*تكون الهيبة لدى الرّجل أو المرأة أو الدّولة حين يؤخذ هذا مأخذ الجدّ حين يسمع كلامه وتلقى قراراته التنفيذ. فدولة مهابة هي الّتي يهابها النّاس ويأتمرون بأوامرها. وفي الهيبة خوف وخشية وقبول طوعيّ. وفي تونس منذ 14 جانفي غدا شعار الكثير من النّاس "لا خوف بعد اليوم" فتكسّرت السّلطات (إلاّ السّلطة الدينيّة) وزالت الخشية من الأمن ومن كلّ مسؤول. وأصبح الكلّ يصرخ بما أخفاه عقودا ويفعل ما لم يفعله من قبل بل حصل التجاوز. ودرءا للخوف كان التهورّ والغلوّ أحيانا. فلا شيء اليوم يهابه النّاس ولا توجد خشية عندهم فجاء الصّلف وكانت العنجهية. فهذا يسطو على رصيف طريق أو شقّة أو أرض أو بضاعة على غير حقّ وذاك بدون تحرّج أو خوف يغتصب أو يعتصم ويتظاهر ويصيح وآخر يرغم عرفا على التخلّي أو وال على التنحيّة بل وصل بعضهم إلى العنف لعزل معتمد ولتعويضه بواحد من أهلهم ! وتواصلت الفوضى. فهؤلاء يعطّلون العاملين طلبا للشّغل فيقطعون الطّريق ويفزعون النّاس وهؤلاء يعتصمون عند كلّ ساحة طالبين لشغل أو لإطلاق سراح بعض ذويهم ممّن أذنب أو لم يذنب. وهؤلاء تلاميذ صغار يهتفون بإسقاط مدير أو بطرد أستاذ عنيد... فلا خوف بعد اليوم وفاز بين النّاس من هو جسور. فلا القانون ولا التراتيب قادرة على توضيح الطّريق وأصبح في تونس كلّ شيء ممكن وكلّ السّبل وكلّ الحلول. كيف يمكن والحال كذلك أن يكون للدّولة هيبة ؟ كيف يمكن لمجتمع ما أن يحيا ويتعايش النّاس فيه وهذه القوانين والحدود لا تحترم وأدوات الزّجر لا يخافها أحد بل غدا كلّ شيء فيه ممكن ومباح ؟ كلّما قرأت جريدة إلاّ وأصاب رأسيّ وجع وازداد خوفي على نفسي وعلى عائلتي وعلى تونس. فنحن شعب لم نعرف الحريّة ماضيا وعشنا لسنين عديدة تحت وطأة البوليس. وهكذا ما أن يختفي شرطيّ من مفترق طريق حتّى تعمّ الفوضى ويتآكل النّاس أكلا شديدا. وكذلك التهبت القرى والمدن عند خلع النّظام ولمّا غاب الأمن فكان النّهب والحرق والقتل إلى غير ذلك من الخروق. فبدون دولة مهابة تعمّ عندنا الفوضى والفوضى مضرّة بالنّاس وهالكة للبلاد. وحتّى تعيد الدّولة هيبتها (وبدون ذلك سيعمّ الخراب) يجب أن يعود للأمن أواصره وللسّلطة قوّتها وأن نشرح للنّاس أنّ في تطبيق القانون وفي زجر المخالفين زجرا حماية للبلاد عامّة وللضّعفاء من النّاس خاصّة. وقد تلقى الدّولة -وهي اليوم هشّة- عسرا في ذلك وإحراجا لمبادئ «الثّورة» ولكن وحماية لهذه تدعو الضّرورة إلى ردّ المفسدين وقطع الطّريق أمام قطّاع الطّرق والهمجيين وغيرهم من الانتهازيين. إنّنا بلد متخلّف وإن قمنا بثورة الياسمين... ففي تونس اليوم أكثر من نصف مليون بطّال وفيها جهويّة خبيّثة وعروشية مقيتة و مفسدون وجاهلون كثيرون... ولن يستقيم الوضع بدون سلطة مركزيّة قوية زاجرة للظّالمين وإن أغضب هذا كثيرا من «الثوريين» وأيضا من الحالمين. * أستاذ بالمعهد الأعلى للتصرّف بتونس