ربما لا يثير حوله زوبعة كل ما مر ولا تهرع الجماهير إليه طمعا في الحصول على توقيعه كما يحدث غالبا مع نجوم التمثيل المعروفين إلا أن الممثل والمخرج الفلسطيني مكرم الخوري الذي تستضيفه أيام قرطاج المسرحية في دورتها الجديدة هو نجم واسع الإنتشار بفلسطين وباسرائيل حيث يحرص على القول أنه يحظى بنفس درجة الشعبية لدى كل من الجمهورين الفلسطيني والإسرائيلي. أعماله التلفزيونية والمسرحية والسينمائية تعد بالعشرات كما أنه له مشاركات عدة في أعمال أمريكية لكن نخال أن قدره سيتغير تماما بعد أن تتمكن الجماهير العربية الواسعة من مشاهدته في دور طارق عزيز في الفيلم الإنقليزي حول الرئيس الراحل صدام حسين الذي هو حاليا في طور المونتاج . مكرم الخوري يؤدي دور البطولة في مسرحية جدارية المقتبسة عن قصيدة للشاعر الفلسطيني تحمل نفس العنوان. المسرحية تختتم ايام قرطاج المسرحية مساء اليوم بعد أن تكون قد قدمت في عرض سابق في سهرة الأمس. حول هذا العمل المسرحي وحول مجمل أعماله وخاصة منها دوره في فيلم "ما بين النهرين" الذي تم تصويره في تونس كان لنا هذا الحديث مع الفنان مكرم الخوري إن كان الفن قضية, هل يمكن القول أن الفنان الفلسطيني مكرم الخوري حامل لقضية مزدوجة أي قضية البلد وقضية الفنان؟ أنا انسان لا أحب الكذب والتمويه .لذلك أعترف أنني لم أحمل ولا مرة شعار ممثل حامل لقضية على ظهري. قضيتي وجداني. إنها قضيتي أنا الشخصية. الحمد لله ربي أعطاني الشعور أو الإنطباع أو الحكمة في تجنب التقوقع في الشعارات. أنا سياسي ولكن من منطلق أن الإنسان مجبول على السياسة وككل إنسان أحارب لأجل إنسانيتي وصراعي مع نفسي أن لا أخسر إنسانيتي. لدي مواطن ضعفي ككل الناس ولدي مواطن قوة. بالتوازي مع ذلك قدمت الكثير من الأعمال التي تقدم قضية إنسانية. لدي رسالة إنسانية بالفعل ولكن أحاول أن أتعامل مع الأشياء من موقعي كفنان وليس كزعيم سياسي . نراك في هذا الحديث تحاول وضع أعمالك سواء تلك التي قدمتها بالمسرح الفلسطيني أو بالتلفزيون الإسرائيلي على قدم المساواة كما أنك تظهرارتياحك للشعبية التي تحظى بها لدى الإسرائيليين ألا تخشى أن يؤثر ذلك سلبا على جمهورك العربي ككل؟ لا كره ولا ضغينة من السهل أن نحكم على تجارب الناس هكذا ومن السهل أن نصنف هذا الممثل في هذه الخانة والآخر في الخانة تلك. لكن الواقع شيئ آخر. أنا فنان محترف قبل كل شيئ. أمثل بفلسطين كما أمثل في اسرائيل وأقسم وقتي بين فلسطين واسرائيل إذ أنه كما لدي بيت في حيفا لدي بيت في فلسطين. الجمهور الفلسطيني يعرف مكرم الخوري جيدا ويقبله كما هو. في جعبتي أكثر من مائة مسرحية وأنا أمثل بالعربية والعبرية والإنقليزية. لم أرفض في يوم ما عمل يدعو إلى السلم والتعايش. ثم لابد من التذكير أنني خضت حروبا لأفرض نفسي بالتلفزيون الإسرائيلي. اليهود كانوا يرفضون أن يؤدي العرب أدوار اليهود. وكنت حينما أديت دور البطولة في مسلسل كبير تدور أحداثه حول يهودي من حلب حدث رد فعل قوي رافض لاختياري لهذا الدور. لكن نوعية آدائي للدور وحرفيتي انتهت باقناع اليهود بأن الممثل العربي يمكن أن يقدم بشكل جدي شخصية اليهودي. هم بأنفسهم أصبحوا يتقمصون شخصية العرب دون أن تكون هذه الشخصية بالضرورة شخصية الإرهابي إلخ.... هل هذا يعني أنك لا تمنح فقط الأدوار التي توكل عادة للأجانب؟ وهذه حرب أخرى خضتها كي لا يقع تعليبي في نمط محدد وقد صرت محظوظا في الفترة الأخيرة. إذ مع طول التجربة صارت أدواري متنوعة. ماذا يهمك في الدور بالدرجة الأولى: مساحته أم رسالته.؟ أحاول أن أقدم أعمالي بمنتهى الصدق. صرت أكثر حرية في الإختيار مع تقدمي في التجربة لكنني أعترف أنني قدمت أدوارا لم أكن مقتنعا بها تمام الإقتناع. السبب يعود إلى أننا أحيانا وفي بحثنا عن لقمة العيش قد نظطر لبعض التنازلات. أديت مؤخرا شخصية طارق عزيز في السلسلة الإنقليزية حول حياة الرئيس العراقي صدام حسين؟كيف آل الدور إليك في نهاية الأمر؟ الأمر يتعلق بسلسلة تلفزيونية تتتكون من أربع حلقات تهتم بحياة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وهي تحمل عنوان «بين النهرين». ويمكن أن يحول الأمريكيون العنوان إلى" بيت صدام"لأنه يزمع بثه بالولايات المتحدة على الأرجح بعد موعد الإنتخابات الرئاسية القادمة. ويرى المنتجون أن العنوان ينبغي أن يتغير كي يروج العمل في السوق بشكل أفضل. إدارة الإنتاج قامت باختبارات لعدد كبير من مختلف البلدان العربية والأجنبية لأنهم كانوا يبحثون عن ممثلين يكونون أقرب ما يكونون إلى الشخصيات التي يجسمونها. شخصيا خضت ثلاث امتحانات. أول امتحان كان في سبتمبر 2006 والثاني في أفريل 2007 وتلاه الإمتحان الثالث بعد شهر. في مقابل ذلك وبعد استغراق طويل في اختيار الشخصيات تم التصوير في خلال شهرين بتونس كما تعلمون. وكيف وجدتم الفيلم خاصة وأن بعض الصحف العربية عابت على الممثلين العرب الوقوف إلى جانب ممثل اسرائيلي يقوم بدور الرئيس صدام حسين.؟ الممثل الإسرائيلي تم اختياره لدرجة الشبه القوية مع شخصية صدام حسين وقد أظهر براعة في التمثيل لا يمكن أن ننكرها. الصحافة المصرية شنت حملة على الممثل عمر واكد الذي أدى شخصية صهر الرئيس العراقي الراحل وفي اعتقادي أن الأمر يتعلق بحسابات شخصية بين الممثلين. فيما يخص الفيلم أرى أنه قدم شخصية الرئيس صدام حسين بمختلف جوانبها هناك جوانب أنا شخصيا اكتشفتها في هذا الفيلم خاصة الإيجابية منها. لم يقع التشفي من الرجل وإنما هي محاولة لفهم هذه الشخصية من خلال ما هو إيجابي وما هو سلبي. ولهذا السبب أعتقد أن عرض العمل لن يتم بالولايات المتحدة إلا بعد الإنتخابات لأن هناك من يرى أنه قد يؤثر في سيرها. لأن إدارة الرئيس بوش جعلت من شخصية صدام حسين شخصية خالية من الإنسانية للترويج لحربها ضد العراق واليوم فإنهم يخشون أن يتفطن الأمريكيون للخدعة. لا للكاريكاتور شخصية طارق عزيز والرجل مازال حيا كيف تناولتموها؟ الفيلم تنطلق أحداثه مع تسليم طارق عزيز لنفسه للأمريكيين وهو مراوحة بين الماضي والحاضر حيث تأخذنا الأحداث إلى مختلف مراحل حياة الرئيس العراقي وتنتهي الأحداث وهو في طريقه إلى الإعدام. لم يقع تصوير مشهد تنفيذ الحكم لأنه من الصعب على المشاهد تحمل ذلك. في الأثناء يقع إظهار العلاقة القوية بين الرجلين. شخصيا كنت متخوفا من الدور لأن طارق عزيز حي ويمكن مقارنة الممثل بالشخصية الحقيقية بسهولة. ما قمت به أن جمعت بين شخصيتي وشخصية طارق عزيز. ثم إنني لست مطالب كممثل بتقليد الشخصية وإنما فقط تقديمها بإقناع وبالإتفاق مع المخرج «آلكس هولمز «تجنبنا أن نقدم كاريكاتورا لطارق عزيز. العمل لا يحمل ضغينة بالمرة كما أن السيناريو والديكورات والمستوى التقني الرفيع للعمل جعل من مهمة الممثل يسيرة. كنا نصل إلى الأستوديوهات لنجد كل شيئ جاهز. لم يكن لنا من هم سوى الدخول في الشخصية والآداء على الوجه الأكمل . تكتفي في مسرحية جدارية المقتبسة عن قصيد لمحمود درويش بدور الممثل وأنت المخرج المعروف في حين يخرج العمل فتى شابا. لم يعود هذا الإختيار ؟ يسعى هذا العمل المسرحي إلى نوع من الكمال. فهو يقدم في لغة جميلة, لغة الشعر وترافقه موسيقى جميلة. هناك أيضا الرقص والحركة التعبيرية والتمثيل. كتابة النص توحي بكل شيئ. الحياة والموت. نعود بالمتلقي إلى حالة وجودية تصل به حتى إلى الآلهة القديمة ليطالب محمود درويش في نهاية الأمر بانتصار اللغة على الموت. لإظهار كل ذلك كنا في حاجة إلى دم جديد. والمخرج الشاب الذي تولى إخراج المسرحية هو ظاهرة بأتم معنى الكلمة. لقد جابت المسرحية عددا من البلدان الأوروبية وهي لا تزال تحظى بالعروض وقد حققت القبول الحسن في كل مرة .نعرض العمل منذ سنة2005 ونخال أنها ستتواصل إلى فترات أطول. أتمنى طبعا أن تحظى بإعجاب الجمهور التونسي الذي يبدو أنه اقتنى التذاكر باكرا ذلك أنه بلغني أن تذاكر عرض الجمعة نفذت بعد (أجري الحديث صباح الإربعاء). هل تنتظر أن تتوسع آفاقك ككمثل عالمي بعد آدائك لدور طارق عزيز وهل لديك أحلام محددة في مجالك؟ كنت قد قدمت عددا من الأعمال بالتلفزيون الأمريكي وسبق لي أن قدمت شخصية الزعيم عرفات في مسلسل الجناح الأيسر الأمريكي .. وكما سبق وقلت , أنا ممثل محترف وموقعي في الساحة التمثيلية العالمية يتحدد مع درجة قبول المتلقي لأعمالي مع ذلك يبدو أن سلسلة «ما بين النهرين» قد تفتح أمامي آفاقا أخرى فقد تلقيت بعد عروض عمل من الإيطاليين. من جهة أخرى لا أدري إن مازال لدي أحلام في مجال التمثيل بعد عشرات الأعمال.... بلى أتمنى آداء شخصية الرئيس الحبيب بورقيبة. ملامحي فيها شبه كبير منه كما أنه شخصية هامة قد دخلت التاريخ من بابه الكبير .لكن أحبذ أن يكون الفيلم من الطراز العالمي.