على امتداد شهر كامل وببادرة من جمعية الفنون الجميلة بالمنستير يحتضن متحف مدينة تونس قصر خير الدين معرضا تشكيليا جماعيا يتضمن 100لوحة ل 90رساما من عدة بلدان... باقة من اللوحات تم اختيارها من بين 700 لوحة كانت قد سجلت حضورها في الدورات الثماني السابقة للمهرجان الدولي للفنون التشكيلية بالمنستير والذي يطفئ هذا العام شمعته التاسعة. وخروج هذا المهرجان من المنستير ليشع ببريقه بمدينة تونس يعتبر الاول منذ انطلاقته. واضافة الى الرسامين التونسيين يشارك في المعرض فنانون من روسيا وتركيا وكوريا الجنوبية وبولونيا وكندا والمانيا واوكرانيا وايطاليا وفرنسا والصين وبلغاريا وبلجيكا.»» وإذا ما زرت قاعة العرض وتجولت في ارجاء المكان فإنك ستكون على موعد مع رحلة مختلفة واستثنائية. هي رحلة سندبادية بين عوالم عديدة تحيلك بالوانها وخطوطها الى دنيا مختلفة لتعيش ولو للحظات مع شخوص أخرى غير التي عهدتها في واقعك اليومي بتركيبتهم النفسية والفكرية.. وبأحلامهم وأمنياتهم.. وبنجاحاتهم وانكساراتهم... ورغم الاختلاف في طريقة رسم الخطوط وتشكيل الألوان وتجسيم الأشكال الا أنك تشعر وأنت تتجول بين تلك اللوحات وكأنك تحلق على بساط سحري في عالم لا مكان فيه الا للجمال والحرية... انك في عالم مترام تتحرك على أرضيته جملة من الشخوص والأحداث والأزمنة والأمكنة... انك أمام اختزال فني رائع للزمان والمكان بتكثيف عالي الدرجة...
الغوص داخل الذات
أغلب اللوحات كانت غوصا قد يكون داميا داخل الذات في محاولة للقيام بعملية كشف واستكشاف ان لم يكن شيء أشبه بالتشريح بقصد البحث في المضمون.. نوع رقيق وحاد كمشرط الجراح الماهر الذي يفتح نافذة في الجسم لكي يضع اصبعه على موطن الداء. أو تجوال متأمل عبر رؤية ذات طابع تراكمي تبدأ عند حدود الجوع وتنتهي عند حد معين من الشبع... انه اطلالة -على مكنون ما- عبر صور هي أقرب لأن تكون شاعرية تنتهي باضاءة المفروض فيها.. انها باهرة وخاطفة في الوقت نفسه مما يترتب عن المتلقي الابقاء على احساس بالتوق ممزوج بالجوع وطلبا للمزيد بحثا عن وجبة كاملة تترك في الذهن رغبة تنحو بك نحو التأمل الجميل.. كل لوحة في هذا المعرض كانت نصا جريئا... وكل تعليق على مأساة.. وكل خط يعبر عن ظلم.. وكل مشهد يوحي بمعاناة أو بحلم.. وكل صورة تعري كذبا أو تكشف زيفا... جميعها كانت باقة رائعة وجميلة تختزل في الانسان أسمى معاني الوجود ..وتلغي بداخلك ولو للحظات خاطفة مواطئ القبح ومكامن الدمامة.. هذا المعرض لم يكن ابتكارا.. أو تنجيما.. أوطلاسم. بقدر ما كان بحثا في طريق طويلة لاتنتهي عن قيم الجمال والحب.. وتوقا متواصلا لتجسيم معنى الحرية والانطلاق وحب الجمال..