بعد أن انفردت الصباح بوثيقة الإستقالة للشّاعر مراد العمدوني عضو الهيئة المديرة لاتحاد الكتاب التونسيين نحاول اليوم في الحوار مع الشاعر معرفة الأسباب التي دفعته إلى ذلك وأن نفهم الأوضاع السائدة بالإتحاد ككل. لماذا أقدم مراد العمدوني على هذه الإستقالة في هذا الوقت بالذات وهل لذلك علاقة بالمؤتمر القادم؟ سأنطلق من النقطة الأخيرة لأؤكد للجميع أنني لن أترشح لتحمل المسؤولية في الهيئة المديرة التي سيفرزها المؤتمر الذي أرجو أن يتحرر من وسائل الضغط التي كان يعتمدها التجمع والعديد من الوزارات بما يعد اعتداء سافرا على كرامة الكتاب وقد عانينا كثيرا من هذه الممارسات خلال المؤتمرات السابقة ولنا في توزيع المسؤوليات خلال المؤتمر الأخير خير شاهد على ذلك.
كيف تفسر توقيت الإستقالة الذي اخترته وماهي حقيقة الوضعية التي يمر بها الاتحاد؟
السؤال يطرح حول استقالتي في هذا التوقيت بالذات وأنا لا أعفي نفسي من تحمل المسؤولية إلى حدود اليوم. أما بخصوص وضعية الاتحاد الحالية فيمكن القول أنه لا يقوم بدوره الطبيعي كممثل فعلي لحوالي 700 كاتب تونسي وكمكون أساسي من مكونات المجتمع المدني وصمته عن كل ما يتعلق بحرية التفكير والتعبير ورفض كل أشكال الوصاية على الكتاب التونسيين والتصدي لظاهرة مصادرة بعض الكتب ومنعها من النشر والتوزيع رغم أن النظام الأساسي يؤكد على ذلك وقد يفسر ذلك سيطرة بعض أعضاء التجمع على تركيبة الهيئة المديرة منذ تأسيسه.
يعيب البعض على الإتحاد عدم المشاركة الفعلية في أحداث الثورة، فما هو رأيك وفيما تمثلت انتظاراتك عقب ثورة الرابع عشر من جانفي ؟
مشاركة الإتحاد لم تكن فعلية في أحداث الثورة غير أنني أستثني بعض الأخوة الذين شاركوا من منطلق شخصي في المسيرات والاعتصامات. من جهة أخرى كنت أنتظر شخصيا أن الاتحاد سيغير من سياسته بعد الثورة بشكل يعيده إلى موقعه الطبيعي ويطور من آليات تعامله مع مشكلات الأعضاء والكتاب جميعا وقد كنت أمني نفسي ب»تثوير» الاتحاد من حيث الأهداف والآليات وها نحن بعد 6 أشهر كاملة على الثورة نلاحظ أن لا شيء قد تغير فعليا وهو ما أصابني بالإحباط والشعور بالعجز عن انجاز المطلوب وذلك بسبب تشبث بعض أعضاء الهيئة بنفس التقاليد رغم مستحدثات المرحلة الثورية.
هل ترى أن الإتحاد قادر على خلق حوار بناء بداخله والتأسيس لشراكات فعلية مع مختلف المنظمات التي تعنى بالشأن الأدبي ؟
لم ينجح الاتحاد في الدفع بالحوار البناء مع مكونات الساحة الأدبية رغم ما تعرض إليه من استفزازات واتهامات بأنه يمثل شعبة دستورية وهذا لعمري حكم فيه تجن كبير على هذه المنظمة التي تمثل 700 كاتب من مختلف الأطياف السياسية رغم تأكيدي على أن التجمع يمثل الأغلبية في داخلها والصمت اللا مبرر لبعض أعضاء الهيئة المديرة أمام مثل هذه الاتهامات وعدم مواجهتها بفرض حوار فعلي والتوضيح للرأي العام بشكل يدافع عن استقلالية الاتحاد وتعددية أفراده الفكرية والسياسية. وكان بإمكان اتحادنا عقد ندوة للدفع بالحوار العقلاني الذي يضع هذا المشكل في إطاره الموضوعي كما أننا لم نصل بعد إلى القبول بالآخر المختلف وهذا ينسحب على عدد كبير من الكتاب مهما اختلفت انتماءاتهم وانخراطهم في أحد ىالمنظمات التي تمثل الكتاب والايمان بالتعددية كمحرك أساسي للمجتمع الحي.
كيف تعاملت شخصيا مع الهياكل الموازية للاتحاد؟
شخصيا أعتبر أن هذه الهياكل ليست موازية للإتحاد وإنما مكملة له فقد كنت من أوائل الموقعين على البيان التأسيسي لنقابة الكتاب واقتنيت انخراطي من كاتبها العام ولم يمنعني عن حضور مؤتمرها إلا ما أعلنته لجنة النظام الداخلي للاتحاد العام التونسي للشغل بعدم مشروعية الانتماء إلى نقابتين مختلفتين وبما أنني مسؤول نقابي في قطاع التعليم الثانوي كان لزاما علي اختيار الاستمرار في تحمل مسؤوليتي للدورة الثالثة على التوالي كما أنني كنت من الأوائل الذي عبروا عن فرحتهم بإنشاء لجنة الدفاع عن الأدباء الشبان وأكنّ الاحترام الكبير لنضالية رابطة الكتاب الأحرار وكنت أتمنى أن يعمل الجميع بالمثل دفاعا عن صورة المبدع في تونس وعدم إعطاء الفرصة لتهميش دوره الأساسي في المجتمع المدني وأكيد أن التراشق بالتهم وعدم اختيار الحوار كآلية وحيدة للتعامل بين االكتاب أدى الى تشويه صورة الكاتب.
كيف تنظر إلى علاقة الاتحاد بمختلف مكونات المجتمع المدني؟
ظل الإتحاد في قلعة معزولة عاجزة عن المشاركة في الحراك السياسي والاجتماعي خاصة بعد الثورة وكان بإمكانه لو دافع عن استقلاليته الفعلية أن يكون ممثلا للكتاب في الهيئة العليا لحماية الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي للدفاع عن مكانة المثقف في نحت ملامح الإنسان الحر في تونس خاصة وأن الاتحاد يمثل المنظمة الأكثر تمثيلية للكتاب وأعرقها.
أي مكانة للثقافي اليوم في برامج الأحزاب السياسية ؟
أمام غياب مشاريع ثقافية لأغلب الأحزاب السياسية وتهميشها لدور الكاتب كان لزاما على الاتحاد أن يدعوها إلى الحوار البناء من أجل حثها على رسم سياسة ثقافية تضمن حرية التفكير والإبداع خاصة وأن بعض الأحزاب بدأت تستهدف المبدع وتفرض عليه الانخراط في تصوراتها الثقافية الرجعية وهو ما يعني أن يكون للاتحاد تصور تقدمي يخدم مجتمع التعدد والاختلاف مجتمع الكرامة والحرية والديموقراطية التي دفع لأجلها التونسيون الثمن غاليا.
أي مشروع بديل خاص تحمله بعد تقديم استقالتك ؟
أجدّد التأكيد على أنني لا اعفي نفسي من تحمل المسؤولية إلى حد اليوم وأن ما أعلنت عنه الآن يمكن أن يعتبره البعض حملة انتخابية قبل المؤتمر ولكنني كما قلت في البداية لن أترشح في المؤتمر القادم وأنني سأكتفي بدوري كقاعدي وهو ما يمكن أن يعطيني مجالا أكبر للحرية والنقد بعيدا عن منطق الاحتكام إلى الأغلبية الكمية والدفع بتقديم مبادرات ومشاريع ثقافية يمكنها تصحيح مسار الاتحاد الذي نريد له الاستمرار كهيكل ونرجو أن يقع مراجعة نظامه الأساسي والداخلي كما أنني أرجو التوفيق للهيئة المديرة الحالية في تحقيق ما أعلنته كبرنامج للأشهر القادمة.