المنظر الأول: فيلم من إبداع مخرجة نكرة.. بقلم د. محمد ضيف الله "لا الله ولا سيدي" عنوان لشريط سينمائي من إخراج نادية الفاني التي تقدم هذه الأيام على أنها مخرجة عالمية، وربما جاءتها العالمية تحديدا من حملها للجنسيتين الفرنسية والتونسية. وفيما عدا ذلك فالجمهور التونسي لم يكن يعرفها قبل أن تقدمها قناة "حنبعل" المحلية وهي حليقة الرأس. وكان شريطها السابق "أولاد لينين" (2008) عن والدها عضو الحزب الشيوعي التونسي في الستينات، تقديرا منها لجيل من المناضلين الشيوعيين الذين عاشوا في بقايا حزب تقاعس عند الكفاح من أجل الاستقلال الوطني. ويأتي شريطها الجديد "لا الله ولا سيدي" استكمالا لشريطها السابق. ولا شك أنه -بما يتضمنه عنوانه من استفزاز للمشاعر الدينية- يهدف على مستوى داخلي إلى استثارة معركة إيديولوجية وسياسية حامية الوطيس، تطبيقا لقول من قال إن لم يكن لك عدو فاصطنع عدوا. وذلك بقطع النظر عن الانعكاسات السلبية لتلك المعركة على مسار الثورة بله على مستقبل بلادنا. وقد اعترفت المخرجة نفسها بقوة الشحنة الاستفزازية لشريطها، فغيرت عنوانه بعد ثلاثة أيام من حادثة سينما أفريكارت، وفي اليوم الرابع حصلت على «الجائزة العالمية للائكية»، وهكذا فتحت أمامها أبواب العالمية، كما فتحت من قبل أمام آخرين من بينهم تسنيمة نسرين. وبذلك ضربت نادية الفاني عصفورين بحجر واحد، بالإضافة إلى عصفور ثالث يتمثل في منحة بستمائة مليون تلقتها من وزارة الثقافة التونسية. المنظر الثاني: شياطين يدافعون عن الله وقعت برمجة الشريط في إطار تظاهرة تحت عنوان (يستثير العراك) «ارفعوا أيديكم عن المبدعين» التي نظمتها مبادرة «لم الشمل» في قاعة سينما أفريكارت، غير بعيد عن البناية الرمادية لوزارة الداخلية وعن شارع بورقيبة حيث توجد دائما أكبر كثافة للبوليس السياسي. ولم يمر وقت حتى تكونت جمهرة من الناس فيهم ملتحون وغير ملتحين، وهواة لكرة القدم. ورفعت شعارات دينية مناوئة للفيلم. ولو وقف الأمر عند ذلك الحد لدخل في باب التعبير عن الرأي، إلا أن ذلك لن يكون مرضيا لمن يقف خلف هؤلاء وخلف أولئك. ولذلك ما لبث أن تحول الأمر إلى تكسير لواجهة القاعة البلورية، وحلا للبعض تسمية الاعتداء ب»غزوة أفريكا». الأكيد أن المتفرجين والمستمعين لا يملكون الخيوط كلها، لا يعرفون من حرك الفاعل ومن حرك راد الفعل، وقد يكون المحرك هو نفسه. ولكن مقتضيات الظرف تقتضي منهم أن لا يروا في المشهد إلا الشياطين ناسين ربما أن لكل شيطانه. وعلى أية حال فالحدث جلل، ويجب أن يكون جللا، ومقطعا في سيمفونية الإيديولوجيا وبنزينا في حرب قادمة. وهكذا انتهى لم الشمل -إن كان المقصود به لم شمل التونسيين الذي مزقه بن علي- إلى تمزيق جديد. وربما الفاعل هو دائما نفسه، حيث أن المستفيد بقي نفسه، هو منظومة الاستبداد. المنظر الثالث: البكاؤون أمام حائط المبكى.. بسرعة البرق يفتح باب البرلمان الأوروبي لمناقشة ما جرى أمام سينما أفريكارت. في أقل من عشرين ساعة، يجلس الجامعي والنقابي السابق ونجل المناضل الوطني الكبير سليمان بن سليمان المسمى المنصف في مقعد من البرلمان الأوروبي، ليحيط الأعضاء علما بما حدث في تونس مساء اليوم السابق. وهكذا يتأوه لنا تحت قبة البرلمان الأوروبي النواب الأوربيون بمن فيهم نواب مالطة وقبرص وإستونيا فضلا عن الوطن الأم فرنسا وبلد برلسكوني... ثم نرى الوزير رافع بن عاشور في نفس المكان وفي نفس الوقت يتكلم حول نفس الأمر. فهل وجد كل من الوزير و بن سليمان هناك بالصدفة؟ ألا يعرفان أن الاتحاد الأوروبي الذي تجاهل كل ما جرى للتونسيين طيلة 23 سنة وزيادة، من تعديات واستبداد ارتكبها نظام بن علي، لا يمكن أن يتحول إلى حائط مبكى؟ وهل قامت الثورة أصلا من أجل التقليص من سيادة بلدنا الذي أعطى للمراهنين على الدكتاتورية درسا في قوة الإرادة لدى الشعوب؟ وهل ساهم هؤلاء البكاؤون في النضال ضد الاستبداد يوما؟ يبدو أن مشكلة بلادنا تعود إلى جانب من نخبتها التي لديها استعداد تام للقبول بالحماية الأجنبية. الخاتمة حبكة الشريط تبدو واضحة للعيان، والممثلون يجسدون أدوارهم في إبداع وانسجام. وإلا فمن المؤسف أن البعض من اليسار يبدع في إثارة قضايا خاسرة مسبقا لأن فيها خلطا فجا بين الدين والسياسة. بحيث يناضل ضد الحركات ذات المرجعية الدينية من خلال التهجم على المعتقدات الدينية، فتنتهي المعركة بانكسار المحارِبين وانتصار منافسيهم.