واشنطن الصباح من محمد طعم في حركة نادرة وقبل منتصف ليل الأحد/الإثنين 1 ماي، أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطاب متلفز عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، في مركب سكني يقع في أطراف مدينة أبوط آباد التي تبعد 60 ميلا (96 كلم) شمالي العاصمة الباكستانية إسلام آباد. وتستمد المدينة تسميتها من إسم ظابط بريطاني يدعى جيمس أبوط، أسسها سنة 1853. وتشتهر المدينة بقواعدها العسكرية وكلياتها الحربية ومؤسساتها الطبية والتعليمية الجيدة ولطافة مناخها. وتتهم واشنطن بن لادن بالوقوف وراء سلسلة من الإعتداءات استهدفت مصالحها داخل وخارج الولاياتالمتحدة مثل الهجوم على سفارتي الولاياتالمتحدة في نيروبي كينيا، ودار السلام، تنزانيا في 16 أوت 1998، والذي راح ضحيته أكثر من 200 قتيل. وفي 12 أكتوبر 2000، تبنى تنظيم القاعدة هجوما على البارجة الأمريكية «كول» قبالة ميناء عدن، باليمن والذي راح ضحيته 17 بحارا أمريكيا، كما تتهمه بالوقوف وراء هجمات11 سبتمبر 2001، على نيويوركوواشنطن والتي راح ضحيتها 2973 شخصا بالإضافة إلى 19 انتحاريا اختطفوا أربع طائرات مدنية لتنفيذ الهجوم. ويأتي الإعلان عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن (54 سنة)، بعد ملاحقات وجهود استخباراتية حثيثة على مدار أكثر من عقدين من الزمن وشاركت فيها العديد من الأجهزة والوكالات الأمنية والعسكرية، وبعد أن شكل بن لادن هاجسا لثلاثة رؤساء أمريكيين متعاقبين (كلينتون، بوش الإبن وأوباما). ووفقا للتقارير الأمنية المتداولة، ربطت وكالة الأمن القومي (National Security Agency) ووكالة الإستخبارات العسكرية (Defense Intelligence Agency) التابعة للبنتاغون، ووكالة الإستخبارات المركزية، أمر العثور على بن لادن بالتعرف على شخص يعمل كمرسول لبن لادن. طوال سنوات عديدة ظلت مختلف الأجهزة الإستخباراتية الأمريكية تلاحق هذا المرسول، الذي لم تتم الإشارة إليه بالإسم إلى حد الآن، باعتباره محل ثقة بن لادن وبالتالي هو الخيط الوحيد الذي قد يؤدي التعرف عليه إلى الوصول لبن لادن. كما تشير التقارير إلى أن الإشارة إلى هذا المرسول جاءت من خالد الشيخ محمد، أحد قياديي القاعدة، المعتقل في سجن غوانتانامو، بعد أن ألقت عليه القبض في 1 مارس 2003، في مدينة روالبندي، قرب إسلام آباد من قبل جهاز المخابرات الباكستانية (ISI). وقبل أربع سنوات، تعرف عناصر القاعدة المعتقلين لدى الولاياتالمتحدة على صورة هذا المرسول وأعطوا إسمه الحركي للمحققين الأمريكيين باعتباره أحد أهم حلقات الوصل للتنظيم ممن يتمتعون بثقة بن لادن، إلا أن المحققين لم يتأكدوا حينها من معرفة إسمه الحقيقي. وفي 2009، تمكن ضباط الإستخبارات الأمريكية بالتعاون مع شبكة جواسيسهم من حصر المنطقة التي يتواجد بها داخل باكستان، وهي عبارة عن مبنى محصن يبعد 35 ميلا (56 كلم) شمالي إسلام آباد، ويقع بالقرب من مقر مكتب ارتباط عسكري أمريكي مختص بمكافحة الإرهاب وملاحقة عناصر القاعدة. وفي شهر أوت من السنة الماضية، توصلت وكالة الإستخبارات المركزية من التعرف على مركب سكني محصن يقع في مدينة أبوط آباد. وبفضل صور الأقمار الإصطناعية التي التقطتها وكالة الأمن القومي وتقارير استخباراتية بعد رصد موقع المبنى وتحركات المحيطين به، توصل ضباط الوكالة، في شهر سبتمبر من السنة الماضية، إلى شبه قناعة من تواجد بن لادن داخل ذلك المبنى. وتبين للمحللين الاستخباراتيين أن هذا المرسول هو الرابط الوحيد بين زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن والعالم الخارجي. كما تبين لهم أن المبنى المشار إليه، يقع على هضبة على أطراف مدينة أبوط آباد، محصن وكبير وتحيط به أسوار عالية من كل الجهات يتراوح ارتفاعها ما بين 12 و18 قدم (من 6 إلى 9 أمتار)، وبه جدران داخلية عازلة وسميكة تحجب نوافذ الطابق الثالث. وصرح مصدر مطلع، رفض الكشف عن هويته، أن ضباط الإستخبارات الأمريكيين ذهلوا لما رأوه عندما شاهدوا المبنى، موضحا «كل ما رأيناه كان يتطابق تماما مع ما كان خبراؤنا يتوقعونه أن يكون مخبأ بن لادن». ويقدر الخبراء أن المبنى أنجز سنة 2005، ضمن مواصفات حددها بن لادن نفسه، ورغم أن قيمة المبنى تساوي مليون دولار (1.4 مليون دينار تونسي)، إلا أنه لا توجد به انترنت أو خطوط هاتفية. وفي يوم الجمعة الماضي، الموافق ل29 أفريل، التقى أوباما بكبار مستشاري مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض ليوقع على أمر تنفيذ عملية مداهمة مقر إقامة بن لادن. وفي 1 ماي الجاري، قامت وحدة خاصة من الفرق العسكرية التابعة لوكالة المخابرات المركزية بتنفيذ أمر المداهمة. وتم إنزالهم من طائرة مروحية على المبنى ولم تدم العملية أكثر من 40 دقيقة، قتل على إثرها بن لادن برصاصة في رأسه وقتل معه أحد أبناؤه وإثنان من مساعدية وإمرأة. كما تمكنت الوحدة المداهمة من أخذ جثة بن لادن معهم حيث تم نقل الجثة إلى قاعدة عسكرية أمريكية في أفغانستان لإجراء تحاليل مخبرية لأخذ عينة من الحامض النووي (DNA)، وبعد ذلك تخلصوا من الجثة بإلقائها في البحر. وتشير التقاير، إلى أن واشنطن لم تعلم باكستان بحيثيات العملية إلا بعد انتهائها. وأعلن أوباما في خطابه أنه اتصل برئيس الوزراء الباكستاني آصف علي زرداري وأعلمه بالأمر. مذكرا بما قاله أثناء حملته الانتخابية سنة 2008، حين تعهد بأمر القوات الأمريكية بأن تضرب داخل الأراضي الباكستانية حتى وإن لم توافق إسلام آباد. كما تأتي هذه العملية في وقت تشهد فيه العلاقات الأمريكيةالباكستانية حالة فتور شديدة. من جهتها، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تحذيرا، حصلت «الصباح» على نسخة منه، دعت فيه المواطنين الأمريكيين في جميع أنحاء العالم إلى «الحد من تنقلاتهم خارج منازلهم وفنادقهم وتجنب التجمعات الجماهيرية والمظاهرات»، حسب نص التحذير.