الثورة أنصفتني ولم أقبع فريسة التهميش قبل 14 جانفي العرض الذي قدمه الفنان منير الطرودي بطبرقة في سهرة السبت المنقضي والذي تزامن مع الاحتفال بعيد المرأة في بلادنا كان مختلفا عن العروض السابقة التي أحياها هذا الفنان خلال المهرجانات الصيفية أو في إطار مهرجان المدينة. وذلك بعد أن أصبح أكثر الفنانين طلبا وحضورا في المهرجانات والتظاهرات الثقافية بعد الثورة المجيدة نظرا لأهمية اللون الغنائي الذي برع وتميز في تقديمه على نحو ينال استحسان المتلقي التونسي والعربي والأجنبي على حد السواء. ويتمثل هذا النمط بالأساس في القدرة على المزج أو الجمع بين الأغنية التراثية أو البدوية التونسية والإيقاع الغربي وتحديدا الجاز وغيرها من الموسيقات العالمية. وشكل هذا التميز دافعا إلى اختيار هذا الفنان لإحياء هذه السهرة للمساهمة في دعم الحركية السياحية بالجهة. كان العرض الذي حضره عدد هام من التونسيين والسياح الأجانب المقيمين بطبرقة في مستوى انتظارات الجميع. قدم خلاله الطرودي أنماطا مختلفة من الإيقاعات الموسيقية التي تتماشى وأجواء السهرات الرمضانية من ناحية، وقدم التراث الغنائي التونسي من ناحية أخرى في شكل يسهل للأجنبي الاطلاع على جانب من المخزون الغنائي التونسي الذي يروج لثقافة هذا البلد. فكان التجاوب بين الطرفين سريعا. حيث تفاعل الحاضرون مع الأغاني الإيقاعية الراقصة التي صنعت نجاح هذا الفنان من بينها "راكب عالحمراء" و"الأسود مقروني" و"حسرة على أيامك يا حمة" وانخرط الجميع في حالات من الانتشاء والرقص. وانفتاح هذا الفنان على أنماط مختلفة من الموسيقى العالمية كان حاضرا في هذا الحفل الذي رافقه فيه ثلة من خيرة العازفين في الساحة على غرار سامي بن سعيد على البيانو وزياد الأكود على "الكنترباص" وهاني الفاهم على القيتار إضافة إلى عبد الحق الزموري على الباتري. وفضلا عن الأغاني استمتع الحاضرون أيضا بمعزوفات موسيقية تمثل ثقافات مختلفة عبر عنها منير الطرودي ب"الراغا" والتي تتمثل في المزج بين الأصوات أو آداء المواويل والإيقاعات الباكستانية والهندية وغيرها من الإيقاعات الآسيوية حملت الحاضرين في رحلة عبر طقوس صوفية وروحانية. وقد كان لحضور الطرودي الركحي دوره في إنجاح العرض وتيسير تواصله مع الحاضرين وتهيئتهم للسهرة من خلال التحاور معهم وإبداء رأيه من بعض المواقف والأحداث أو أثناء تقديمه لأغانيه والمواضيع التي تتمحور حولها. كالتطرق لمسألة "الحرقان" في أغنية "ما عنديش زهر" أو المعاناة التي تسببها الرقابة على الأنترنات وغيرها من آليات قمع الحريات في "سيب صالح يا عمار".
البحث عن الخصوصية
يعد منير الطرودي أكثر الفنانين استفادة من الثورة وذلك بعد أن شكل مطلب أغلب المهرجانات والتظاهرات داخل تونس وخارجها وعبر عن ذلك قائلا: "أعتقد أن الثورة أنصفتني داخل بلدي بعد أن كنت من المغضوب عليهم من قبل الجميع في تونس فكانت أغلب العروض التي أحييها هناك لفائدة منظمات حقوقية أو ضمن مشاركات في أعمال جماعية. في المقابل لم أخضع لإرادة الإقصاء وسياسة التهميش بل وجدت البديل خارج تونس، وأعتبر أن في تمسكي بالأغنية واللون التونسي ونشاطي وإقامتي في بلدان أوروبية من العوامل التي بلورت النمط الذي أقدمه لتكتمل الصورة على النحو الذي أنا عليه وذلك بعد تخصص أكاديمي وبحوث وعمل متواصل لمدة سنوات والدليل أني حققت الشهرة والنجاح الكبير في أوروبا خاصة بكل من إيطاليا وفرنسا وغيرها من البلدان الأخرى التي تضم أعدادا كبيرة من الجالية التونسية والعربية المغاربية وذلك قبل أن أعرف في تونس". وأبدى منير الطرودي ابتهاجه بالغناء لأبناء تونس من خلال إحيائه لعروض في أغلب الجهات الداخلية نظير ما لاقاه خلالها من إقبال واستحسان لأنه يعتبرها خير إنصاف له واعترافا بقيمة المجهود الذي يبذله من أجل تقديم مادة غنائية متميزة تجمع بين التراث والمعاصر وتوحد بين الثقافات وتستجيب لمختلف الميولات والألوان الموسيقية لا سيما أن المسألة ليست بالأمر الهين والسهل وإنما كلفته كما أكد ذلك سنون من البحث والعمل والتضحيات. واعتبر ذلك من العوامل التي جعلته لا يبالي بالمتاعب والمشاق التي يتعرض لها خلال هذه الفترة بسبب التزامه بتنظيم عروض بشكل يومي تقريبا داخل تونس وخارجها. وبين محدثنا الذي توجهنا له بمناسبة عرضه بطبرقة ببعض الأسئلة حول آفاق عمله أنه بصدد الإعداد لمجموعة من الأغاني الجديدة في نفس النمط استلهمها من موسيقات عالمية لم تر النور من قبل وذلك بعد إنهاء مواعيده باعتبار أنه سيحيي سلسلة من العروض بفرنسا قبل نهاية الشهر الجاري تسبقها مواعيد بجهات أخرى داخل الجمهورية. من جهة أخرى اعترف منير الطرودي أنه لا يبالي بالمواقف الهدامة لكل ما يعتبره إضافة وابداعا فنيا لذلك كرس طاقته ليسمو بالمادة التي يقدمها والتي يوظف فيها معارفه في العلوم الموسيقية دون فصل بين الكلمة والإيقاع. واعتبر ما لاقاه من ردود أفعال مستحسنة لما يقدمه إبان كل عرض اعترافا صريحا بأهمية ما يقدمه مما شكل حافزا له للمضي قدما في مساره وخياره الفني.