الأحزاب.. «لاحياة لمن تنادي» مشروع إحداث صندوق الودائع والأمانات، صندوق المواطنة، اقتراح إحداث صندوق لدعم الديمقراطية..كلها صناديق أحدثت بعد الثورة، أو هي صناديق يتم النقاش حول إحداثها، انضافت إلى جملة الصناديق التي كانت تعمل زمن النظام السابق وان تم الاستغناء عن عدد منها، بعد أن اتضح أنها صناديق مفتوحة أو مثقوبة، كانت مصدر تمويل للعائلة الحاكمة زمن حكم بن علي ونخرها الفساد من كل جهة. ويكفي هنا ذكر ما يطلق عليه اليوم صندوق النهب 26/26، الذي كان يتشدق النظام السابق باعتماده، وبامكاناته وبتضامن التونسي من أجل التنمية بمناطق الظل، ولكن كان التونسيون متضامنون في حقيقة الأمر لتمويل المشاريع غير الشرعية والمشبوهة للمخلوع وأصهاره.. وان كان الواقع الاقتصادي والاجتماعي الحالي، يحتم إجابة عاجلة على صعوبته، وإجراءات حتمية "تسكن" آلام الجهات المحرومة وآلام مئات الآلاف من التونسيين هم تحت خط الفقر..فهل أن إحداث صناديق أخرى في البلاد هي حلول للنهوض بالواقع الاقتصادي والاجتماعي؟ وهل للحكومة الحالية شرعية في مثل هذه الإجراءات؟
قصيرة المدى
وللتذكير فان الحكومة المؤقتة اعتمدت برنامجا اقتصاديا واجتماعيا مؤقتا قصير المدى، سيتم تنفيذه على المدى القصير وسيكون له "انعكاس فوري" على المجالين الاقتصادي والاجتماعي. ويشتمل البرنامج على 17 إجراء موزعا حسب أربع خطط عمل أفقية، هي "التشغيل" و"مساندة المؤسسات والاقتصاد وتمويلها" و"التنمية الجهوية" و"العمل الاجتماعي. غير أن الحكومة عملت على وضع مخططات ، وعملت على إحداث صناديق هي في حقيقة الأمر ضمن خطة إستراتيجية متكاملة تتضمن عدة آليات تهدف بالأساس إلى مجابهة الوضع الاقتصادي الراهن للبلاد كما شملت مختلف المجالات تقريبا. ومن ناحيته يعتبر عزام محجوب الخبير الاقتصادي، هامش عمل الحكومات الانتقالية أو المؤقتة مرتبط بنسبة الشرعية التي تمتلكها، ويوضح أن السياسات المتوسطة والبعيدة المدى فيها "إشكال" حسب تعبيره، فغالب السياسات المتخذة اليوم يجب أن تكون قريبة المدى ودون قرارات حاسمة إلى أن يتم انتخاب حكومة شرعية تتكفل بهذه المهمة.
ليست معنية
ويختلف كل من محمد جمور عضو الهيئة التأسيسية لحزب العمل الوطني الديمقراطي، وعصام الشابي القيادي بالحزب الديمقراطي التقدمي، في موقف كل حزب من سياسة الحكومة، حيث يعتبر جمور أن الحكومة المؤقتة "سمحت لنفسها بأن تقوم بمخطط طويل المدى كما بادرت بالاقتراض وهي تتصرف وكأنها ستبقى بعد 23 أكتوبر، وهي تبعث صناديقا وكأن سياسة الصناديق أتت بنتيجة؟" وأكد أنه "كان الأجدر بها بأن تقوم بإجراءات وقتية آنية ومباشرة للتشغيل". ومن ناحيته، اعتبر عصام الشابي أن من مهام الحكومة الحالية تصريف الأعمال والإشراف على الانتقال الديمقراطي، وأن من صميم أعمالها اتخاذ الإجراءات الاسعافية والضرورية للحالات التي لا تنتظر، وأيضا إيجاد الحلول الآنية والمسكنات في انتظار انتخاب حكومة تضع البرامج وتضع في اعتبارها ما بدأته الحكومة المؤقتة من عمل. ونظرا لانشغالها الكبير بحملتها الانتخابية، ومع اقتراب الموعد الانتخابي كثيرا، حيث لا تدع أي فرصة لاستغلاها في هذا الإطار، فان الأحزاب لم تتخذ مواقف من مبادرات الحكومة ، بل بقت في أغلبها تنتقد عمل الحكومة في العموم وتعارض عملها دون أي بديل حقيقي.. ودون دخول في مسألة شرعية اتخاذ إجراءات وانتهاج سياسات متوسطة المدى وإستراتيجية من عدمها، فان الأحزاب يبدو أنها تناست أن الوفاق هو المحرك الوحيد المخول للخروج من الوضع المؤقت الذي تعيشه البلاد، ويبدو أنها لم تفهم أنها شريكة في هذه العملية وأن لها الحق في إبداء الرأي وأن من واجبها إن عارضت أتت ببدائل.. الواقع الانتقالي، يبدو أنه أباح الكثير للجميع، وأتاح الفرص للجميع، ولكن التاريخ لم يرحم من قبل ولن يرحم من بعد من أخطأ في تقرير مصير البلاد ولو على حسن نية...رغم أن العمل على إيجاد حلول ولو بالتعسف على المهام وعلى الواقع، لوضع اقتصادي واجتماعي هش، يبقى دائما أهون وأرحم من عدم اكتراث بالبلاد والعمل على حملة انتخابية دون غيرها، تمول من مصادر عديدة، ولا يهم الطريق. فالأهم هو الحصول على نصيب من السلطة..