وصلنا نص مطوّل بامضاء الفنان زياد غرسة تفاعلا مع ما صدر بالصحيفة حول الرشيدية نورد ابرز ما جاء فيه: تعليقا على المقال الصادر بالصباح يوم 9 أفريل 2011 في صفحاتها الثقافية حول المخاض الذي تتخبط فيه جمعية الرشيدية الممضى من طرف الصحفي المحترم السيد محسن الزغلامي وعلى ما كتبه في نفس الإطار في مقال سابق أودّ إنارة الرأي العام وقراء هذه الجريدة العريقة، الأفاضل، خاصة وأنني مذكور في المقالين ومعنيّ بالأمر كطرف محوري في النزاع والخلاف الذي أدّى بالرشيدية الى ما آلت اليه اليوم. لقد تم تنصيب هيئة جديدة للرشيدية في أكتوبر 2010 بعدما تمت إزاحة الهيئة المديرة للجمعية في شهر جوان 2010 إثر تذمر الفرقة الموسيقية والمجموعة الصوتية من أدائها الهزيل ومن تلاعبها بمصالحهم وبحقوقهم وعدم المبالاة بكرامتهم وبذاتهم الإنسانية فكان وجودهم صوريّا. اقتصر على حضور العروض الشهرية والسهر على استدعاء وحسن قبول الذوات والشخصيات الفاعلة في المجال السياسي آنذاك فهذا كل ما يهمهم ويقدرون عليه، أما شرعيتهم فهي تعادل شرعية أعضاء مجلس الأمة ومجلس المستشارين والمجالس البلدية بما أن انتخابهم كان يتم على نفس المنوال وبذات الطرق الوقحة والمشبوهة والغامضة واللاديمقراطية وهذا ليس بسرّ. فبأيّ شرعية ينادون اليوم؟ واندلعت الثورة المباركة، فاغتنم أعضاء الهيئة المخلوعة الظرف وواقع البلد الجديد لاقتحام مقرّ الرشيدية بدعوى أنهم الهيئة الشرعية وأنه قد تم طردهم ظلما من الجمعية بطريقة تعسفية وزعموا أنهم رجعوا لأنقاذ الرشيدية. ولا بدّ من التذكير بالصيرورة التي أدت الى هذه الوضعية المزرية لجمعية من أعرق جمعيات هذا الوطن العزيز. الصيرورة التاريخية فمنذ أن توليت الإدارة الفنية للرشيدية سنة 2006 دأبت على العمل بانضباط وحرفيّة عالية في التمارين وعلى تحسين الأداء والعزف مع الحرص على الجودة، وتطوير القراءة الفنية للموروث الغنائي التونسي وإثرائه بما أحفظه من «عواطش» (الأثر الغنائي غير المعروف) التي أخذتها عن أبي وقد حفظها بدوره عمّن علّموه من شيوخ المالوف رحمهم الله جميعا، فتحسّن مردود الفرقة وبلغنا مرحلة من النضج ومن التصوّر الموسيقي جعلت الجمهور ينبهر بالمستوى الراقي للفرقة ويتردد بأعداد قياسية على المسرح البلدي لحضور عروضنا الشهرية. وبالموازاة مع هذا التفاني والإخلاص في العمل وما انجرّ عنه من نجاح ظلّت الهيئة المديرة جامدة غير قادرة على تنفيذ المشروع الفني الذي اقترحته على أعضائها إذ تبيّن أنها غير قادرة على تمكين الجمعية من موارد مالية إضافية وبقيت تكتفي بصرف دعم وزارة الثقافة كما أن أعضاء هذه الهيئة لا يمتّون للموسيقى عموما وخاصة للمالوف بأي صلة وليس لهم حسن فنّي يجعلهم يتحمسون لتحقيق الطموحات والأهداف المستقبلية الفنية لهذه الجمعية العريقة الى أن تجاوزتها الأحداث وبدأت تبريراتهم لعجزهم من قبيل الدمغجة وواهية وهكذا فقدوا كل مصداقية وحلت أزمة الثقة في صدق أقوالهم وإخلاص أعمالهم إذ أن فاقد الشيء لا يعطيه. ونتيجة لتقاعس أعضاء الهيئة وعجزهم فضلا على عدم تقديرهم لمجهود الفرقة، بدأ الملل والفتور ينتابنا، الى أن امتنع عناصرها على المشاركة في الاحتفالات بالذكرى 75 لتأسيس الجمعية خاصة بعدما قرّرت الهيئة المديرة آنذاك إلغاء عرض شهر جوان 2010 وبالتالي حرمانهم من منحهم لشهر جوان غايتهم من ذلك توفير موارد - على حساب قوت العازفين والمجموعة الصوتية-لتنظيم الاحتفال المذكور. وفيما يخص هذا الحدث أودّ الملاحظة بأنني صاحب الفكرة ورغم ذلك تمّ إقصائي من الإسهام في تنظيم هذا العرس الثقافي- كما كانوا دائما يتجاهلونني برغم أنني المدير الفني للجمعية (لم أجتمع بهم سوى مرتين في ست سنوات) - إذ تمّ تكليف السيد محمد الهادي الموحلي بالمهمة وكوّنوا لجانا لا داعي لها وانتهى تنظيمهم للاحتفال المذكور الى مهزلة وارتجال لا يليق بتاريخ هذا الصرّح العتيد الشيء الذي جعلني أعلم وزير الثقافة السابق السيد عبد الرؤوف الباسطي بحقيقة الأوضاع المتوترة هذه وأعلمته بعزمي على الانسحاب من الرشيدية إذ لم يعد بإمكاني التعامل مع هيئة تفتقد تماما الى المصداقية. وهذا ما حدا بالوزير إلى حلّ الهيئة المديرة في جوان 2010 والعزم على تعويضها بهيئة فاعلة تخدم الجمعية بصدق وإخلاص وتفان ويكون لعملها جدوى حقيقية كما طالبنا بذلك ودام السعي لذلك طيلة فصل الصيف وفي أكتوبر 2010 تدخلت رئاسة الجمهورية لتسليط صديقة ليلى بن علي الحميمة المسماة نبيلة بن حسين باي على الرشيدية، فما كان على الوزير إلا السمع والطاعة وتنفيذ الأوامر «مكره أخاك لا بطل». وبالتالي فالإدعاء بأن أعضاء الهيئة المديرة القديمة التي كان يرأسها التجمعي محسن بولحية، قد أطردوا من الرشيدية لفسح المجال للهيئة التي تلتهم كذب وافتراء وتضليل الرأي العام. الخلاف ليس شخصيا فالخلاف ليس شخصيا إذن، قد يحل بالمصالحة والتنازل، وإنما هو خلاف مبدئي والقطع مع النظام السابق ومن كان يخدم ركابه مبدأ اجمع عليه كل التونسيين الأحرار وباسم عناصر فرقة الرشيدية وأصالة عن نفسي، أناشد الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة التدخل لتطهير الرشيدية من هؤلاء الطفيليين الذين سهروا على توظيف الرشيدية في منظومة النظام البائد الثقافية. ومن ناحية أخرى ليس من أخلاقي بأن يكون خلافي مع الرشيدية مردّه جشعي ورغبتي في الهيمنة على الجمعية إذ أنني لست في حاجة الى ما كنت أتقاضاه من الرشيدية فقد التحقت بفرقة الجمعية مطربا بطلب وإلحاح من الأستاذ عبد الحميد بلعلجية ثم صرت قائدا لمجموعتها الصوتية مكان والدي إثر وفاته رحمه الله الى أن توليت الإدارة الفنية تعويضا للأستاذ عبد الحميد بلعلجية عندما تدهورت حالته الصحية ثم توفى رحمه الله سنة 2006 وهكذا صرت المدير الفني للرشيدية-من غير أن أطالب ذلك بل بطلب وإلحاح من الهيئة المديرة-فوجدتني أحمل على كاهلي كامل مسؤولية العمل الموسيقي الذي كان يؤمنه الشيخ الطاهر غرسة والمتمثل في تحفيظ المجموعة الصوتية إضافة الى العمل الذي عهد للأستاذ عبد الحميد بلعلجية أي قيادة الفرقة الموسيقية إضافة الى التدوين الموسيقي والتلحين والتوزيع والغناء وصياغة وبلورة برامج العروض الشهرية. فمن البديهي أن أطالب بمقابل لهذا العمل الجبّار خاصة أن المسؤولية جسيمة. أهذا ما يعتبرونه جشعا؟ ولكن المشكل الحقيقي يكمن في كون أعضاء الهيئة المديرة- بدون استثناء- لا يقدّرون هذا العمل حق تقديره وليست لهم الأدوات الموضوعية لذلك بسبب جهلهم بالموسيقى وبصناعتها. إن علاقتي بهذه الجمعية العريقة فنية بالأساس ومطامعي فيها موسيقية بدليل أنني لم أمض يوما عقدا وكنت أثق في نواياهم الحسنة ولكنني علمت اليوم أنني قد أسأت التقدير وصدق من قال: «إذا أنت أكرمت الكريم ملكته٭٭٭ وإن أنت أكرمت اللئيم تمرّدا» فلو كنت أسعى الى الهيمنة على الرشيدية كما يدّعون باطلا لما كان الأمر كذلك ولاشترطت إمضاء عقدا يضمن لي مستحقاتي كما أقيّمها ويتضمن صلاحياتي كمدير فني لئلا يتدخل أحد في عملي ولا أتعرض الى التهميش كما حدث مرارا. إنّ خلافي مع الهيئة يمكن تلخيصه في أن مشروعي الفني يتجاوز ما يمكن أن يستسيغوه خاصة أنهم ليسوا من أهل الصناعة الموسيقية ولا الفن والأدب.