على إثر اتصال هاتفي من أم يرقد رضيعها في مستشفى الأطفال بباب سعدون تحدثت فيه عن اكتظاظ الغرف وقلة العناية والإهمال الذي يتعرض له الرضع والأطفال الصغار، زارت "الصباح" هذا المستشفى لمعاينة مدى صحة ما صرحت به تلك الأم والبعض ممن وجدناهن أمام المستشفى في انتظار الزيارة ولنقل صورة حية عما تحدثت عنه ولجنا غرف المرضى من الأطفال والرضع واستمعنا إلى صراخ القادرين منهم على البكاء وأنين الرضع الذين منعتهم آلامهم حتى من البكاء. كانت الغرف مليئة بالمرضى والزوار والأسرة الصغيرة مكتظة حيث يرقد على السرير الواحد بين اثنين وأربع رضع أو أطفال وضعهم هذا يتأزم مع وجود أمهاتهم ويزداد سوءا بدخول الزوار عندما ترتفع درجة حرارة الغرفة وينقص الأكسجين وتختلط أصوات الزوار وتغطي على بكاء وانين الرضع والأطفال. هذا الوضع المؤلم أكدته والدة طفلة مريضة بالمستشفى أشارت أنها تعاني من سوء المعاملة خاصة من الإطار الشبه طبي وأنها تضطر أحيانا للاعتناء بابنها وحتى بأبناء آخرين مقيمين مع طفلتها من تغيير للحفاظات وغيره كثمن لبقائها بالمستشفى, وأضاف أب أن ابنته المريضة تبقى يوما كاملا دون تغيير أو اعتناء، ولا يستطيع اللوم أو الكلام خوفا من سوء المعاملة التي يمكن أن تعود بالمضرة على الطفل المريض. قلة تنظيم حدثتنا طبيبة وأستاذة جامعية من داخل المستشفى رفضت الكشف عن اسمها عن الوضع المتردي هناك وأرجعت ذلك إلى سببين أساسيين وهما الاكتظاظ وقلة التنظيم. والاكتظاظ سببه أن كل سكان العاصمة عند تعرض أطفالهم لأي سوء أو أصابتهم حتى وان كانت هينة يتوجهون مباشرة إلى قسم الاستعجالي دون اللجوء إلى المستوصفات الموجودة في أحيائهم السكنية أو القريبة وهذا الاكتظاظ لا تتحمله طاقة القسم ولا الطاقم الطبي الموجود خاصة في الفترات المسائية لذا يقوم قسم الاستعجالي بتوزيع الكم الهائل من الأطفال المرضى على الأقسام الداخلية بالمستشفى دون تشخيص في بعض الأحيان للأمراض إما بسبب العدد الكثير أو حتى بسبب نقص في خبرة الأطباء المناوبين الذين لا يتوصلون إلى تشخيص المرض الذي يشكو منه الطفل فيقررون مكوث الطفل بالمستشفى وحجز سرير داخل القسم خوفا من تعكر حالته الصحية وفي الحقيقة قد لا تستوجب حالته البقاء بالمستشفى أصلا. المسألة الثانية حسب رأي محدثتنا الطبيبة تتمثل في قلة التنظيم الذي يفرض تدخل الإدارة لمراقبة وتحديد عدد الأشخاص المسموح بهم لزيارة الطفل المريض وهي مسألة تنظيمية للحد من حالات الفوضى التي لاحظناها بأقسام المستشفى. خاصة وقد لاحظنا بأن بعض المرضى من الأطفال يزورهم أعداد كبيرة من أفراد عائلاتهم في نفس الوقت. ومن المشاكل التي يعاني منها مستشفى الأطفال النقص الفادح في الإطار الطبي والشبه طبي خاصة حيث يعمل طبيب أو طبيبين داخل قسم يمكن أن يضم 60 طفلا وممرضة أو ممرضتين وهي نسبة قليلة جدا تفوق طاقة تحمل الأقسام. كذلك هناك أيضا مشكلة الرضع وحديثي الولادة بمستشفى عزيزة عثمانة وقسم التوليد حيث لا نجد أقسام إنعاش هناك مما يدفع الأطباء إلى إرسال الحالات الحرجة إلى مستشفى الأطفال وهو ما يمثل أيضا عبئا ثقيلا على المستشفى والحال أن هؤلاء الأطفال يمكن إسعافهم على عين المكان. هذا إلى جانب محدودية الأجهزة الطبية. مرافق لكل طفل مريض داخل الغرفة أضافت محدثتنا أن المشكلة الأخرى التي يعاني منها المستشفى تتمثل في وجود أمهات الأطفال المرضى داخل الغرف فالأقسام ليلا لا يوجد بها نفس الإطار الطبي والشبه الطبي الذي يشتغل في الفترة الصباحية وهذه المحدودية ينجر عنها إهمال وتلوث. هذا إلى جانب أن الطبيب المناوب لا يستطيع تحمل مسؤولية الأمهات مع أطفالهن خاصة في صورة وقوع مشكل مفاجئ لإحداهن مثل ارتفاع ضغط الدم أو ارتفاع السكري أو غيره مما يؤدي إلى تعطيل دوره إضافة الى صغر الغرفة وما يمكن أن يسببه هذا الاكتظاظ من التلوث ونقل أمراض يكون فيها المتضرر الأول والوحيد هو الطفل. وأضافت محدثتنا أن الأمر ازداد سوءا خاصة بعد ثورة 14 جانفي حيث أصبح الأولياء يعتدون على الإطار الطبي وحتى الشبه طبي بالعنف اللفظي وقد يتطور في بعض الأحيان إلى الاعتداء بالعنف الشديد بسبب منعهم من البقاء والإقامة مع أبنائهم أو بسبب زيارتهم خارج موعد الزيارة. الحلول المقترحة وللخروج من هذا الوضع المتردي ووقاية الرضع المرضى من الأمراض التي قد ينقلها الزوار والمرافقون لهم اقترحت محدثتنا التنظيم كحل مبدئي ثم التفكير في إنشاء مستشفى آخر للأطفال ليخفف العبء على مستشفى باب سعدون ويخفف من وطأة الاكتظاظ، وانتداب عملة وممرضين لمساعدة الفريق الطبي والشبه طبي على العمل وتوفير أجهزة طبية وآلات مثل الأسرة الحاضنة للرضع"COUVEUSE " للحد من عدد الوفيات.