علمت "الصباح" أن لجنة صياغة مسودة "عقد جمهوري" المنبثقة عن الهيئة العليا لتحقيق اهدف الثورة ستشرع بداية من يوم غد الاثنين وعلى مدى ثلاثة ايام في عقد سلسلة من الاجتماعات لمناقشة واعداد مشروع عقد جمهوري يعرض يوم الخميس المقبل على جلسة عامة للهيئة.+ وحسب مصدر مطلع من اللجنة المذكورة فإن أعضاء اللجنة المكونة من 15عضوا يمثلون جميع الأطراف المكونة للهيئة الوطنية لتحقيق اهداف الثورة سيتدارسون جميع المبادرات التي اطلقها مستقلون واحزاب ونشطاء في المجتمع المدني تحت مسميات مختلفة مثل عقد جمهوري، التزام ديمقراطي، ميثاق شرف، ميثاق المواطنة.. وتتفق تلك المبادرات (وجدت بعضها صدى قويا داخل المواقع الاجتماعية الالكترونية مثل موقع الفايس بوك) على هدف واحد وهو التزام جميع الأطراف السياسية بمجموعة من المبادئ السياسية والقيم الديمقراطية قبل خوض انتخابات المجلس التأسيسي لحماية تلك المبادئ واقرار علوية القانون وتكريس الدولة المدنية وحتى لا يتراجع أي طرف او حلف سياسي تمكن من الوصول إلى الحكم عن الالتزام بتلك المبادئ تحت أي ذريعة كانت. وينتظر أن تنبثق عن اللجنة وثيقة تتضمن مجموعة من المبادئ الديمقراطية والقيم الكونية للحريات الفردية والأساسية توقع عليها جميع الأطراف المترشحة لانتخابات المجلس التأسيسي، كما ينتظر أن ترفع اللجنة توصيات للهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة من أجل تبني مشروع العقد المزمع إمضاؤه.
صبغة الزامية
ويصر اصحاب المبادارت المذكورة من أفراد او أحزاب او منظمات المجتمع المدني على أن يتم إكساب وثيقة الالتزام بالمبادئ والقيم الديمقراطية صبغة الزامية من خلال إكسابها شرعية قانونية ملزمة على جميع الأطراف الموقعة عليها، قد تكون في شكل فصل قانوني ضمن المجلة الانتخابية، أو في شكل مرسوم رئاسي، أو في شكل "مبادئ فوق دستورية"، وذلك من أجل ضمان عدم تراجع حزب الأغلبية مستقبلا او من سيفوز بالانتخابات بأحد أو أكثر من مبدإ تم الالتزام على عدم المساس به او تغييره او الالتفاف عليه بما يمثل خرقا لإرادة الشعب ومبادئ ثورة الحرية والكرامة التي أطاحت بالاستبداد والدكتاتورية في تونس. وتأتي هذه المبادرات في ظل تصاعد للجدل في تونس خلال الفترة الأخيرة بين تيارات سياسية وفكرية وايديولوجيات مختلفة بشأن عدة مفاهيم حساسة مثل هوية البلاد، وفصل الدين عن السياسة، والدين عن الدولة، وحقوق المرأة، والحريات الفردية، وحرية المعتقد...وهي مسائل مثلت وما تزال محور نقاشات لا تنتهي وجدت طريقا لها خاصة بعد انهاء العمل بالدستور..
ضمان حريات أساسية وقيم ديمقراطية
من أبرز المبادئ التي سيقوم عليها العقد الجمهوري، او الدستور الأخلاقي كما يحلو للبعض تسميته والتي ستكون على الأرجح محل توافق أعضاء اللجنة على إقرار الهوية العربية الاسلامية للدولة التونسية، الالتزام بمبدإ صون الحريات الفردية والعامة بما لا يتعارض مع هوية الدولة ومبادئ حقوق الإنسان، وإقرار فصل الشأن الديني عن الشأن السياسي، والاقتراع العام المباشر كمصدر شرعي للحكم، إقرار المساواة بين جميع أفراد المجتمع وبصورة خاصة المساواة التامة بين المرأة والرجل. وينتظر ايضا أن يتم إدراج مبادئ عامة لا تقل أهمية مثل عدم استغلال دور العبادة للدعاية السياسية، التأكيد على مبادئ استقلالية المجتمع المدني واعتبار الإعلام والاتصال سلطة رابعة في المجتمع والفصل بين السلط واستقلال القضاء والتداول على الحكم بصورة سلمية واحترام حقوق الأقلية فضلا عن عدم استعمال العنف والعنف المنظم في التعامل بين مختلف مكونات المجتمع المدني والسياسي، العمل على ضمان حياد الجيش (والمؤسسات الأمنية) وعدم تدخله في الحياة السياسية مع صون دوره في حماية الدستور والنظام الجمهوري، وتشكيل محكمة دستورية ذات سلطات قضائية كاملة لحماية الدستور، ودعم وتطوير مجلة الأحوال الشخصية..
التزام جماعي وفردي
ويأمل أصحاب مختلف هذه المبادرات أن يعكس التوقيع على أي وثيقة توافقية تضم تلك المبادئ التزاما سياسيا جماعيا وشخصيا، يتجاوز دائرة النخبة ويتسع ليشمل المواطنين، وبذلك يشكل حجر الأساس لثقافة سياسية تعاقدية جديدة في تونس. وأن يتم التوافق عليها وتحويلها إلى وثيقة ملزمة لكافة أعضاء الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي الانتقال الديمقراطي ولكافة المترشحين للمجلس التأسيسي في انتظار صياغة الدستور الجديد على قاعدة مبادئها. فهل سيتم التوافق على مشروع وثيقة من هذا القبيل؟ وان تم ذلك هل أي قوة قانونية أو شرعية ستلبس؟، وهل ستكون في النهاية ملزمة قانونا للمجلس التأسيسي عند تشكيله وهو السلطة العليا الحاملة للشرعية ولها سلطة الحل والربط والتشريع.
النهضة ووثيقة 18 اكتوبر
اللافت للنظر أن حركة النهضة وبعد موافقتها الصريحة على مناقشة العقد الجمهوري بعد تحفظ أولي، تشارك في لجنة صياغة مسودة العقد وذلك في شخص السيد نور الدين البحيري. علما أن النهضة ستدفع بمقترحها القديم الجديد الذي يصب في هذا الاتجاه من أجل تبني مجموعة افكار وردت بما بات يعرف بوثيقة هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات الشهيرة والمكونة من تيارات سياسية وإيديولوجية مختلفة من شيوعيين وليبراليين وقوميين ومستقلين. وكانت هيئة 18 أكتوبر أصدرت وثيقة سياسية حول العلاقة بين الدين والدولة كتتمة لسلسلة من الوثائق، تعهدت الهيئة بإصدارها دفعًا للحراك الفكري الذي أعقب تأسيس الهيئة بعد إضراب عن الطعام ، خاضه معارضون لنظام بن علي المخلوع بالتوازي مع قمة "مجتمع المعلومات" التي أقيمت في تونس برعاية منظمة الأممالمتحدة في عام 2005. ويحسب لتكتل 18 أكتوبر تمكنه من فتح جدل فكري أدى إلى استصدار وثائق بمعية الإسلاميين على غرار وثيقتي "المساواة بين الجنسين" و"حرية الضمير والمعتقد" كمحاولة لرفع اللبس الذي كان قائما حول كيفية ومدى استبطان واستيعاب أطراف هذا التكتل لمفهوم الديمقراطية على غرار وثيقة "الدولة والدين" لوضع حصيلة لموقف الفرقاء المُتباينين من موقع الدين الإسلامي في الدولة الديمقراطية المنشودة ومن طبيعة العلاقة بين الديني والسياسي وكيفية إقامة دولة مدنية وديمقراطية تحترم وتضمن حقوق وحريات المواطنين الفردية والعامة وتصون هوية الشعب التونسي.. وهي وثائق تفتخر بها النهضة اليوم لكونها وافقت على جميع المبادئ التي انبنت عليها من جهة، ولأنها تعتبر اليوم مرجعا فكريا وسياسيا وعقدا ديمقراطيا يمكن البناء عليه واحياؤه من جديد من أجل استنباط "عقد جمهوري" لا يتعارض مع وثيقة 18 اكتوبر بقدر ما يتوافق معها في الرؤوى والتوجهات..
ملزم او غير ملزم؟؟
وكان ممثلو حركة النهضة في الهيئة ابدوا مرونة في موضوع تبني العقد الجمهوري، على أن يكون "عقدا اخلاقيا اعتباريا وليس الزاميا"، وان يتم الاستئناس بتجربة إعلان 18 أكتوبر الذي يعتبرونه وثيقة شاملة تتضمن جميع المبادئ الديمقراطية التي جاءت بها المبادرات المختلفة. علما أن 4 اعضاء فقط من الهيئة رفضوا الموافقة على صياغة عقد جمهوري وهم ممثلو حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي يتزعمه المنصف المرزوقي، اضافة إلى السيدة منية بن علي عن المسقلين. ويرى الرافضون لفكرة العقد او الميثاق بأنه يتعارض مع سلطات وصلاحيات المجلس التأسيسي الذي سيتم انتخابه يوم 24 جويلية المقبل خاصة ان المجلس سلطة غير مقيدة واعضاؤه منتخبون، ولا يمكن لأعضاء معينين في هيئة استشارية ليس لهم شرعية انتخابية الانتصاب كسلطة فوق المجلس التأسيسي.. وكان واضحا خلال النقاشات التي سبقت قرار تشكيل لجنة صياغة العقد، أن اغلب الأعضاء يرغبون في ان يكون العقد او الميثاق ملزما لجميع المترشحين لانتخابات المجلس التأسيسي، واقترح بعضهم القيام باستفتاء شعبي حتى يكتسب شرعية قانونية. وهو راي تسانده الأغلبية داخل الهيئة وينبع اساسا من "تخوف" تغول حزب او تيار ايديولوجي مهما كان توجهه من عودة الاستبداد السياسي والفكر الاقصائي مما يهدد مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد ويتعارض مع أهداف ثورة 14 جانفي. اذا فالنقاش سيكون على الأرجح ساخنا داخل لجنة صياغة العقد الجمهوري، هل سيكون العقد ملزما، أم غير ملزم؟ على اعتبار اختلاف وجهة نظر الأعضاء فيها بين مؤيد لإلزامية العقد المقترح، وبين مؤيد لفكرة عقد اخلاقي غير ملزم. اختلاف جوهري سينتقل في النهاية إلى الهيئة العليا بعد طرح مسودة العقد الجمهوري للنقاش.. رفيق بن عبد الله
تركيبة اللجنة
تتكون لجنة صياغة العقد الجمهوري المنتخبة من 15 عضوا يمثلون جميع الأطراف المكونة لمجلس الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة وهم: 4 ممثلين عن الأحزاب، وهم نور الدين البحيري عن حركة النهضة، حياة حمدي حزب الطليعة العربي الديقراطي، ربيعة تعاريت عن التكتل من اجل العمل والحريات، بشير العبيدي عن الحزب الاشتراكي اليساري. و4 ممثلين عن الجمعيات، وهم نجيبة الحمروني عن نقابة الصحفيين التونسيين، انور القوصري عن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان، أحمد الصديق عن الهيئة الوطنية للمحامين، وممثل عن اتحاد الشغل. و4 اعضاء عن المستقلين وهم سامية البكري، عبد الباسط بن حسن، ومصطفى عبد الكبير، وزهير مخلوف، وثلاثة عن ممثلي الجهات وهم عبد العزيز العايب، رضا الرداوي، وعبد اللطيف الحداد.