدة كما أحدث ولأول مرة مفهوم المواقع الثقافية التي تعرف بكونها المواقع الشاهدة على أعمال الإنسان أو الأعمال المشتركة بين الإنسان والطبيعة بما فيها المواقع الأثرية التي لها قيمة وطنية أو عالمية من حيث طابعها التاريخي أوالجمالي أو الفني أو التقليدي. أما المجموعات التاريخية والتقليدية فالمقصود بها مجموعات العقارات المبنية وغير المبنية المنعزلة أوالمتصلة من مدن وقرى وأحياء والتي تعتبر بسبب عمارتها أو وحدتها أو تناسقها أو اندماجها في المحيط ذات قيمة وطنية أوعالمية من حيث طابعها التاريخي أو الجمالي أو الفني أو التقليدي. كما تعتبر معالم تاريخية العقارات المبنية وغيرالمبنية التي هي على ملك الخواص أوالتابعة للملك العام والتي تعتبر حمايتها والمحافظة عليها من حيث طابعها التاريخي أو الجمالي أو الفني أو التقليدي ذات قيمة وطنية أو عالمية. وقد توج كل هذا باحداث اللجنة الوطنية للتراث لتعنى بحماية وترتيب المعالم التاريخية وحماية المنقولات الأثرية وبعث المناطق المصانة وحماية المواقع الثقافية إضافة الى ابداء الرأي في البرامج والمشاريع والمخططات الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية. شمولية.. وتراث لا مادي ولاحظ المحاضرأيضا ان اعداد مجلة التراث تم بالتنسيق التام مع المسؤولين آنذاك على اعداد المجلة العمرانية التي صدرت في نوفمبر 1994 أي 9 اشهر بعد صدور مجلة التراث بحيث جاءت المجلتان متكاملتان متناسقتان ووضعتا الإطار التشريعي والعملي الملائم والذي من شانه ان يضمن للمتدخلين أدنى شروط الصيانة والمحافظة والأحياء في اطار واسع هو اطارالتهيئة الترابية والتنظيم العمراني واستخلص مما سبق انه يمكن القول ان القانون الجديد اتسم بالشمولية اذ اشتمل - بالإضافة الى ما يعرف بالتراث المادي كالمعالم والمواقع والمدن والتحف - على العادات والتقاليد اي التراث اللامادي وقد اتصف القانون الجديد أيضا بالدقة في اختيار الآليات والتراتيب سواء منها الجزائية أو الإمتيازات المالية أو الجبائية. وفي معرض حديثه عن الإجراءات والآليات الموازية والمكملة لمجلة التراث قال الدكتور عبد العزيز الدولاتلي إن أيّ قانون يتم اصداره يقتضي ان تتبعه نصوص تطبيقية تحوله من طور الفكرالى طور الفعل وتنقسم هذه النصوص الى صنفين: أولا - صنف الأوامر وعددها أربعة في مجلة التراث وهي: - أمر يقضي بتنظيم اللجنة الوطنية للتراث (4 جويلية 1994) - أمر خاص بالمصادقة على مثال الحماية والإحياء للمواقع الثقافية - أمر خاص بالمصادقة على مثال الصيانة والإحياء للمجموعات التاريخية والتقليدية - أمر خاص بترتيب المعالم التاريخية والمواقع الأثرية ثانيا - القرارات الوزارية - قرار خاص بضبط شروط تعيين الموقع الثقافي وبضبط حدوده - قرار خاص بضبط الوثائق المكونة لمثال الحماية والإحياء - قرار خاص بضبط شروط تعيين المجموعة التاريخية وبضبط حدودها. وبطبيعة الحال كان لا بد من توفير الضروريات المكملة لهذه القوانين واهمها الموارد البشرية القادرة على تطبيقها من علماء آثار بكل اختصاصاتهم ومهندسين معماريين ومختصين في عمليات الصيانة إضافة الى المؤسسة العلمية والإدارية المختصة في الحفريات والترميم واحياء التراث وحسن توظيفه. كان لا بد أيضا من توفير الموارد المالية ومصاريف التسيير والإستثمار وقد ساعد على كل هذا ادراك الدولة التونسية أهمية المحافظة على الهوية الوطنية وذلك بالمحافظة على التراث والعادات والتقاليد والآثار والمعالم والمواقع. وقد ساعد على ذلك تاسيس المعهد الوطني للتراث والذي كون ثلة من الأساتذة من ذوي المستوى العالمي فقاموا بصيانة المتاحف والمحافظة على المواقع الأثرية بما أتيح لهم من وسائل لم تكن على قدر امكانياتهم العريضة... التراث يمول ذاته بذاته لقد جاءت مجلة التراث استجابة لرغبة صادقة في الإصلاح الشامل لكامل القطاع واصبح التراث يمول ذاته بذاته مخففا العبء على الدولة اذ تحسنت ظروف الإستثمار فيه فتعددت المتاحف حتى اصبحت تقريبا موجودة في كل ولايات الجمهورية.. ومع كل ذلك ورغم النتائج الطيبة التي وصلت لها عمليات الإصلاح هذه فان ما يثلج الصدر فعلا هو ان الدولة لم تقف عند هذا الحد بل بقي الإهتمام متواصلا مستمرا لإستشراف المستقبل بما يضمن المزيد من تحسين ظروف العمل." النقاش الذي شفعت به محاضرة الدكتور عبد العزيزالدولاتلي تمحور في اغلبه حول اشكالية استرجاع ما سرق من بلادنا من تحف وآثار تزين الآن أروقة أكبر واشهر المتاحف الأوروبية وما تبذله السلطات المختصة من اجل ذلك. من بين الحاضرين أيضا من تساءل عن تحيين مجلة التراث وتطعيمها وهناك من أثنى على أهمية القرارالسياسي بحفظ التراث متحسرا على ضياع قصبة تونسالمدينة وباب منارة وغيرها من المعالم التي اندثرت قبل صدور المجلة. قطعنا الأثرية في المتاحف العالمية أهديت ولم تسرق وفي رده على ما طلبه الحضور من توضيحات وما توجهوا به من اسئلة أكد المحاضر على ان مشكلة استرجاع الممتلكات الثقافية موضوع عالمي كبير يتجاوز كل التشريعات الدولية والقوانين وتوصيات اليونسكو حتى ان البعض يعتبرونه امرا مستحيلا تقريبا ذلك ان تلك التحف خرجت من البلاد عن طريق الإهداءات حيث كان البايات والحكام ووجهاء السلط المحلية يقدمون هذه التحف في شكل هدايا أوجوائز وهو ما أضفى على هذه العمليات نوعا ما من الشرعية. طبعا ما نحس به من حماس تجاه هذا المشكل امر مشروع ولكني أعتقد أنه علينا الآن أن نحافظ على ما عندنا أما ثرواتنا الموجودة في المتاحف العالمية فلا بأس من ان نعتبرها سفراء تحكي عنا وتحيل على عراقة حضارتنا وتجذر ثقافتنا كلما وقف أمامها سائح قد لا يتمكن من زيارة بلادنا. أما التفويت في المنقولات والإتجار في القطع الأثرية والتاريخية، فيقننه الباب الثاني من مجلة حماية التراث الأثري والتاريخي والفنون التقليدية بفصليه 57 و58 ويفيدان انه يمنع تصدير المنقولات المحمية خارج حدود الوطن ويخضع التصدير الوقتي لترخيص من الوزير المكلف بالتراث. ويحجز كل منقول محمي وقعت محاولة اخراجه من تراب الجمهورية بدون ترخيص من الوزير المكلف بالتراث ويصادر لفائدة الدولة دون التخلي عن التتبعات العدلية. وتخضع التجارة بالقطع الأثرية والتاريخية المحمية اوغيرها الى ترخيص من الوزير المكلف بالتراث ويقع تجديده مرة كل عامين ولا يخول الترخيص لصاحبه تعاطي التجارة إلا في المكان المحدد في الترخيص.