رغم مرور شهرين على صدور المرسوم المتعلق بإحداث لجنة التصرف في المؤسسات المصادرة، يبقى الغموض سيد الموقف بخصوص تكوين هذه اللجنة وتركيبتها ونشاطها وهي المؤمنة على تحديد مستقبل نهائي لأكثر من 350 مؤسسة مصادرة إما بالتفويت فيها كليا او جزئيا أو تأميمها او حلها.. فقد حذرت هيئة الخبراء المحاسبين من الإطالة في الوضعية الحالية لهاته المؤسسات التي لا تخدم سيرها العادي ولا اقتصاد البلاد، إذ تم منذ فيفري الماضي تعيين متصرفين قضائيين على رأس المؤسسات المصادرة عهدت لهم مسؤولية التسيير الإداري والمالي اليومي بصفة مؤقتة إلى حين البت في مصيرها وتعيين متصرفين عاديين عليها. ودعا انيس وهايبي الخبير المحاسب وعضو الهيئة في حديث خص به «الصباح» إلى الإسراع بوضع خطة لتقصي المساهمات التي لم تشملها المصادرة خاصة عبر تتبع العمليات المالية المسجلة بالبورصة واستقصاء ما يمكن أن يحصل من عمليات تفويت لأشخاص أو مؤسسات «غطاء». وقال « إن الشكوك لا تزال تطغى في أوساط الأعمال حول وجود أشخاص تتحرك باسم ولفائدة غيرها أو استغلت غياب هؤلاء للاستحواذ على أملاك لم يكونوا فيها إلا وسيلة وأداة». يذكر أن عملية المصادرة التي تمت وفق المرسوم المؤرخ في 14 مارس 2011 ضمت أموالا منقولة وعقارية ومساهمات في شركات تعتبر من خيرة مكونات الإقتصاد الوطني في مختلف القطاعات الحيوية من صناعات معملية وتحويلية وتجارة وخدمات وسياحة وفلاحة وبعث عقاري واتصالات، فضلا عن مؤسسات اعلامية. وعملت لجنة المصادرة على حصر المساهمات التي ستتم مصادرتها وإعداد الإطار والإجراءات القانونية لهاته العملية، وقامت خلال لقائها الإعلامي الأخير بتحويل مجمع «برنساس هولدينق» إلى لجنة التصرف في المؤسسات المصادرة إلا أن شح المعلومات المتعلقة بنشاط هذه الأخيرة يدعو إلى الحيرة والاستغراب.. وحسب انيس الوهابي الخبير المحاسب فإن الفصل 2 من مرسوم احداث لجنة التصرف في المؤسسات المصادرة يبقى منقوصا إذ انه نصّ على أن مهام اللجنة المذكورة يتمثل في التصرف اليومي للمؤسسات المصادرة دون التطرق إلى وضع استراتيجيات العمل على المدى البعيد او ما تلزمه وضعية بعض الشركات من اعادة هيكلة او اصلاحات جوهرية. وهذا ما يدعو إلى التساؤل عن الاضافة التي ستقدمها هاته اللجنة مقارنة بالتصرف القضائي الموجود حاليا. كما أن تركيبة اللجنة تطرح عدة تساؤلات حول تفرغ اعضائها لهذه المهمة الكبيرة والمتشعبة من ناحية، واستمرارية عملها من ناحية أخرى في حال تغير الحكومة.. يذكر ان تركيبة اللجنة تتكون من اربعة أعضاء يتمثلون في وزراء المالية، والعدل، وأملاك الدولة، وممثل عن الوزارة الأولى مع حضور محافظ البنك المركزي ورئيس هيئة السوق المالية. ويحذر الخبير المحاسب بأن صياغة المرسوم المذكور توحي برغبة واضحة بالتفويت المباشر والسريع في هاته المؤسسات مما يمس من قيمتها في السوق ويتجاوز الصلاحيات المؤقتة للحكومة وهذا ما تم التذكير به من قبل اتحاد العام التونسي للشغل الذي دعا في آخر هيئة ادارية له إلى المحافظة على المؤسسات المصادرة والتريث في عملية التفويت. ويقترح انيس وهابي في هذا الصدد الاستئناس بموقف هيئة الخبراء المحاسبين الذي تم الإعلان عنه من أفريل الماضي الذي دعا إلى أن تكون لجنة التصرف في المؤسسات المصادرة مستقلة وأن تختص في إعادة هيكلة المؤسسات المعنية عبر شركة قابضة وادراج الشركات الجيدة في البورصة مع فتح راس مالها لعمالها وإطاراتها. وفي هذا الشأن يكون تمتيع عمال وإطارات هذه المؤسسات من مزايا خاصة للمساهمة في رأس المال (stock option) حلا مثاليا لما سيحققه من تحسين للأداء وتهدئة للأوضاع الإجتماعية بالمؤسسات. يذكر أن مجموع أصول هذه الشركات يقدر ب 5 مليارات من الدنانير أي، للقياس، ربع ميزانية الدولة التونسية السنوية. كما يبلغ حجم ديونها حوالي 3 مليارات دينار ويقدر عدد عمالها المباشرين ب 15 ألف عامل.