آسيا العتروس مخطئ من كان يعتقد أن التاريخ لا يعيد نفسه، وساذج من كان يتصورأن نيرون روما لم يعد له موقع في التاريخ الحديث وأن شبح من أحرق روما لا يمكن أن يعود. وعندما يحذر القذافي باللجوء الى كل أنواع السلاح المتبقي لديه بما في ذلك السلاح الكيمياوي فان الامر لا يمكن الاستهانة به أو التعامل معه على أنه خدعة من جانب العقيد لان جنون العظمة مصيبة اذا أدرك صاحبها ان النهاية وشيكة ولن يتردد حينئذ في اقتراف الاسوأ بما في ذلك كل السيناريوهات التي لا يمكن لعاقل أن يتصورها. والقذافي من هذا المنطلق قد بلغ درجة من انعدام الوعي والاحساس التي يمكن أن تدفع به في أية لحظة الى حرق الاخضر واليابس وفق مقولة "علي وعلى أعدائي"... ربما وجب الاعتراف أنه كما أن لروما عظماءها ورجالاتها فان لها أيضا مجانينها وسفاحيها وأنه كما أن لليبيا وتونس ومصر واليمن..عظماءها على مرالتاريخ فان لها أيضا مستبديها الذين عاثوا في الارض فسادا وظلما.وقد باتت الاحداث المتواترة من جزء لا يستهان به من الخارطة العربية تؤكد أن نيرون روما لا يزال سائدا وأن هناك بدل نيرون أكثر من نيرون مستعد لتجويع شعبه وحرق أرضه وقتل معارضيه ليبقى حاكما متفردا على الارض التي تلذذ بحرقها ورقص على صرخات ضحاياها. وقد أكدت التجارب التي سبقت اندلاع ربيع العالم العربي أنه وان اختلفت درجات القمع والاستبداد من رقعة الى أخرى، فانه يبقى لكل بلد نيرونه الخاص الذي تفنن في اذلال شعبه وامتهانه الى درجة الاستعباد. وكما جلس نيرون روما على ربوة عالية يتغنى بحريق طروادة وهو يستمع صرخات شعبه يحترق في اللهيب يبدو العقيد الليبي بدوره تماما كحال سابقيه متلهفا لحرق ما بقي من البلاد وطرد من بقي من أهلها متناسيا أن لكل نيرون نهاية وأن نهاية العقيد لم تعد بالحدث البعيد ليس في نظر متتبعي الشأن الليبي فحسب ولكن أيضا في نظر مختلف الخبراء والملاحظين الذين يتابعون مسلسل الانشقاقات اليومي في صفوف أنصار ورجال العقيد الذين باتوا على قناعة أنه يعيش حالة احتضارمعقدة قد تطول أكثر من المتوقع لها ولكنها زائلة بالتأكيد فنيرون أيا كانت هويته أو لونه أوجنسه أوعقيدته لا يمكن أن يستمر في الوجود..قد يكون العقيد تابع ما ال اليه قبل أسبوع مصير نظيره اليمني الذي لا يزال الغموض يلف أطوار الحادثة التي استهدفته وهو في قصره بين أنصاره وتحت حماية حراسه الذين يفترض أنهم أوفياء له. ومع ذلك فقد نجا الرئيس اليمني بأعجوبة من موت محقق خلال القصف الذي استهدفه ولايزال من غير التصريحات التي أطلقها بالامس ضابط ليبي منشق وتحذيراته من مخطط شيطاني للعقيد الليبي معمر القذافي للجوء الى الاسلحة الكيميائية لضرب أعدائه ومعارضيه في ليبيا الى جانب كشفه عن تسلل جماعات مسلحة على استعداد لتنفيذ عمليات تفجيرية في عدد من المواقع السياحية في بلادنا لا يجب تجاهلها أو التقليل من أهميتها. وبقدر ما يجب أن تدعونا تلك التصريحات للحذر تحسبا لمغامرات غير محسوبة من جانب القذافي بقدرما يجب عدم تحميلها أكثرمما تحتمل. وسواء كانت تصريحات الضابط الليبي نابعة من معلومات موثوقة أوسواء كانت أيضا مجرد حملة منظمة لبث الرعب والخوف في النفوس أوسواء كانت طريقة اختارها الضابط لتخليص ضميره من عديد الجرائم التي دفع اليها القذافي قواته فان ما جاء على لسان الضابط الليبي ليس سابقة من نوعها بعد أن أدرك عديد المقربين من العقيد الليبي أن ساعة زعيمهم توشك أن تحل وأن شرعيته لدى الرأي العام في الداخل كما في الخارج باتت أمرا لا سبيل اليه..قد تتأجل نهاية القذافي بعض الوقت ولكنها لن تتأجل الى ما لانهاية وما يحدث في هذا البلد يؤكد أن نهاية العقيد ستكون مأساوية على طريقة نظيره اليمني في أحد المستشفيات في افريقيا أوعلى طريقة الرئيس المصري قيد الاقامة الجبرية في أحد المستشفيات العقلية في بنغازي أو على طريقة القذافي اذا ما وجد نفسه مدفوعا للانتحار أو مواجهة الموت على يد أحد أتباعه المنشقين... [email protected]